الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس هل يجوز الاجتهاد في زمان صلى الله عليه وسلم
-؟
لقد - اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز الاجتهاد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا.
وهو مذهب أكثر المحققين من العلماء كالغزالي، والآمدي،
وفخر الدين الرازي، ومحمد بن الحسن، والقاضي أبي بكر
الباقلاني، وهو الحق عندي لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن صلى الله عليه وسلم قد جاءه خصمان يختصمان فقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: " اقض بينهما يا عمرو "، فقال عمرو: أنت أوْلى مني يا رسول اللَّه، قال:" وإن كان "،
قال عمرو: فإن قضيت، بينهما فما لي؟
قال: " إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء
فلك عشر حسنات، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة "
وهذا صريح في جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني: أن صلى الله عليه وسلم قال لعقبة بن عامر ولرجل من
الصحابة: " اجتهدا فإن أصبتما فلكما عشر حسنات، وإن أخطأتما
فلكما حسنة "، وهو في معنى الدليل الأول.
الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم
فوض الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ؛ حيث رضوا بحكمه، فحكم سعد فيهم برأيه واجتهاده،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له:
" لقد حكمت بحكم اللَّه فوق سبعة أرقعة ".
وجه اجتهاد سعد رضي الله عنه فيهم هو: أحد أمرين:
إما أنه قاسهم على المحاربين الذين قال اللَّه تعالى فيهم: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ)، والجامع:
الفساد في كل؛ وذلك لموالاتهم قريشاً في وقعة الأحزاب، ونقضهم
عهدهم.
وإما أنه قاسهم على الأسرى الذين عوتبوا على فدائهم، وتبين أن
قتلهم كان هو الحكم.
وهذا يدل على وقوع الاجتهاد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والوقوع دليل الجواز مطلقاً.
الدليل الرابع: أن بعض الصحابة رضي الله عنهم يروي عن
البعض الآخر الأخبار، والأحكام، والناسخ والمنسوخ، وكانوا
يقبلون ذلك، ويعملون به، دون مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بينهم، فكذلك يجوز لهم الاجتهاد في زمانه صلى الله عليه وسلم دون مراجعته، ولا فرق.
الدليل الخامس: أنه لا يلزم من فرض اجتهاد الصحابة في زمانه
صلى الله عليه وسلم محال، ولا يؤدي إلى مفسدة، وما كان كذلك فهو جائز، فيكون الاجتهاد في زمانه صلى الله عليه وسلم جائزاً.
المذهب الثاني: أنه لا يجوز الاجتهاد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو مذهب بعض العلماء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم قد
رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن حكم وقائع قد حصلت لهم، ولو
كان الاجتهاد في زمانه صلى الله عليه وسلم جائزاً: لاجتهدوا واستنبطوا أحكام حوادثهم بأنفسهم، ورجوعهم إليه دلَّ على أن الرجوع واجب، فالاجتهاد حرام.
جوابه:
إن رجوعهم إلى صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور لا يدل على منعهم من الاجتهاد بالكلية، أو أنه حرام، بل رجوعهم إليه يحتمل عدة
احتمالات هي:
الأول: أنه يحتمل أنهم رجعوا إليه فيما لم يظهر لهم فيه وجه
الحكم بالاجتهاد.
الثاني: أنه يحتمل أنهم مخيرون بين الرجوع إليه، وبين
الاجتهاد، فاختاروا الرجوع إليه.
الثالث: أنه يحتمل أن الذي رجع إليه لم تتوفر فيه شروط
المجتهد.
وإذا تطرق الاحتمال إلى الدليل بطل به الاستدلال.
الدليل الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم يمكنهم معرفة
الحكم عن طريق الوحي الصريح القاطع بالحكم، وإذا كان يمكنهم
معرفة الحكم معرفة قطعية، فلا يجوز ردهم إلى الاجتهاد المفيد للظن.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أن هذا الدليل منقوض بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه قد تعبَّد بالقضاء بقول الشهود، والحكم بظاهر أقوالهم
حتى قال صلى الله عليه وسلم:
"إنكم لتختصمون إلي ولكل بعضكم يكون ألحن
بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو ما أسمع "، فهنا يقضي
الرسول صلى الله عليه وسلم بالظن، وكان يمكن نزول الوحي، ويبين الحق صريحا وواضحا وقطعياً في كل واقعة حتى لا يحتاج إلى رجم بالظن،
وخوف الخطأ.
الجواب الثاني: أنه إذا نزل الوحي بالنص، وثبت فإنا نحكم به،
ولكن إذا لم ينزل نص، فإنه يجوز الاجتهاد؛ لأن هذا الاجتهاد لا
يضاد نصاً قاطعاً ثابتا.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ حيث إنه بناء على المذهب الأول يجوز
الاجتهاد بين مياه تنجس بعضها، وهو على شاطئ البحر.
أما بناء على المذهب الثاني فلا يجوز ذلك.
ويجوز - أيضاً - الاجتهاد في أوقات الصلاة مع إمكان الصبر إلى
اليقين.
أما بناء على المذهب الثاني فلا يجوز ذلك.