المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب التاسع حكم التعليل بالحكمة - المهذب في علم أصول الفقه المقارن - جـ ٥

[عبد الكريم النملة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث في أركان القياس وشروطها وما يتعلق بها

- ‌المطلب الأول تعريف الركن

- ‌المطلب الثاني في بيان أركان القياس إجمالاً

- ‌المطلب الثالث في بيان أسباب عدم ذكر حكم الفرع من أركان القياس

- ‌المبحث الأول في الأصل وحكمه وشروطهما وما يتعلق بهما

- ‌المطلب الأول في بيان المراد بالأصل

- ‌المطلب الثاني في بيان المراد بحكم الأصل

- ‌المطلب الثالث هل حكم الأصل المنصوص عليه ثابت بالنص أو بالعلة

- ‌المطلب الرابع في اشتراط كون حكم الأصل حكماً شرعيا عمليا

- ‌المطلب الخامس اشتراط كون حكم الأصل حكما ثابتا مستمراً

- ‌المطلب السادس اشتراط كون حكم الأصل معقول المعنى

- ‌المطلب السابع اشتراط أن لا يكون دليل حكم الأصل متناولاًبعمومه حكم الفرع

- ‌المطلب الثامن هل يثشترط قيام دليل على جواز القياس على الأصل

- ‌المطلب التاسع هل يشترط في الأصل أن يكون قد انعقد الإجماععلى أن حكمه معلل، أو أن تثبت علته بالنص

- ‌المطلب العاشر هل يجوز القياس على أصل محصور بعدد معين

- ‌المطلب الحادي عشر اشتراط كون حكم الأصل معللاً بعلة معينة

- ‌المطلب الثاني عشر بيان أن حكم الأصل إذا كان ثابتا بنصفإنه يجوز القياس عليه

- ‌المطلب الثالث عشر حكم القياس على أصل ثبت عن طريق الإجماع

- ‌المطلب الرابع عشر هل يشترط في حكم الأصل المقاس عليه أن تجمععليه كل الأمة، أو يكفي اتفاق الخصمين

- ‌المطلب الخامس عشر حكم القياس على الأصل الثابت عن طريق القياس

- ‌المطلب السادس عشر إذا كان حكم الأصل منصوصا عليه وقد اختلففيه بين الخصمين فهل يجوز القياس عليه

- ‌المطلب السابع عشر هل يُقاس على حكم الأصل الخارج عن قاعدة القياس

- ‌المبحث الثاني في الفرع وشروطه وما يتعلق به

- ‌المطلب الأول بيان المراد بالفرع

- ‌المطلب الثاني اشتراط كون العلَّة الموجودة في الفرع مثل علة حكمالأصل من غير تفاوت واختلاف

- ‌المطلب الثالث اشتراط عدم كون حكم الفرع منصوصا عليهأو مجمعا عليه

- ‌المطلب الرابع اشتراط كون الحكم في الفرع مماثلاً لحكمالأصل في عينه، أو جنسه

- ‌المطلب الخامس اشتراط عدم تقدم حكم الفرع على حكم الأصل

- ‌المطلب السادس هل يشترط أن تكون العِلَّة في الفرع معلومة قطعا

- ‌المطلب السابع هل يشترط في حكم الفرع: أن يكون مما ثبت بالنص جملة

- ‌المبحث الثالث في العِلَّة وشروطها وما يتعلق بها

- ‌المطلب الأول في تعريف العِلَّة لغة، وأسمائها

- ‌المطلب الثاني في تعريف العِلَّة اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث في تقسيمات العِلَّة

- ‌المطلب الرابع في طرق ثبوت العِلَّة " مسالك العِلَّة

- ‌المطلب الخامس هل يشترط أن تكون العلَّة مناسبة أي: مشتملة علىحكمة قصدها الشارع من تشريعه للحكم

- ‌المطلب السادس هل يشترط أن تكون العلَّة ظاهرة جلية أو يجوزالتعليل بالوصف الجلي والخفي

