الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الوضع وأقسامه
المراد منه: أن يبين المعترض أن قياس المستدل لم يكن على الهيئة
الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم، وأن يكون ما جعله المستدل عِلَّة
للحكم مشعراً بنقيض الحكم المرتب عليه.
ويبين هدا التعريف من ذكر أقسامه والأمثلة لكل قسم، فأقول:
ينقسم قادح فساد الوضع إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون الجامع في قياس المستدل قد ثبت اعتباره
في نقيض الحكم الذي رتبه عليه المستدل بنص أو إجماع.
مثال الأول - وهو ما كان المعنى الجامع قد ثبت اعتباره بنص في
نقيض الحكم -: قول المستدل: يجوز بيع الرطب بالتمر؛ لأن
النقص يحصل بجفاف الرطب، فلا يمنع هذا صحة البيع؛ قياسا
على بيع التمر الحديث بالتمر القديم.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأن الشارع قد رتب
على العلَّة التي ذكرتها حكماً هو نقيض ما رتبته عليها في قياسك،
وذلك بالنص، وهو: أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر، فقال:" أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم،
قال: " فلا إذن ".
فهنا جعل النقص بالجفاف عِلَّة لمنع البيع، وعدم جوازه، وما
جعله الشارع عِلَّة للمنع لا يجوز أن يجعل عِلَّة للجواز.
ومثال الثاني - وهو: ما كان المعنى الجامع قد ثبت اعتباره
بإجماع في نقيض الحكم - قول المستدل: مسح الرأس مسح،
فاستحب تكراره؛ قياسا على الاستجمار بالحجر.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأن الإجماع قد
رتب على هذه العِلَّة التي ذكرتها حكما هو نقيض ما رتبته عليها من
حكم، وذلك في مسح الخف، حيث لا يستحب فيه التكرار
إجماعا مع أنه مسح.
القسم الثاني: أن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما هو ضد
لما يقتضيه ذلك المعنى، وهذا يفهم من مقتضى أصول الشريعة،
ومعرفة مقاصدها كأن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما خفيفا
مع أن هذا المعنى يقتضي التثقيل والتغليظ، أو يرتب عليه حكما
واسعاً وهو يقتضي التضيق.
فمثال الأول - وهو: أن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما
خفيفا مع أنه يقتضي التغليظ - قول المستدل: من أفطر في نهار
رمضان عامداً، فلا كفارة عليه؛ لأنه أفطر بما يصح وقوعه من
الواحد، فلا تجب عليه الكفارة، قياسا على ما لو أفطر في السفر.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأنك علَّقت على
المعنى الجامع الذي يقتضي التشديد والتغليظ حكما خفيفا؛ وذلك
لأن الإفطار في نهار رمضان عمداً إثمه عظيم وشديد، فيناسب أن
توجب عليه الكفارة تشديداً وتغليظا حتى لا يعود لمثلها، ولا يكون
مقتضياً للتخفيف بسقوط الكفارة.
ومثال الثاني - وهو: أن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما
واسعا مع أنه يقتضي التضييق - قول المستدل: الزكاة وجبت على
وجه الارتفاق لدفع حاجة الفقير، فكان أداؤها على التراخي؛ قياسا
على وجوب الدية على العاقلة.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأنك رتبت على
المعنى الذي يقتضي التضييق حكما بالتوسيع؛ حيث إن دفع الحاجة
يناسب المبادرة، لا التراخي.