الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب العاشر هل يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجودي
وتعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي، وتعليل
الحكم العدمي بالوصف العدمي، وتعليل الحكم
الوجودي بالوصف العدمي
؟
هذا فيه تفصيل إليك بيانه:
أما الأول - وهو: تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجودي -
فهو جائز مثل: وجود تحريم الربا في البر، والعِلَّة وجود الطعم
فيه، أو الكيل، أو الوزن.
أما الثاني - وهو: تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي -
فهو - أيضا - جائز مثل: وجود الدين عِلَّة لعدم وجوب الزكاة.
أما الثالث - وهو: تعليل الحكم العدمي بالوصف العدمي - فهو
أيضاً جائز مثل: عدم الرضا علَّة لعدم صحة البيع، مثال آخر:
عدم نفاذ التصرف بالنسبة للمجنون والعِلَّة: عدم العقل.
أما الرابع - وهو: تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي -
فهو مثل: قولنا: عدم الفسخ في زمن الخيار عِلَّة لثبوت واستقرار
اللك: فقد اختلف العلماء فيه على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز ذلك.
وهو مذهب فخر الدين الرازي، وصفي الدين الهندي، وكثير
من العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن الدوران يدل على ذلك؛ حيث إن الحكم يدور
مع بعض العدميات، فيقال: ثبت واستقر الملك لما عدم الفسخ في
زمن الخيار، ولو وجد الفسخ في زمن الخيار لما ثبت الملك، كذلك
تقول: عدم السبب الشرعي الناقل للملك موجب لحرمة الانتفاع بما
وضعت اليد عليه، ووجود السبب الشرعي الناقل للملك مبيح
للانتفاع به، وهذا هو الدور، والدور يفيد ظن العلية - كما قلنا
فيما سبق - والعمل بالظن واجب.
الدليل الثاني: أن العِلَّة هي: المعرف للحكم - كما قلنا في
تعريف العلَّة - وهذا المعنى لا ينافي العدم؛ لأن العدم قد يكون
معرفا على وجود حكم ثبوتي، كما يكون معرفا لحكم عدمي.
فمثلاً: عدم الشرط يعرفنا عدم المشروط، وعدم العِلَّة يعرفنا
عدم المعلول، فكذلك العدم يعرفنا بوجود حكم ثبوتي، فعدم
امتثال العبد لأوامر سيده يعرفنا غضبه عليه والغضب أمر وجودي.
المذهب الثاني: أنه لا يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف
العدمي.
وهو مذهب الآمدي، وابن الحاجب، وكثير من الشافعية، وهو
مذهب أكثر الحنفية.
أدلة هذا المذهب:
الدليل م لأول: أنه اتفق على أنه يجب على المجتهد البحث عن
عِلَّة الحكم بالسبر والتقسيم للأوصاف التي تصلح للعلية - كما سبق
بيانه - وهذا شيء يستطيعه المجتهد في الأوصاف الثبوتية، أما
الأوصاف العدمية فإنها غير متناهية لذلك لا يجب عليه سبرها؛
لعدم استطاعته على حصرها -، وهذا يدلنا على أن الأوصاف العدمية
لا تصلح للعلية؛ إذ لو كانت واجبة لوجب على المجتهد سبرها
شأنها في ذلك شأن الأوصاف الثبوتية؛ لأنه لا يجوز إهمال شيء مما
يصح التعليل به.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: لا نُسَلِّمُ ما ذكرتموه، بل يجب على المجتهد سبر
جميع العلل التي يمكن أن يعلل به الحكم، سواء كانت ثبوتية، أو
عدمية، وإن لم يفعل المجتهد ذلك فلا يصلح للاجتهاد.
الجواب الثاني: سلمنا عدم وجوب سبر الأوصاف العدمية على
المجتهد، فليس ذلك الحكم؛ نظراً لعدم صلاحيتها للتعلل بها، بل
إن ذلك سقط عن المجتهد لتعذره؛ حيث إن العدميات غير متناهية.
الدليل الثاني: أنه يصح في الاستعمال اللغوي والعرفي أن يقول
قائل - سائلاً -: " أي شيء وجد حتى حدث هذا الأمر؟ "،
وهذا يفهم أنه لو لم يكن الحدوث متوقفا على وجود شيء: لكان
لغواً شأنه في ذلك شأن قول القائل: " أي رجل مات حتى حدث
لفلان هذا المال؟ "، فإن حدوث المال غير متوقف على موت أحد،
فكان سؤالاً فاسداً.
وهذا كله يفيد: أنه لا بد للحكم الثبوتي من عِلَّة وجودية
وثبوتية، وهو يتضمن عدم جواز التعليل بالعدم.
جوابه:
أنه لو سلم توقف حدوث ذلك الأمر على الأمر الوجودي، فإنه
معارض بما يدل على صحة تعليل الأمر الوجودي بالأمر العدمي،
فيصح أن يقال: عاقب الوالد ولده؛ لأنه لم يمتثل أمره، وطرد زيد
من الكلية؛ لأنه لم ينجح، وهذا كله تعليل للأمر الوجودي بالأمر
العدمي.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف لفظي فيما يظهر لي؛ لأن أصحاب المذهب الثاني
موافقون على تعليل الحكم الثبوتي والوجودي بالوصف العدمي، إلا
أنهم لا يعبرون بالوصف العدمي، بل يعبرون بمفهومه، فمثلاً: لما
قلنا: إن عدم الفسخ في زمن الخيار علَّة لثبوت الملك، قال أصحاب
المذهب الثاني: إن انتهاء زمن الخيارَ علَّة لثبوت الملك، وهكذا فلا
خلاف في الحكم في اللفظ.