المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني عشر حكم تعليل الحكم بأكثر من علة " تعدد العلل - المهذب في علم أصول الفقه المقارن - جـ ٥

[عبد الكريم النملة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث في أركان القياس وشروطها وما يتعلق بها

- ‌المطلب الأول تعريف الركن

- ‌المطلب الثاني في بيان أركان القياس إجمالاً

- ‌المطلب الثالث في بيان أسباب عدم ذكر حكم الفرع من أركان القياس

- ‌المبحث الأول في الأصل وحكمه وشروطهما وما يتعلق بهما

- ‌المطلب الأول في بيان المراد بالأصل

- ‌المطلب الثاني في بيان المراد بحكم الأصل

- ‌المطلب الثالث هل حكم الأصل المنصوص عليه ثابت بالنص أو بالعلة

- ‌المطلب الرابع في اشتراط كون حكم الأصل حكماً شرعيا عمليا

- ‌المطلب الخامس اشتراط كون حكم الأصل حكما ثابتا مستمراً

- ‌المطلب السادس اشتراط كون حكم الأصل معقول المعنى

- ‌المطلب السابع اشتراط أن لا يكون دليل حكم الأصل متناولاًبعمومه حكم الفرع

- ‌المطلب الثامن هل يثشترط قيام دليل على جواز القياس على الأصل

- ‌المطلب التاسع هل يشترط في الأصل أن يكون قد انعقد الإجماععلى أن حكمه معلل، أو أن تثبت علته بالنص

- ‌المطلب العاشر هل يجوز القياس على أصل محصور بعدد معين

- ‌المطلب الحادي عشر اشتراط كون حكم الأصل معللاً بعلة معينة

- ‌المطلب الثاني عشر بيان أن حكم الأصل إذا كان ثابتا بنصفإنه يجوز القياس عليه

- ‌المطلب الثالث عشر حكم القياس على أصل ثبت عن طريق الإجماع

- ‌المطلب الرابع عشر هل يشترط في حكم الأصل المقاس عليه أن تجمععليه كل الأمة، أو يكفي اتفاق الخصمين

- ‌المطلب الخامس عشر حكم القياس على الأصل الثابت عن طريق القياس

- ‌المطلب السادس عشر إذا كان حكم الأصل منصوصا عليه وقد اختلففيه بين الخصمين فهل يجوز القياس عليه

- ‌المطلب السابع عشر هل يُقاس على حكم الأصل الخارج عن قاعدة القياس

- ‌المبحث الثاني في الفرع وشروطه وما يتعلق به

- ‌المطلب الأول بيان المراد بالفرع

- ‌المطلب الثاني اشتراط كون العلَّة الموجودة في الفرع مثل علة حكمالأصل من غير تفاوت واختلاف

- ‌المطلب الثالث اشتراط عدم كون حكم الفرع منصوصا عليهأو مجمعا عليه

- ‌المطلب الرابع اشتراط كون الحكم في الفرع مماثلاً لحكمالأصل في عينه، أو جنسه

- ‌المطلب الخامس اشتراط عدم تقدم حكم الفرع على حكم الأصل

- ