الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس عشر حكم التعليل بالاسم المجرد
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أنه لا يجوز مطلقا التعليل بالاسم المجرد مثل:
تعليل تحريم الخمر بكون العرب سمته خمراً، وتعليل تحريم الربا في
المذهب بكونه ذهباً.
حيث إنا نعلم بالضرورة أن مجرد هذا اللفظ لا أثر له، فإن أريد
به تعليله بمسمى هذا الاسم، وهو: كونه مخامراً للعقل مانعا عن
إدراك حقائق الأمور، فإنه يكون تعليلاً بالوصف لا بالاسم، وإن
أريد به غير ذلك فممنوع؛ لعدم أثره.
وهو مذهب كثير من الشافعية، والمالكية، وهو الحق؛ لما ذكرناه
ولأن الاسم ليس وصفا ولا فيه معنى الوصف، فانتفت عنه حقيقة
العلَّة.
المذهب الثاني: أنه يجوز التعليل بالاسم مطلقا.
وهو مذهب أكثر الحنفية، وكثير من الشافعية مثل قولهم:
لا يجوز بيع الكلب المعلَّم؛ لأنه كلب فهو وغير المعلم في ذلك سواء،
ومثل قول آخرين في النبيذ: إنه يسمى خمراً فيحرم كالمعتصر من
العنب، ومثل قول فريق ثالث في بول ما يؤكل لحمه: إنه بول
كبول الآدمي.
جوابه:
يجاب عنه: أننا عرفنا العلة بأنها الوصف المعرف للحكم والاسم
ليس وصفا، ولا فيه معنى الوصف.
ثم لو دققنا في تلك الأمثلة التي ذكرتموها وزعمتم أنها تعليل
بمجرد الاسم، فإنا لا نجدها كذلك، بل فيها شبه بالوصف، حيث
شبه الأسماء بالأوصاف.
المذهب الثالث: التفصيل بين الاسم المشتق، فيجوز التعليل به،
وبين الاسم العلم واسم الجنس، فلا يجوز على خلاف بينهم.
وهو مذهب كثير من المالكية، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية،
وكثير من المعتزلة.
بيان هذا المذهب ودليله:
أن الاسم إذا كان مشتقا من فعل كالضارب، فإنه يجوز أن يكون
عِلَّة، لأن الأفعال يجوز أن تجعل عللاً في الأحكام.
أما إذا كان الاسم غير مشتق فهو نوعان:
النوع الأول: الاسم العَلَم كزيد وبكر: قد اتفق أصحاب المذهب
الثالث على أنه لا يجوز التعليل به؛ لأن الأعلام غير لازمة؛ لجواز
انتقالها.
ولأن العَلَم إنما جعل في موضع الإشارة على الشيء، والإشارة
ليس بعلَّة في أي حال من الأحوال، فينبغي أن يكون القائم مقامها
- وهو العَلَم - كذلك.
النوع الثاني: اسم الجنس كالرجل، والمرأة، والفرس: قد
اختلف فيه أصحاب المذهب الثالث على قولين:
القول الأول: إنه يجوز التعليل به، وهو مذهب المعتزلة،
وعللوا ذلك: بأن هذا الاسم لازم غير منتقل.
القول الثاني: إنه لا يجوز التعليل به، وهو مذهب بعض
الحنفية، وبعض الشافعية.
وعللوا ذلك: بأن التعليل بالأسامي يشبه التعليل بالطرد،
والتعليل بالطرد فاسد - كما سبق بيانه.
وإنما جوزوا التعليل بالأسامي المشتقة مع أنها أسامي؛ للاشتقاق
الذي فيها لا بنفس الاسم.
جوابه:
إن كلامنا في الاسم المجرد، حيث إنا قلنا: إنه لا يجوز التعليل
به، أما الاسم الذي تضمن صفة كالاسم المشتق كالضارب، أو هو
مستلزم للصفة، فإنه يجوز التعليل به؛ لأنه يؤدي إلى كونه تعليلاً
بالوصف لا بالاسم.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي فيما يبدو لي؛ وذلك لأن أصحاب المذاهب قد
اتفقوا على أن الاسم إذا كان وصفا، أو هو بمعنى الوصف، أو
يفهم منه الوصف بأي شكل، فإنه يجوز التعليل به؛ لأن هذا تعليل
بالوصف لا بالاسم.
أما إذا كان الاسم لا يفهم منه الوصف، فإنه لا يجوز التعليل به؛
لأن مجرد الاسم لا أثر له ولا يدل على معناه.
ويدلنا على ذلك: قول أصحاب المذهب الثالث: إنا جوزنا
التعليل بالأسامي المشتقة؛ للاشتقاق الذي فيها، لا بنفس الاسم.
ويؤيد ذلك - أيضاً -: الأمثلة التي ذكرها أصحاب المذهب الثاني
فإنه يفهم من الاسم الذي عللوا به فيها الصفة ولو كان فهما بعيداً.