الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني كيفية الجواب عن الاستفسار
أولاً: الجواب عن استفسار المعترض حينما يكون اللفظ
مجملاً:
إذا طلب المعترض من القائمس بيان المعنى الذي يريده من اللفظ
الذي أورده في قياسه، فإن القائس يجيب عن ذلك بطرق هي:
الطريق الأول: أن يمنع القائس كون اللفظ مجملاً: فيقول: إن
اللفظ الذي أوردته لا يحتمل إلا معنى واحداً، ويستشهد على ذلك
بكلام أهل اللغة.
مثاله: قال المستدل - وهو القائس - مستدلاً على أن الحيض مانعاً
من صحة الطواف -: قرء تحرم معه الصلاة، فيحرم معه الطواف؛
قياسا عليها.
فيقول المعترض: إن قياسك الطواف على الصلاة قد اشتمل على
لفظ مجمل، وهو لفظ قرء -؛ لأنه يحتمل أن يراد به الحيض،
ويحتمل أن يراد به الطهر، فما الذي تريده منهما بهذا اللفظ؟.
فيجيب المستدل - وهو القائس - بقوله: أنا أمنع كون لفظ:
"القرء " يحتمل أكثر من معنى؛ لأنه لا يطلق إلا على معنى واحد
هو: الحيض، ويورد من كلام أئمة اللغة ما يدل على ذلك.
الطريق الثاني: أن يقر المستدل - وهو القائس - على أن اللفظ
يحتمل معنيين، ولكنه يُبين أن لفظه ظاهر في الدلالة على مقصوده
ومراده، ويبين أن ذلك ظاهر من جهة الشرع، أو من جهة العرف،
أو من جهة اللغة، وإليك مثالاً لكل واحد:
مثال بيان المستدل: أن اللفظ الذي أورده ظاهر الدلالة على مراده
شرعا: قوله: الوضوء قربة فوجبت له النية؛ قياسا على غيره من
القرب كالصلاة.
فيقول المعترض: قد اشتمل قياسك هذا على لفظ مجمل - وهو:
لفظ " الوضوء "؛ لأنه يحتمل أن يقصد به الوضوء اللغوي، أو
الأفعال المخصوصة، وهو معنى شرعي، فأي المعنيين تريد بهذا
اللفظ؟
فيجيب المستدل بقوله: إن لفظ " الوضوء " الوارد في قياسي
ظاهر الدلالة على أن المراد به الأفعال المخصوصة شرعاً؛ لأن لفظ
"الوضوء" لا يتبادر إلى الذهن عند إطلاقه إلا المعنى الشرعي.
ومثال بيان المستدل: أن اللفظ الذي أورده ظاهر من جهة العرف:
قوله: خروج الدم اليسير من المصلي لا ينقض وضوءه؛ لأن الدم
اليسير معفو عنه؛ قياسا على ما لو كان خارج الصلاة.
فيقول المعترض: قياسك هذا قد اشتمل على لفظ مجمل، وهو
لفظ " يسير "؛ حيث يتفاوت المكلَّفون في تقدير هذا اليسير.
فيجيب المستدل بقوله: إن ما أوردته في قياسي من لفظ " اليسير "
ظاهر الدلالة على أن المراد به اليسير في عرف أوساط المكلَّفين لا
الغالين، ولا الجافين.
ومثال بيان المستدل: أن اللفظ الذي أورده ظاهر من جهة اللغة:
قوله: إذا حال عن الماء أسد جاز التيمم قياسا على فاقد الماء حقيقة.
فيقول المعترض: قياسك هذا قد اشتمل علر، لفظ مجمل وهو:
" أسد "؛ لأنه يحتمل أن يراد به الحيوان المفترس، أو يراد به الرجل
الشجاع، فما الذي تريده بهذا اللفظ؟
فيجيب المستدل بقوله: إن لفظ " الأسد " ظاهر من حيث الوضع
اللغوي على الحيوان المفترس وهي: دلالة حقيقية، ودلالته على
الرجل الشجاع دلالة مجازية، لهذا قد اتضح أن المراد به الحقيقة
وهو: الحيوان المفترس.
الطريق الثالث: أن يفسر المستدل مراده باللفظ؛ بأن يسلم المستدل
بالإجمال، ولا يدعي الظهور، وإنما يختار أحد المعنيين أو المعاني
المحتملة.
مثاله: قول المستدل: المكره على القتل مختار للقتل فيقتص منه
كغير المكره.
