الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس في حكم العمل بالراجح من الدليلين
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجب العمل بالراجح من الدليلين المتعارضين.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ للأدلة التالية:
الدليل الأول: إجماع الصحابة رضي الله عنهم حيث إنهم
كانوا يعملون بالراجح من الدليلين، ويتركون العمل بالدليل المرجوح
وهذا ثبت في عدة صعور ووقائع منها:
1 -
أنهم عملوا بقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا التقا الختانان فقد وجب الغسل "
وتركوا العمل بقوله: " إنما الماء من الماء ".
2 -
أنهم عملوا بحديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم "، وتركوا العمل بقوله: " من أدرك الصبح وهو جنب فلا
صوم له ".
الدليل الثاني: أن العرف يقتضي العمل بالراجح، وترك
المرجوح، فإذا كان ترجيح الراجح متعين عرفا، فكذا شرعا.
الدليل الثالث: أنه لو لم نعمل بالراجح: للزم العمل بالمرجوح
ولا شك أن ترجيح المرجوح على الراجح ممتنع عقلاً، فلم يبق إلا
العمل بالراجح.
المذهب الثاني: أنه لا يجب العمل بالراجح، بل إنه يلزم التخيير
أو التوقف.
وهو مذهب بعض العلماء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن الأدلة المتعارضة لا تزيد على البينات المتعارضة
والترجيح غير معتبر في البينات، فيقاس عليها الادلة المتعارضة،
فكما أنه لا تقدم شهادة الأربعة على شهادة الاثنين، فكذلك لا يقدم
دليل على دليل.
جوابه:
يجاب عن ذلك بجوابو:
الجواب الأول: أن الحكم في الأصل المقاس عليه وهو: " أن
الترجيح غير معتبر في البينات " مختلف فيه، حيث إنه معتبر عند
بعض العلماء، ومنهم مالك.
الجواب الثاني: أن هذا القياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق،
ووجه الفرق: أنه لو اعتبر الترجيح في البينات بكثرة العدد؛ لأدى
إلى عدم انضباط الأمور، وامتداد الخصومة؛ حيث إن الخصم سياتي
بشهود أكثر من شهود خصمه، وهكذا الآخر، ثم لا ينتهي الأمر،
ونظرا لذلك فإنه امتنع اعتبار الزيادة في البينات.
بخلاف الأدلة المتعارضة، فكلما زاد ما يقوي دليلاً تقوى رجحانه.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) .
وجه الدلالة: أن اللَّه قد أمر بالاعتبار مطلقا من غير تفصيل، فلا
وجه لوجوب العمل بالراجح، دون المرجوح.
جوابه:
إن الآية تفيد الأمر بالاعتبار، وهو القياس - كما سبق بيانه - ولا
تفيد ما ذكرتموه، فليس فيها ما ينافي القول بوجوب العمل
بالراجح، حيث إن إيجاب العمل بأحد الدليلين لا ينافي إيجاب غيره.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي، كما هو واضح.