- ‌المطلب السابع حكم التعليل بالحكم الشرعيهل يجوز أن يكون الوصف المعلل به حكما شرعيا

- ‌المطلب الثامن بيان أن العلَّة يشترط فيها أن لا تخالف نصا أو إجماعاً

- ‌المطلب التاسع حكم التعليل بالحكمة

- ‌المطلب العاشر هل يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجوديوتعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي، وتعليلالحكم العدمي بالوصف العدمي، وتعليل الحكمالوجودي بالوصف العدمي

- ‌المطلب الحادي عشر حكم التعليل بالوصف المركب

- ‌المطلب الثاني عشر حكم تعليل الحكم بأكثر من عِلَّة " تعدد العِلَل

- ‌المطلب الثالث عشر حكم تعليل حكمين أو أحكام بعِلَّة واحدة

- ‌المطلب الرابع عشر هل الطرد دليل على صحة العِلَّة

- ‌المطلب الخامس عشر في بيان أنه يشترط في الوصف المستنبط المعلل بهأن لا يرجع على الأصل بإبطاله

- ‌المطلب السادس عشر حكم التعليل بالاسم المجرد

- ‌المطلب السابع عشر حكم التعليل بالوصف العرفي

- ‌المطلب الثامن عشر هل يجوز التعليل بالعِلَّة القاصرة

- ‌المطلب التاسع عشر بيان أنه يشترط في العلَّة التي عللنا بها:أن لا تكون معارضة بعلة أخرى تقتضي إبطالها

- ‌المطلب العشرون تخصيص العِلَّة

- ‌الفصل الرابع في قوادح القياس ومبطلاته

- ‌المبحث الأول في سؤال الاستفسار

- ‌المطلب الأول بيان المراد بسؤال الاستفسار

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن الاستفسار

- ‌المبحث الثاني في قادح منع الحكم في الأصل

- ‌المطلب الأول في بيان قادح منع الحكم في الأصل

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن منع الحكم في الأصل

- ‌المبحث الثالث في قادح منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المطلب الأول في بيان منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المبحث الرابع في قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المطلب الأول بيان قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المبحث الخامس في قادح منع الوصف في الأصل والفرع معا

- ‌المطلب الأول في بيان المراد من منع الوصف في الأصل والفرع

- ‌المطلب الثاني في كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الفرع والأصل

- ‌المبحث السادس في قادح منع كون الوصف عِلَّة

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الثالث كيفية الجواب عن قادح منع كون الوصف عِلَّة

- ‌المبحث السابع في قادح التقسيم

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الثالث شروط التقسيم

- ‌المطلب الرابع في بيان الفرق بين التقسيم والاستفسار

- ‌المطلب الخامس في كيفية الجواب عن هذا القادح

- ‌المبحث الثامن في قادح النقض

- ‌المطلب الأول في بيان المراد بالنقض، وأهميته

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الرابع الحالات التي يرد عليها النقض وحكم كل حالة

- ‌المطلب الرابع هل على المستدل أن يحترز عن النقض في قياسه

- ‌المطلب الخامس بيان كيفية جواب المستدل عن هذا القادح

- ‌المبحث التاسع في قادح التركيب

- ‌المطلب الأول بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني أقسام قادح التركيب

- ‌المطلب الثالث حجية التركيب

- ‌المطلب الرابع كيفية الجواب عن قادح التركيب

- ‌المبحث العاشر في قادح فساد الوضع

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الوضع وأقسامه

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح فساد الوضع

- ‌المبحث الحادي عشر في قادح فساد الاعتبار

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الاعتبار

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن هذا القادح

- ‌المطلب الثالث الفرق بين قادح فساد الاعتبار وقادح فساد الوضع

- ‌المبحث الثاني عشر في قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الثاني بيان أنواع المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الثالث في حجية قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الرابع بيان أن المعترض لا يحتاج إلى دليل يشهد لوصفهالذي اعترض به

