الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع في بيان كيفية الجواب عن قادح القلب
يختلف جواب المستدل عن قادح القلب باختلاف أنواعه، ولبيان
ذلك لا بد من التفصيل الآتي:
أولاً: الجواب عن النوع الأول:
يكون جواب المستدل عن قادح القلب الذي يبديه المعترض في هذا
النوع بما يرد على العلَّة المبتدأة: فيورد المستدل من أوجه الجواب ما
يورده على علَّة المعترض، كما لو كان المعترض قد جاء بعلَّة أخرى
غير العِلَّة التي قد جاء بها المستدل، فله - أي: للمستدل - أن
يجيب بعدم التأثير أو بفساد الوضع، أو بفساد الاعتبار، أو بمنع
وجود العلَّة في الأصل، أو بمنع وجودها في الفرع، أو بترجيح علته
على عِلَّة المعترض.
مثال ذلك؛ قول المستدل: الرأس ممسوح، فلا يجب استيعابه
بالمسح؛ قياساً على الخف.
فيقول المعترض: الرأس ممسوح، فلا يقدر مسحه بالربع؛ قياسا
على الخف.
فيجيب المستدل بقوله: أنا أمنع الحكم في الأصل، وهو: أن
مسح الخف لا يتقدر بالربع.
فهنا: المستدل قد منع الحكم الذي في الأصل؛ حيث اعتمد عليه
المعترض في قلبه قياس المستدل، وفعل ذلك المستدل لأجل أن يصح
قياسه.
ثانياً: الجواب عن النوع الثاني - وهو: قلب التسوية - يكون بما
تقدم في النوع الأول.
ويزاد في الجواب عن هذا النوع: بأن يبين المستدل الفرق بين ما
يرى المعترض أنهما متساويان.
مثاله: نفس المثال السابق في النوع الثاني وهو: قياس المكرَه على
المختار في وقوع طلاق كل منهما بجامع: أن كلًّا منهما مكلف
مالك.
فيقول المعترض: المكرَه مكلف مالك للعصمة فيستوي فيه إقراره
بالطلاق، وإيقاع الطلاق.
فيجيب المستدل بقوله: أنا لا أسلم التسوية بين إيقاع الطلاق
والإقرار به؛ بل بينهما فرق، ووجه الفرق: أن الإقرار بالطلاق
يدخله الصدق والكذب، أما الإيقاع به فإنه لا يحتمل ذلك، بل إذا
وجد وقع.
ثالثا: الجواب عن النوع الثالث - وهو: قلب العِلَّة حكما،
وقلب الحكم عِلَّة - يكون بما تقدم من الأجوبة عن النوع الأول، لا
سيما الجواب بأن يرجح المستدل تعليله على تعليل المعترض بأحد
أوجه الترجيح.
مثاله: نفس المثال السابق في النوع الثالث وهو: أن يقيس
المستدل الذمي على المسلم في صحة الظهار منه بجامع: أن كلا
منهما يصح منه الطلاق.
فيقول المعترض: المسلم صح طلاقه؛ لأنه صح ظهاره.
فيجيب المستدل بقوله: إن ما ذكرته من التعليل يرجح على ما
ذكرته - أيها المعترض - وسبب الترجيح: أن التعليل الذي ذكرته
تكون العلَّة فيه متعدية؛ حيث إن تعليل صحة ظهار المسلم بصحة
طلاقه، يجعل العِلَّة متعدية إلى الفرع الذي هو الذمي؛ حيث إن
الذمي يصح طلاقه، فيصح ظهاره.
أما التعليل الذي ذكرته - أيها المعترض - تكون العلَّة فيه قاصرة،
فلا تتعدى إلى الفرع؛ حيث إنك - أيها المعترض - لما قلبت هذا
الأصل بأن كانت صحة ظهار المسلم عِلَّة لصحة طلاقه، فهذا يجعل
العِلة غير متعدية للفرع، فلا يثبت فيه الحكم وهو صحة الظهار من
الذمي.
ومعروف أن العِلَّة المتعدية أَوْلى من القاصرة؛ حيث إن فيه تعميما
للأحكام الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة؛ لأن الأصل تعميم
الأحكام.