الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس بيان كيفية جواب المستدل عن هذا القادح
وبيان موقف المعترض من هذا الجواب
إذا أورد المعترض صورة زعم فيها وجود عِلَّة المستدل مع تخلف
الحكم عنها تنقض عِلة المستدل: فإن للمستدل أن يجيب عن ذلك
بأحد الطرق التالية:
الطريق الأول: أن يمنع المستدل وجود علته في تلك الصورة التي
أوردها المعترض.
مثال ذلك: قول المستدل: المضمضة في الغسل واجبة؛ لأن الفم
عضو يجب غسله من النجاسة، فوجب غسله من الجنابة؛ قياسا
على سائر الأعضاء.
فيقول المعترض:. هذا منقوض بالعين فهي عضو يجب غسله من
النجاسة، ولا يجب غسله في الجنابة.
فيجيب المستدل بقوله: العين عندي لا يجب غسلها من النجاسة،
فلا يلزم النقض.
مثال آخر: الوقف عقد نقل، فوجب أن يفتقر للقبول؛ قياسا
على البيع.
فيقول المعترض: هذا منتقض بالعتق فهو عقد ينتقل فيه الملك،
ولا يفتقر إلى القبول.
فيجيب المستدل بقوله: العتق عندي ليس بنقل، وإنما هو إسقاط
كالطلاق، والإسقاط لا يفتقر للقبول بخلاف النقل والتمليك.
موقف المعترض من الجواب بهذا الطريق:
حينما يمنع المستدل وجود العلَّة في صورة النقض، فإنه يجوز
للمعترض إقامة الدليل على وجَود العلَّة إذا تعين طريقا للمعترض
لنقض العِلَّة؛ لأن فيه تحقيقا لفائدة المناظَرة.
أما إذا لم يتعين طريقا للمعترض، بل وجد ما يحقق المقصود
بطريق آخر، فلا يجوز له - أي: للمعترض - إقامة الدليل على
وجود العلَّة في الصورة المنقوض بها علة المستدل؛ لأن الفائدة تتحقق
بذلك الطريق الآخر.
مثال ذلك: قول المستدل: الوضوء طهارة فتحتاج إلى النية
كالتيمم.
فيقول المعترض: هذا منتقض بإزالة النجاسة فهي طهارة، ولا
تجب فيها النية.
فججيب المستدل بقوله: أنا أمنع كون إزالة النجاسة طهارة.
فيقيم المعترض الدليل على وجود الدليل على أن إزالة النجاسة
طهارة، وهو قوله تعالى " (وثيابك فطهر) .
الطريق الثاني: أن يفسر المستدل لفظ علته، وهذا فيه التفصيل
الآتي:
1 -
أن يفسر المستدل لفظ علته وله معنى واحد.
مثاله: قول المستدل: الوضوء طهارة من حدث، فتفتقر إلى
النية؛ قياسا على التيمم.
فيقول المعترض: هذا منتقض بإزالة النجاسة، فهي طهارة ولا
تحتاج إلى النية.
فيجيب المستدل بقوله: إني قد ذكرتُ قيداً في العِلَّة، وهو كونه
حدثا، وإزالة النجاسة ليست عن حدث.
2 -
أن يفسر المستدل لفظ علته وله معنيان.
مثاله: قول المستدل: جمع الطلاق في القرء الواحد لا يكون
مبتدعا؛ قياساً على ما لو طلقفا ثلاثا في قرء واحد مع الرجعة بين
الطلقتين.
فيقول المعترض: إن هذا منتقض بما لو طلقها ثلاثا في الحيض،
فهو جمع للطلاق في قرء واحد وهو بدعي.
فيجيب المستدل بقوله: أنا أريد بالقرء: الطهر، لا الحيض.
3 -
هل يفسر المستدل لفظ علته العام بالخاص؟
قد اختلف العلماء فيه على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا يجوز للمستدل أن يفسَّر اللفظ العام
بالخاص.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لأن لفظ المستدل
عام، ومقتضاه شمول جميع المحال؛ حيث إنه لازم له، فإذا أورد -
عليه النقض فهو مورد على ما يلزمه، وإرادته الخاص بعد النقض
زيادة في الوصف؛ ليدفع بها النقض، وهذا لا يصح.
المذهب الثاني: يجوز ذلك.
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
القياس على الشارع، بيان ذلك:
كما أن للشارع أن يطلق لفظا عاما ثم يخصه، فكذا المستدل ولا
فرق.
جوابه:
هذا قياس باطل؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق: أن
للشارع النسخ، وله أن يذكر بعض العلَّة، ويترك الباقي إلى اجتهاد
المجتهد، وهذا لا يجوز في حق المسَتدل الذي يريد إثبات الحكم
بعلته.
الطريق الثالث: أن يزيد المستدل وصفا في علته.
وهذا ليس بصحيح، فلا يجوز للمستدل أن يزيد وصفا في علته؛
لأمرين:
الأمر الأول: أن ما ذكره المستدل هو جميع العِلَّة، والنقض قد
ورد على جميع العلَّة، فإذا ذكر وصفا آخر للعِلَّة بعد ورود النقض:
كان هذا انتقالاً إلى علَّة أخرى متكونة من العلَّة السابقة، ومن
الوصف الذي زاده.
الأمر الثاني: أن القول بجواز هذه الزيادة للمستدل إخلال بقواعد
الجدل والمناظرات، وعدم الالتزام بضوابطها التي تقتضي إيراد
المستدل دليله كاملاً أمام المعترض.
مثاله: قول المستدل: باع رجل مطعوما بمطعوم متفاضلاً، فهذا
لا يجوز؛ قياسا على البر.
فيقول المعترض: هذا منتقض ببيع الأرز بالبر متفاضلاً.
فيجيب المستدل بقوله: أنا أزيد وصفاً في العِلَّة، فأقول:
"مطعوم من جنس واحد " حتى لا يرد هذا النقض.
فهنا: لا يجوز للمستدل أن يزيد ذلك لما قلناه.
الطريق الرابع: أن يمنع المستدل تخلف الحكم عن صورة النقض.
إذا قال المعترض: إن قياسك هذا علته منقوضة؛ حيث إن العِلَّة
قد وجدت ولم يوجد حكمها، فإن للمستدل أن يجيب بمنع كون
الحكم متخلفا عن صورة النقض التي أوردها المعترض.
مثاله: قول المستدل: الأرز ربوي، لأنه مطعوم قياسا على البر.
فيقول المعترض: هذا منقوض بالتفاح فهو مطعوم، ولا يجري
فيه الربا.
فيجيب المستدل بقوله: أنا - أمنع تخلف الحكم عن الصورة التي
أوردتها - أيها المعترض - وهي: التفاح -، لأن التفاح عندي
ربوي.
الطريق الخامس: أن يُبين المستدل في صورة النقض التي أوردها
المعترض فوات شرط، أو وجود مانع.
مثاله: قول المستدل: الحلي تجب فيه الزكاة، لأنه نصاب كامل
حال عليه الحول، فوجبت فيه الزكاة قياسا على المضروب.
فيقول المعترض: هذا منتقض بحلي غير البالغ، فهو نصاب
كامل، وحال عليه الحول، ومع ذلك لا تجب فيه الزكاة.
فيجيب المستدل بقوله: إن ما أوردته من صورة النقض قد تخلف
عنها ما هو شرط، وهو: التكليف تغليباً لمعنى العبادة.