- ‌المطلب الخامس بيان أنه على المعترض بيان انتفاء الوصفالذي اعترض به عن الفرع

- ‌المطلب السادس بيان كيفية الجواب عن قادح المعارضة في الأصل

- ‌المبحث الثالث عشر في قادح المعارضة في الفرع

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه، وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثاني بيان حجيته

- ‌المطلب الثالث في بيان كيفية الجواب عن قادح المعارضة في الفرع

- ‌المبحث الرابع عشر في قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الثاني بيان أن هذا القادح خاص بقياس المعنىإذا كانت علته مستنبطة

- ‌المطلب الثالث أقسام عدم التأثير

- ‌المطلب الرابع كيفية الجواب عن قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الخامس بيان سبب إفراد هذا القادح في هذا المبحث

- ‌المبحث الخامس عشر في قادح الكسر

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح الكسر

- ‌المطلب الثاني بيان حجية قادح الكسر

- ‌المطلب الثالث في بيان كيفية الجواب عن قادح الكسر

- ‌المبحث السادس عشر في قادح القلب

- ‌المطلب الأول المراد من قادح القلب

- ‌المطلب الثاني في بيان حجيته، وأنه معارضة

- ‌المطلب الثالث في بيان أنواعه

- ‌المطلب الرابع في بيان كيفية الجواب عن قادح القلب

- ‌المبحث السابع عشر في قادح القول بالموجب

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح القول بالموجَب - بفتح الجيم

- ‌المطلب الثاني أنواعه، وبيان كيفية الجواب عن كل نوع

- ‌المطلب الثالث في بيان أنه لا يجوز للمعترض تغيير كلام المستدل

- ‌الباب السادس في الاجتهاد والتقليد

- ‌الفصل الأول في الاجتهاد

- ‌المبحث الأول في تعريف الاجتهاد

- ‌المبحث الثاني مجالات الاجتهاد ومواضعه

- ‌المبحث الثالث شروط المجتهد

- ‌المبحث الرابع حكم الاجتهاد

- ‌المبحث الخامس هل يقبل اجتهاد شخص في مسألة معينة إذا عرفدقائقها دون المسائل الأخرى في نفس الباب

- ‌المبحث السادس هل يجوز الاجتهاد في زمان صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد

- ‌المبحث الثامن هل وقع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع هل يجوز الخطأ في اجتهاد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر هل كل مجتهد مصيب في الفروع أو المصيب واحد

- ‌المبحث الحادي عشر هل كل مجتهد مصيب في أصول الدينأو المصيب واحد

- ‌المبحث الثاني عشر إذا تعارض عند المجتهد دليلان وعجزعن الترجيح وتحيَّر فماذا يفعل

- ‌المبحث الثالث عشر هل يجوز للمجتهد أن يقول في الحادثة الواحدةقولين متضادين في وقت واحد

- ‌المبحث الرابع عشر المجتهد الذي لم يجتهد في مسألة، ولكن العلومكلها حاصلة عنده، وعنده القدرة على الاجتهادفهل يجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين

- ‌المبحث الخامس عشر إذا نص المجتهد على حكم في مسألة لعلَّة قد ذكرهاووجدنا تلك العِلَّة في مسائل أخرى فَما الحكم

- ‌المبحث السادس عشر إذا نص المجتهد على حكم في مسألة معينة، ولم يذكرعِلَّة ذلك الحكم، ووجدنا مسألة أخرى تشبهها شبها

- ‌المبحث السابع عشر إذا نص المجتهد في مسألة على حكم ونص على مسألةأخرى تشبهها على حكم آخر فهل يجوز نقل حكمإحداهما وجعله في المسألة الأخرى أو لا

- ‌المبحث الثامن عشر إذا روي عن مجتهد في مسألة واحدةروايتان مختلفتان وصح هذا النقل عنه

