الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث عشر حكم تعليل حكمين أو أحكام بعِلَّة واحدة
لتحرير محل النزاع لا بد أن أقول: إن الأحكام لا تخلو من أمور:
الأمر الأول: أن تكون العِلَّة الواحدة قد أثبتت أحكاما متماثلة،
وهذا له صورتان:
الصورة الأولى: أن تكون في ذات واحدة، وهذا غير جائز؛
لاجتماع المثلين.
الصورة الثانية: أن تكون في ذاتين، وهذا جائز كأن يحصل قتل
بفعل زيد وعمرو، فيجب القصاص على كل واحد منهما، فهو
حكم في ذاتين.
الأمر الثاني: أن تكون العلَّة الواحدة قد أثبتت أحكاما مختلفة،
ولكنها غير متضادة، فإن هذا جائز، مثل: تحريم الصلاة والصوم
ومس المصحف، والعِلَّة واحدة وهي: الحيض.
الأمر الثالث: أن تكون العِلَّة الواحدة قد أثبتت أحكاما مختلفة
متضادة مثل: القتل العمد العدوَان عِلَّة لوجوب القصاص، ولحرمان
القاتل من الميراث، وهذا الذي اختلفَ العلماء فيه على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز تعليل حكمين فكثر بعِلَّة واحدة.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لأن العِلَّة - كما قلنا
فيما سبق - هي: المعرف للحكم، ولا مانع من أن يكون الوصف
الواحد معرفاً بحكمين أو أكثر، فيكون مناسبا لهما: فالقذف مثلاً
عِلَّة لوجوب الحد على القاذف، وهو أيضاً عِلَّة لعدم قبول شهادته.
والقتل العمد العدوان عِلَّة لوجوب القصاص، وعِلَّة أيضاً لحرمان
القاتل من الميراث.
والغروب علَّة لجواز الفطر في رمضان، وعلَّة أيضا لوجوب صلاة
المغرب، وعِلَّة أيضا لصحة الحج.
المذهب الثاني: أنه لا يجوز تعليل حكمين فأكثر بعِلَّة واحدة.
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، وعليه فلا يصح أن يكون
الوصف الواحد عِلَّة لحكمين.
جوابه:
هذا الكلام ليس على إطلاقه، بل ذلك يصح في الواحد الحقيقي
من جهاته، أما كلامنا هنا فيخص الجهات المختلفة، فالغروب -
مثلاً - علامة وعِلَّة لجواز الفطر من جهة، وعلامة وعِلَّة لوجوب
المغرب من جهة أخرى.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي فيما يظهر لي؛ ذلك لأن أصحاب المذهب
الثاني لا يخالفون في أن القتل العمد العدوان عِلَّة لوجوب
القصاص، وعلَّة - أيضا - لحرمان القاتل من الميراثَ؛ حيث لا
يوجد ما يعلل به هذان الحكمان إلا هذه العِلَّة، فيكون الخلاف في
اللفظ دون المعنى.