الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس هل يشترط أن تكون العلَّة ظاهرة جلية أو يجوز
التعليل بالوصف الجلي والخفي
؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يشترط أن تكون العِلَّة ظاهرة جلية.
وهو مذهب المالكية، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض
الحنابلة، وهو الحق؛ لأن المقصود من الوصف المعلل به إثبات
الحكم في الفرع، ولا يمكن هذا إلا إذا كان هذا الوصف جليا ظاهراً
في الأصل ويوجد في الفرع كما وجد في الأصل، أما إذا كان هذا
الوصف خفياً في الأصل فإنه لا يمكن إثبات الحكم بواسطته في الفرع
فمثلاً لو قلنا: إن عِلَّة الملك في البيع هو: التراضي بين المتبايعين،
فإن هذه العلَّة لا تصح؛ لأن الرضى من الأوصاف الخفية التي يتعذر
الوقوف عليَها بنفسها، لذلك لا بد أن نعلل الملك في البيع بأمر
ظاهر يكون مظنة تحقيق الرضا في البيع وهو: الإيجاب والقبول من
الطرفين، أو المعاطاة في الأشياء اليسيرة والحقيرة.
فإن الإيجاب والقبول من الطرفين في الأشياء النفيسة والمعاطاة في
الأشياء الحقيرة دليل على رضا المتعاقدين.
المذهب الثاني: أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز التعليل بالوصف
الجلي والخفي، ولا فرق.
وهو مذهب أكثر الحنفية.
تفسير الجلي والخفي من الأوصاف عند الحنفية:
المراد بالوصف الجلي عندهم: ما لا يحتاج إلى النظر الكثير
كتعليل طهارة سؤر الهرة بكثرة التطواف وصعوبة التحرز منها المنبه
عليه في قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات ".
والمراد بالوصف الخفي عندهم: ما يحتاج إلى نظر كثير ودقة تأمل
كالعلل التي يتطرق إليها الاحتمال كتعليل تحريم ربا الفضل في البر
بالطعم، أو الاقتيات، وتعليل عررم الربا في الذهب والفضة
بالثمنية، ونحو ذلك.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي؛ حيث إن أصحاب المذهب الأول إنما اشترطوا
أن يكون الوصف ظاهراً بنفسه أو بغيره، وهذا موافق لما أراده أكثر
الحنفية؛ حيث بيَّنوا: إن الوصف الخفي يكتسب الظهور مما يقوم
مقامه، فمثلاً الرضا بين المتعاقدين وإن كان خفيا، إلا أن دلالة صيغة
العقد الظاهرة عليه جعلته من الأوصاف الظاهرة التي يجوز التعليل
بها، وعليه: فإن كل وصف يمكن الوقوف عليه بدليل يزيل خفاءه
يصح نصبه أمارة وعِلَّة ما دام المقصود حاصلاً به، وهو التعريف
بالحكم.
فهذا الكلام منهم يدل على أن الوصف الظاهر هو الذي يعلل به،
أما ما خفي فلا يعلم إلا بواسطة الوصف الظاهر، وهو موافق لما
قلناه.