فيقول المعترض: قد اشتمل هذا القياس على لفظ مجمل، وهو
لفظ " مختار "؛ حيث إنه يحتمل أن يكون اسم فاعل، وهو القادر
على القتل، أو أن يراد به الفاعل الراغب للقتل، فما المعنى الذي
تريده منهما بهذا اللفظ؟
فيجيب المستدل بقوله: إني أريد بهذا اللفظ الأول وهو: الفاعل
القادر على الإتيان بالفعل؛ حيث لا مانع له في بدنه وإن كان
محمولاً على هذا الفعل من خارج.
ْثانيا: كيفية الجواب عن الاستفسار حينما يكون اللفظ غريبا:
يجيب المستدل عن استفسار المعترض في هذا بطرق هي كما يلي:
الطريق الأول: أن يمنع المستدل كون اللفظ غريبا.
مثاله: قال المستدل: لا تحل فريسة الكلب غير المعلم؛ لأنه
وحش لم يروض فلا تحل فريسته؛ قياسا على الذئب.
فيقول المعترض: قد اشتمل قياسك هذا على لفظ غريب وهو
لفظ " فريسته "، فما الذي تريده بهذا اللفظ؟
فيجيب المستدل بقوله: إني أمنع أن يكون لفظ " الفريسة " غريبا،
بل هو معروف المعنى.
الطريق الثاني: أن يُبَيِّن المستدل كون هذا اللفظ ظاهر المعنى،
ويبين أن ذلك ظاهر من جهة القرينة، أو جهة اللغة، أو جهة
العرف، وإليك مثالاً لكل واحد:
مثال بيان المستدل: أن اللفظ ظاهر من جهة القرينة: قول
المستدل: طلَّة زوجت نفسها فلا يصح نكاحها كما لو لم يأذن وليها.
فيقول المعترض: قد اشتمل قياسك على لفظ غريب، وهو لفظ
" طلَّة "، فما المراد بهذا اللفظ؟
فيجيب المستدل بقوله: إن هذا اللفظ - وهو: " طلَّة " - الوارد
في قياس ظاهر المعنى؛ حيث إن المراد به المرأة؛ لقرينة إسناد التزويج
لها.
ومثال بيان المستدل: أن اللفظ ظاهر المعنى من جهة اللغة: قوله:
لا يحل الأكل من الصيد الذي أكل منه الكلب المعلم؛ لأنه صيد
جارحه لم ترض فلم يحل كغير المعلم.
فيقول المعترض: إنه ورد في قياسك لفظ غريب وهو: " لم
يرض "، فما المراد من هذا اللفظ؟
فيجيب المستدل بقوله: إن لفظ " لم يرض " ظاهر المعنى، على
حسب الوضع اللغوي؛ حيث إنه من الرياضة.
ومثال بيان المستدل: أن اللفظ ظاهر المعنى من جهة العرف:
قوله: القُبْلة من الصائم مبدأ مجرد عن الغاية، فلا تفسد الصوم
كالمضمضة.
فيقول المعترض: إنه ورد في قياسك هذا لفظان غريبان هما:
"مبدأ "، و " غاية "، فما المراد بهما عندك؟
فيجيب المستدل بقوله: إق لفظ " مبدأ "، و " غاية " ليسا بغريبين
بل هما ظاهران عرفا عند المجتهدين المتخصصين بعلم المناظرة ومسائل
الخلاف؛ حيث إن المراد بلفظ " المبدأ ": السبب، والمراد بلفظ
" غاية ": المقصود.
الطريق الثالث: أن يفسر المستدل مراده باللفظ، فيسلم كون اللفظ
غريباً، ويكتفي ببيان المعنى الذي يتضح به اللفظ.
مثاله: قول المستدل: لا يحل صيد الكلب غير المعلم؛ لأنه
خراش لم يُبْلَ، فلا تحل فريسته كالسيد.
فيقول المعترض: إنه ورد في قياسك هذا ألفاظ غريبة وهي لفظ:
" خراش "، ولفظ:" لم يُبْلَ "، ولفظ " السيد "، فما مرادك
بهذه الألفاظ؟
فيجيب المستدل بقوله: أريد بلفظ: " خراش ": الكلب، وأريد
بلفظ " لم يُبْلَ ": أنه لم يجرب ويمتحن حتى يتعلم، وأريد بلفظ
" السيد ": الذئب.