الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في طرق الترجيح بين منقول ومعقول
المنقول قسمان:
القسم الأول: منقول خاص.
القسم الثاني: منقول عام.
أط القسم الأول - وهو: المنقول الخاص - فهو نوعان:
النوع الأول: أن يكون دالًّا على حكمه بالمنطوق.
النوع الثاني: أن يكون دالًّا على حكمه بالمفهوم.
فإذا تعارض القياس مع النوع الأول - وهو: المنقول الخاص
الذي دلَّ على حكمه بالمنطوق -: فإنه يرجح المنقول الخاص؛
لأمرين:
أولهما: أنه أصل بالنسبة إلى القياس.
ثانيهما: قلة تطرق الخلل إليه.
وإن تعارض القياس مع النوع الثاني - وهو: المنقول الخاص
الذي دلَّ على حكمه بالمفهوم - فهذا يختلف باختلاف قوة أنواع
المفاهيم، ويختلف بحسب اختلاف المجتهدين وما يقع في نفوسهم
من قوة الدلالة، وضعفها، وهذا لا يمكن ضبطه بقاعدة، لذلك
يكون هذا موكولاً إلى نظر الناظرين في آحاد الصور.
أما القسم الثاني - وهو: المنقول العام -: إذا عارضه القياس
فقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب: أصحها: أن القياس
يرجح على العام؛ لأنه يلزم من العمل بعموم ألعام إبطال دلالة
القياس مطلقا، ولا يلزم من العمل بالقياس إبطال العام مطلقا، بل
كل ما يلزم منه تخصيصه بالقياس، أو تأويله، ومعروف أن الجمع
بين الدليلين على وجه أوْلى من العمل بأحدهما دمابطال الآخر،
وذلك لأن القياس - المعارض للعام - يتناول المتنازع فيه بخصوصه،
والمنقول يتناوله بعمومه، والخاص أقوى من العام.
ما اعترض به على هذا:
الاعتراض الأول: أن العموم أصل للقياس، والقياس فرع،
والأصل مقدم على الفرع.
جوابه:
أن هذا الاعتراض إنما يلزم لو كان ما قيل بتقديم القياس عليه هو
أصل ذلك القياس المقدم عليه، ولكن الأمر ليس كذلك، حيث إن
القياس المقدم يجوز أن يكون فرعا لغيره.
الاعتراض الثاني: أن تطرق الخلل إلى العموم أقل من تطرقه إلى
القياس، فكيف مع ذلك يقدم القياس الكثير الخلل والاحتمالات
على العام القليل الخلل والاحتمالات.
جوابه:
أن هذا الاعتراض معارض بمثله، فإن العام يحتمل أن يكون غير
ظاهر في العموم، فيكون الخلل فيه أكثر من احتمال الخلل في
القياس.
وإن كان العام ظاهراً، فإنه يحتمل الخصوص، وهذا الاحتمال
غالب على الشرع، من احتمال الغلط من المجتهد، يؤيد ما قلناه:
قولهم: ما من عام إلا - قد خصص إلا قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
أما القياس ولا يوجد فيه ذلك.
هذا آخر المجلد الخامس، وهو آخر ما تيسر لي من الكتابة في هذا
الكتاب الموسوم: " المهذَّب في علم أصول الفقه المقارن - تحرير
لمسائله ودراستها دراسة نظرية تطبيقية " أرجو من اللَّه العلي القدير أن
ينفع به طلاب العلم، وأن يكون ذخيرة صالحة في الآخرة.
وكان الفراغ منه مساء يوم الإثنين الموافق للسابع والعشرين من
شهر رجب من عام ألف وأربعمائة وتسعة عشر من الهجرة النبوية
الشريفة بمدينة الرياض حماها اللَّه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى اللَّه وسلم وبارك
على أفضل خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة
الأستاذ في قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الفهارس العامة