- ‌الفصل الثاني في التقليد

- ‌المبحث الأول تعريف التقليد

- ‌المبحث الثاني هل يجوز التقليد في أصول الدين

- ‌المبحث الثالث هل يجوز التقليد في الفروع

- ‌المبحث الرابع بيان طرق معرفة العامي للمجتهد حتى يستفتيه

- ‌المبحث الخامس مجهول الحال هل يجوز تقليده

- ‌المبحث السادس إذا كان في البلد مجتهدان فأكثرفأيهم الذي يستفتيه العامي

- ‌المبحث السابع إذا سأل العامي مجتهدين عن حكم حادثته فحكم أحدهمابأنه يجوز فيها كذا، وحكم الآخر بأنه لا يجوز فيها كذا

- ‌المبحث الثامن إذا استوى عند العامي المجتهدان اللذان قد أصدرا فتواهمافي جميع الأحوال

- ‌الباب السابع في التعارض والجمع والترجيح

- ‌الفصل الأول في التعارض

- ‌المبحث الأول تعريف التعارض

- ‌المبحث الثاني شروط التعارض

- ‌المبحث الثالث إذا ثبت تعارض دليلين فهل يقدم الجمع أو الترجيح

- ‌الفصل الثاني في الجمع

- ‌المبحث الأول تعريف الجمع بين الأدلة المتعارضة

- ‌المبحث الثاني شروط الجمع بين الأدلة المتعارضة

- ‌الفصل الثالث في الترجيح

- ‌المبحث الأول تعريف الترجيح

- ‌المبحث الثالث شروط الترجيح بين الدليلين

- ‌المبحث الرابع هل الترجيح لا يوجد إلا إذا وجد التعارضأم الترجيح لا يكون بين المتعارضين

- ‌المبحث الخامس هل يجوز الترجيح بين دليلين قطعيين أو لا

- ‌المبحث السادس في حكم العمل بالراجح من الدليلين

- ‌المبحث السابع هل يجوز الترجيح بكثرة الأدلة

- ‌المبحث الثامن في طرق الترجيح بين الأدلة

- ‌المطلب الأول في طرق الترجيح بين منقولين

- ‌المطلب الثاني في طرق الترجيح بين معقولين

- ‌المطلب الثالث في طرق الترجيح بين منقول ومعقول

الفصل: ‌المطلب التاسع حكم التعليل بالحكمة

‌المطلب التاسع حكم التعليل بالحكمة

الحكمة لغة: ما تعلقت بها عاقبة حميدة، وهي: بخلاف السفه.

وهي في الاصطلاح تطلق على ما يترتب على التشريع من جلب

مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها.

فيكون الفرق بينها وبين العلَّة: أن العِلَّة هي الوصف الظاهر

المنضبط الذي جعله الشارع مناطَا لثبوت الحكم؛ حيث ربط الشارع

به الحكم وجوداً وعدماً بناء على أنه مظنة لتحقيق المصلحة المقصودة

للشارع من شرع الحكم.

أما الحكمة فهي: المصلحة نفسها، ولذلك فإنها تتفاوت درجاتها

في الوضوح والانضباط.

فمثلاً: أباح الشارع للمسافر قصر الصلاة، وعلل ذلك:

بالسفر؛ حيث لا يختلف باختلاف الأفراد، ولا الأحوال فهو ظاهر

منضبط وهو مظنة للمشقة.

والحكمة هي: المصلحة التي قصدها الشارع.

كذلك: أجاز الشارع - مثلاً - للشريك أن يتشفع في مال شريكه

والوصف المنضبط في ذلك: الشركة فتكون هي العِلّة.

أما الوصف غير النضبط والذي يختلف باختلاف الأفراد والأحوال،

والذي قصده الشارع في التشريع، فإنه دفع الضرر عن الشريك

القديم من الشريك الجديد، وهذا هو حكمة التشريع.

