الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث هل حكم الأصل المنصوص عليه ثابت بالنص أو بالعلة
؟
قال العلماء: إن علَّة تحريم ربا التفاضل في الأرز هي: كونه
مكيل جنس، قياساً على البر، فهل الحكم في البر - وهو أحد
الأصناف المنصوص عليها - ثابت بهذه العِلَّة أو بالنص؟
لقد اختلف العلماء في هذا على مذهبين:
المذهب الأول: أن حكم الأصل ثابت بالعِلَّة، لا بالنص.
وهو مذهب المالكية، والشافعية، وبعض الحنفية، وهو الحق؛
لأنه لو كان الحكم يثبت في محل النص بالنص، دون العِلَّة لامتنع
جريان القياس بإلحاق الفرع بالأصل، والسبب في ذلك: أنه لا
يتحقق القياس إلا إذا كان الحكم ثابتا في المنصوص عليه بالعلَّة حتى
يمكن إثبات مثل ذلك الحكم بمثل تلك العِلَّة، فاما إذا كانَ الحكم
ثابتاً في الأصل بالنص، لا بالعلَّة، ولا نص في الفرع، ولم يثبت
بالعِلَّة في الأصل لم يتصور إثبات مثل حكم الأصل بمثل الوصف
الذي في الفرع، وينقطع نظام القياس - حينئذٍ -، ويكون الفرع
غير مقاس على الأصل، لكن القياس صحيح بإجماع القائسين،
فيكون إجماعهم على ذلك إجماعا على أن الحكم في الأصل ثابت
بالعِلَّة.
المذهب الثاني: أن حكم الأصل ثابت بالنص، لا بالعلَّة.
وهو مذهب كثر الحنفية، وكثر الحنابلة.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن حكم الأصل قد يثبت تعبُّداً، فلو ثبت بالعلَّة
لم يثبت مع عدمها.
جوابه:
إن كل الأحكام معللة، لكن بعض الأحكام قد أدركنا العِلَّة التي
من أجلها شرع الحكم، فإن كانت قاصرة لم نقس على ذلك، وإن
كانت متعدية استعملنا القياس.
أما البعض الآخر من الأحكام فلم ندرك العِلَّة التي من أجلها شرع
الحكم، فلذلك قلنا: إن الحكم تعبدي، فالحكم التعبدي له عِلَّة قد
ثبت الحكم بها، لكن لم ندركها.
الدليل الثاني: أن العِلَّة مستنبطة من حكم الأصل، ومتفرعة عليه
، وتابعة له في الوجودَ، فلو كان الحكم ثابتاً بها، لكان الأصل
ثابتاً بما لا ثبوت له دون ثبوته، وهذا دور.
جوابه:
إنا لا نريد أن العِلَّة هي المعرفة للحكم بالنسبة إلينا؛ لأنها مستنبطة
منه، وأنها لا تعرف دون معرفته، وإنما نريد أنها المعرفة للمعنى
الذي شرع لأجله الحكم، أي: أن العِلَّة دالة على أن الحكم لم
يوجد هنا - مثلاً - إلا من أجل كذا.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي، وذلك لأن قول أصحاب المذهب الأول - إن
الحكم ثابت بالعلَّة - لا يريدون به أن العِلَّة معرفة له بالنسبةِ إلينا؛
لأنها مستنبطة منه، وأنها لا تعرف دون معرفته.
وإنما يريدون أن هذه العِلَّة هي التي من أجلها شرع الشارع هذا
الحكم في الاءصل.
وقول أصحاب المذهب الثاني - وهو: أن الحكم ثابت بالنص -
وأن العلَّة غير مثبتة للحكم لم يريدوا بذلك أنها ليست العِلَّة التي من
أجلهاً شرع الحكم، وإنما أرادوا: أنها غير معرفة لحكم الأصل
بالنسبة إلينا، ولم ينكر أصحاب المذهب الأول ذلك، فلا خلاف
في المعنى، بل في اللفظ.
ولقد ذكرت في كتابي " الخلاف اللفظي عند الأصوليين " أن
العلماء اختلفوا في ذلك على قولين، ورجحت: أن الخلاف
معنوي، وأنا الآن أعدل عن ذلك الرأي، وأثبت هنا أن الخلاف
لفظي؛ لما ذكرت.