الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح فساد الوضع
لقد ذكرنا قسمين لقادح فساد الوضع، والجواب عن هذا القادح
يختلف باختلاف القسمين السابقين، فأقول:
أولاً: الجواب عن القسم الأول: أن يورد المستدل من الأجوبة
على النص والإجماع كما لو كان الاستدلال بهما ابتداء، فيقول
مثلاً: إن النص هذا منسوخا.
ويقول - أي: المستدل -: إني لا أرى الاستدلال بهذه الآية أو
ذاك الحديث من الوجه الذي أوردته أيها المعترض، كأن يستدل
المعترض بالمفهوم المخالف من الآية أو الحديث، وهو لا يرى
الاحتجاج به، أو يقول المستدل: إن الآية التي أتيت بها أيها
المعترض لها قراءة أخرى غير ما قرأت بها، أو يعترض بأن هذا
الحديث مرسل، والحديث المرسل غير حجَّة، أو أن في السند رجلا
غير ثقة، أو نحو ذلك.
ويقول في الإجماع: إن الإجماع الذي استندت إليه إجماع
سكوتي، وهو ليس بحُجَّة عندي، أو نحو ذلك.
مثال ذلك: قول المستدل: سؤر السبع نجس؛ لأنه سؤر سبع
ذي ناب، فكان نجسا كسؤر الكلب والخنزير.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأنك رتبت على
العلة ضد ما علقه الشارع عليها في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الهر سبع "
فجَعل الرسول صلى الله عليه وسلم كونه سبعا عِلَّة للطهارة.
فيجيب المستدل بقوله: هذه الرواية التي ذكر فيها التعليل بالسبعية
رواية ضعيفة هذا من جهة السند.
وهي غير صحيحة من جهة المتن؛ لأن التعليل بكونه سبعا منقوض
بالحكم بنجاسة سؤر الكلب فهو سبع، وقد حكم الشارع بنجاسة
سؤره بقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا ولغ الكلب في إتاء أحدكم فليغسله سبعا ".
مثال جواب المستدل على اعتراض المعترض بالإجماع: ما سبق
من أنه يستحب تكرار مسح الرأس؛ قياسا على الاستجمار بالحجر،
فيقول المعترض: قياسك فاسد الوضع؛ لأن الإجماع قد رتب على
هذه العِلَّة التي ذكرتها حكما نقيض ما رتبته عليها من حكم، وذلك
في مسح الخف، حيث لا يستحب فيه التكرار إجماعا مع أنه مسح.
فيجيب المستدل بقوله: لم أرتب على هذه العِلَّة إلا ما تقتضيه،
وما رتبته من حكم هو مقتضى الوصف فيما ذكرت أيها المعترض،
فيستحب التكرار في مسح الخف، إلا أنه وجد مانع من التكرار؛
حيث إن تكرار مسح الخف يؤدي إلى تلفه.
ثانيا: الجواب عن القسم الثاني - وهو: أن يبين المستدل أنه ما
رتب على العِلَّة إلا ما تقتضيه -.
مثاله: قول المستدل: القتل عمداً معنى يوجب القتل، فلا
يوجب الكفارة؛ قياسا على الردة.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأنك قد رتبت على
العلَّة التي تقتضي التشديد حكما بالتخفيف؛ حيث إن عظم الجناية،
وهي: القتل يقتضي تشديد الحكم، لا تخفيفه بعدم إيجاب الكفارة.
فيجيب المستدل بقوله: لم أرتب على العِلَّة إلا ما اقتضته، لا
ضد ذلك؛ لأن تشديد وتغليظ عقوبة الجناية بإيجاب القصاص قد
بلغ الغاية في العقوبة، فلا يغلظ فيه بوجه آخر بإيجاب الكفارة.