ص: 2116

ونظراً لكون تلك الحكمة تختلف باختلاف الأفراد والأحوال،

وقد تكون خفية، فإن العلماء قد اختلفوا هل يجوز تعليل الحكم بها

أو لا يجوز؟ على مذاهب:

المذهب الأول: أنه لا يجوز التعليل بالحكمة.

وهو مذهب كثير من العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:

الدليل الأول: أن حكمة الحكم الغالب فيها الخفاء، وعدم

الانضباط: فهي مختلفة باختلاف الأحوال، والأفراد، والأزمان،

فمثلاً: المشقة التي هي حكمة مشروعية قصر الصلاة في السفر،

وإباحة الإفطار في السفر تختلف باختلاف الأشخاص، فبعضهم

يشعر بالمشقة عند أدنى تعب، وبعضهم لا يشعر بشيء مهما صعب

السفر، وبعضهم قد توسط، كذلك المسافر في الشتاء قد لا يشعر

بالعطش، كمن سافر في الصيف، كذلك الراكب دابة أو سيارة،

أو طائرة يختلف عن غير الراكب، فلو قلنا: إن المشقة هي العلَّة في

الإفطار لترتب على ذلك: اختلاف الحكم باختلاف الأفراد وقوة

تحملهم وعدم ذلك، وترتب عليه أيضا اختلاف الحكم باختلاف

الأزمان، وترتب عليه - أيضاً - اختلاف الحكم باختلاف المركوب

ونحو ذلك، وهذا يجعل أحكام الشرع تختلف باختلاف الأفراد،

والأحوال، حتى أنك لتجد اثنين مسافرين: هذا يجوز له الإفطار،

وهذا لا يجوز؛ نظراً لاختلاف ظروفهما.

ويترتب عليه: لزوم البحث الشديد والنظر الدقيق لمعرفة مناط

الحكم لهذا الشخص أو ذاك، وهذا فيه من التكليف ما اللَّه به عليم،

والكلفة خلاف حكمة التخفيف الذي جاءت به الأحكام الشرعية،

وقد وجدنا الشارع رد الناس في مثل هذه الأمور - التي يختلف فيها

الناس - إلى مظانها الظاهرة الجلية؛ دفعا للتخبط في الأحكام،

ص: 2117

ونفياً للحرج والمشقة والعسر، فرخص في القصر والفطر لعلَّة ظاهرة

جلية لا تختلف باختلاف الأفراد والظروف وهي: مجرد السفر

ثمانين كيلو متراً، ولم يعلق الترخص بالمشقة؛ لأنها مما يضطرب بها

الناس ويختلفون فيها - كما قلنا -.

ويؤيد ذلك: أن الشارع لم يرخص للعمال في التحميل، أو

البناء في الفطر في الحضر مع أنهم يجدون من المشقة ما لا يجده

المسافرون.

كذلك قلنا: إن حد الزنى وجب لعلة وهي: نفس الزنا، ولم

نعلل بالحكمة وهي: اختلاط الأنساب؛ لأنا لو عللنا بوجوب الزنا

باختلاط الأنساب لقال قائل: أنا أضمن أنه لا تختلط الأنساب بأن

أزنى بامرأة لا زوج لها وهى موقوفة لا ترى الرجال ولا يرونها،

وإذا كان الحكم يدور مع العِلة: إذا وجدت وجد الحكم وإذا عدمت

عدم الحكم كما قلنا في الدوران: فإنه على هذا إذا وجد اختلاط

الأنساب وجد الحكم، وهو تحريم الزنا والحد عليه، وإن لم يوجد

اختلاط الأنساب فلا يوجد الحكم، فلا حد على الزاني.

ولكن العلماء قد اتفقوا على بطلان ذلك، وعللوا وجوب حد

الزنا بعلة ظاهرة جلية وهي: نفس الزنا.

كذلك: أوجب الشارع العدة لبراءة الرحم بالوطء الذي هو مظنة

لشغل الرحم حتى لو كان صغيرة أو يائسة مما لا يتصور معها اختلاط

الأنساب، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى.

وهذا قياسا على ما ذكرناه في أن الصبي المميز غير مكلف؛ حيث

إن الصبي وإن كان مفرقاً بين الخير والشر، والجيد والرديء،

والطيب والخبيث إلا أنا لا نقول بأنه مكلف؛ لأنا لا نعلم بالدقة متى

ص: 2118

عرف ذلك، ولأن الصبيان يختلفون في ذلك باختلاف بيئاتهم،

ونوع التربية التي ربوا عليها مما يلزم منه: أن يقال: إن هذا الصبي

مكلف، وذاك غير مكلف فيختلف الحكم باختلاف الصبيان.

لكن الشارع قد وضع لنا حداً إذا بلغه الصبي يكون مكلفاً لا

يختلف فيه الصبيان وهو: حد البلوغ - وهو: خمسة عشر عاما،

أو الاحتلام، أو الإنبات من قبل، وتزيد الصبية الحيض.

كذلك هنا: فإن حكمة الحكم وهي المشقة مثلاً في السفر تختلف

باختلاف الأشخاص والأقوال، فوضع لنا الشارع علامة ظاهرة جلية

لا تختلف باختلاف الأشخاص والأقوال، وهي: السفر، فيكون

الحكم واحداً لجميع المكلفين.

الدليل الثاني: أنه لو جاز التعليل بالحكمة: للزم تخلف الحكم

عن علته، وهذا خلاف الأصل.

فمثلاً لما قلنا بوجوب الحد على الزاني، فإما أن يعلل ذلك

بالوصف المنضبط الظاهر وهو: الزنا، وإما أن يعلل ذلك بحكمته

وهي: اختلاط الأنساب.

لا يمكن أن نعلل بالثاني - وهو اختلاط الأنساب -؛ لأنه يلزم

منه التخلف في بعض الصور؛ حيث يتحقق اختلاط الأنساب بدون

الزنا؛ كأن يأخذ إنسان أطفالأ صغاراً جداً على حين غفلة من آبائهم

وفرقهم حتى صاروا رجالاً، فلن يستطيع آباؤهم التعرف عليهم،

فهنا قد تحققت الحكمة، وهي: اختلاط الأنساب، فينبغي على هذا:

القول بوجوب الحد على من أخذهم؛ لأنه حقق الحكمة، وهي:

اختلاط الأنساب، وهذا لم يقل به أحد، فبان من هذا: أنه، قد

ص: 2119

تخلف الحكم عن علَّته، وهو نقض مبطل للتعليل كما سيأتي إن شاء

الله، فثبت أنه يعلل بالأول وهو الوصف الظاهر، وهو: الزنا.

الدليل الثالث: أن الشارع قد علل الترخص في قصر الصلاة

بالسفر نفسه حتى لو انتفت فيه المشقة كالسفر المريح بأي وسيلة، ولم

يعلل ذلك بالحضر وإن اشتمل على المشقة، كما هو الشأن فيمن

يلاقي المشاق في الأعمال الشاقة كعمال المصانع.

فهنا وجدنا الشارع اعتبر المظان عند خلوها عن الحكمة.

ولو جاز التعليل بالحكمة لما وجدنا الشارع اعتبر تلك المظان؛ لأنه

لا عبرة بها مع تحقق خلوها عن الحكمة، لكنه اعتبرها فدلنا ذلك

على أن المعتبر المظنة دون الحكمة.

المذهب الثاني: أنه يجوز التعليل بالحكمة مطلقا.

وهو مذهب الغزالي، وفخر الدين الرازي، والبيضاوي، وبعض

العلماء.

دليل هذا المذهب:

أن الحكمة - وهي: مقصود الشارع من شرع الحكم - هي أصل

لذلك الوصف، فإذا جاز التعليل بالوصف المشتمل عليها، فإنه من

باب أوْلى أن يجوز التعليل بالحكمة؛ لأنها أصل لذلك الوصف،

ولا يعقل أن يكون الأصل أقل درجة من فرعه.

