الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس إذا كان في البلد مجتهدان فأكثر
فأيهم الذي يستفتيه العامي
؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن للعامي أن يسأل من شاء ممن غلب على ظنه أنه
من أهل الاجتهاد، ويتخير، ولا يلزمه أن يسال الأعلم والأفضل.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لإجماع الصحابة؛
حيث إن الصحابة رضي الله عنهم فيهم الفاضل والمفضول من
المجتهدين، يتبين ذلك من بعض النصوص الواردة في ذلك كقوله
صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ "، وقوله: "
…
وأقضاكم عليّ، وأفرضكم زيد،
وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل "، وكان فيهم العوام، ومن
فرض ذلك: اتباع الفاضلين والأخذ بقولهم لا غير، ومع ذلك لم
ينقل عن أحد من الصحابة تكليف العوام الاجتهاد في أعيان
المجتهدين، ولم ينكر أحد منهم اتباع المفضول، وقبول قوله مع
وجود الأفضل، فهذا يدل على أن العامي والمستمْتي له أن يتخير بين
الفاضل والمفضول.
المذهب الثاني: أنه يلزم العامي أن يسأل الفاضل، ويترك المفضول،
أي: أن العامي لا يتخير بين المجتهدين حتى يأخذ من شاء منهم، بل
يلزمه الاجتهاد في أعيان المجتهدين من الأورع، والأدين، والأعلم.
وهو مذهب ابن سريج، والقفال، وبعض الشافعية، وبعض
الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وجماعة من المتكلمين.
دليل هذا المذهب:
قياس العامي على الأعمى عند الاختلاف في جهة القِبْلة؛ حيث
إنه لو كان هناك ثلاثة رجال سافروا، وأحدهم أعمى، فلما
حضرت الصلاة: اختلف المبصران في جهة القِبْلة:
أحدهما يقول: إن جهة القبْلة كذا، والآخر يخالفه ويقول: إن
جهة القِبْلة كذا، فإن الأعمَى يتبع أوثقهما في الدين والعدالة
والتقوى وأعلمهما بجهات القِبْلة.
فكذلك هنا فإن العامي لا يتبع إلا أفضل المجتهدين ديناً وعلما ولا
فرق.
جوابه:
أن هذا قياس مع الفارق، والقياس مع الفارق فاسد، ووجه
الفرق: أن المسألة المقاس عليها تختلف عن المسألة المقاسة وهي
مسألتنا؛ حيث إن العامي لو سأل مجتهدين فاختلفا في الحكم،
فأحدهما قال بجواز ذلك، والآخر قال بتحريمه، فإنا نوافق ونسلم
أن العامي يأخذ بقول الأفضل منهما في علمه ودينه، وهذا ليس من
مسألتنا - وستأتي بعد هذه -.
أما المسألة التي نحن بصددها هي: إذا كان في البلد عدة
مجتهدين بعضهم أفضل من بعفمن حيث العلم، فهل يسأل
العامي الأفضل أو المفضول؟
والخلاصة: أن الخلاف بين المسألتين: أن ما نحن فيه لم يسأل
العامي أيَّ مجتهد.
أما المسألة الأخرى فهي: أن العامي قد سأل مجتهدين، وكل
واحد منهما قد أفتاه بفتوى تخالف فتوى الآخر، وأحدهما أفضل
من الآخر، فأيهما الذي يتبع العامي؟