أي: إذا جاز التعليل بالفرع - وهو الوصف - فإنه من باب أوْلى

إلى جواز التعليل بالأصل - وهي الحكمة.

جوابه:

إن قياس الحكمة على الوصف بالقياس الأولى لا نسلمه، بل هو

قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق:

ص: 2120

أن الوصف المشتمل على الحكمة يجوز التعليل به؛ لأمرين:

أولهما: اشتماله على الحكمة، ثانيهما: كونه ظاهراً منضبطا.

بخلاف الحكمة، فإنه لا يتوفر فيها الأمر الثاني؛ لعدم انضباطها

غالبا - كما قلنا سابقا - حيث تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة،

والأشخاص كالمشقة.

المذهب الثالث: التفصيل، بيانه:

إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها، فإنه يجوز التعليل بها.

وإن كانت الحكمة خفية مضطربة، فإنه لا يجوز التعليل بها.

وهو ما ذهب إليه الآمدي، وابن الحاجب، والصفي الهندي،

وكثير من الحنابلة.

دليل هذا المذهب:

أنا قلنا: إنه لا يجوز التعليل بالحكمة إذا كانت خفية غير منضبطة

لأمرين هما:

أولهما: أن الحكمة الخفية المضطربة تختلف باختلاف الأشخاص

والأماكن، والأزمان والأحوال، ويعسر معرفة حكمة الحكم والحال

هذه.

ثانيهما: أن التعليل بالحكمة الخفية المضطربة يفضي إلى العسر

والحرج في حق المكلََّف؛ حيث إنه سيكلف بالبحث عنها والاطلاع

عليها، والنصوص تنفي العسر عن المكلفين.

وقد سبق بيان هذين الأمرين في الدليل الأول من أدلة المذهب

الأول، وهو أنه لا يجوز التعليل بالحكمة مطلقاً.

ص: 2121

وقلنا: إنه يجوز التعليل بالحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة؛ لأن

الوصف الظاهر المنضبط يصح التعليل به؛ لاشتماله على حكمة

مقصودة للشارع، وهذا الوصف يعتبر فرعا لحكمته أقيم مقامها؛

لأنه ظاهر منضبط، ومن الواضح أن العلماء لم يقولوا بصلاحية

الوصف للعلية، إلا لأنه مظنة لتلك الحكمة المقصودة أصلاً في

التشريع، فإذا وجدنا الحكمة بهذه الصفة من الظهور والانضباط،

فإنها تكون مساوية لذلك ألوصف بالظهور والانضباط، وعلى هذا

فإن التعليل بها جائز.

جوابه:

إن الحكمة لو كانت ظاهرة منضبطة لجاز التعليل بها؛ لكنها غير

ظاهرة ولا يمكن أن تنضبط؛ لأنها - كما قلت مراراً - تختلف

باختلاف الأشخاص، والأماكن، والأحوال، والأزمان، فهي

راجعة إلى دفع مفسدة، أو جلب مصلحة، وهذه الأمور تختلف

باختلاف الناس وحاجاتهم ومصالحهم، ودفع المفاسد عنهم، وكل

ذلك مما يخفى ويزيد وينقص بحسب الأحوال والأشخاص، فإذا كان

الأمر كذلك فلا تكون ظاهرة، ولا يمكن أن تنضبط إلا نادراً، ولا

يمكننا العلم بهذا النادر إلا بعد عسر وحرج، والعسر والحرج

مرفوعان في الشريعة.

بيان نوع الخلاف:

الخلاف هنا لفظي، فيما يظهر؛ لأن أصحاب المذاهب قد اتفقوا

على الترخص للمسافر في قصر الصلاة وإباحة الفطر، ولم نجد

واحداً منهم قد نظر إلى تحقق المشقة وعدم تحققها، وهذا يجعل

الخلاف لا أثر له.

ص: 2122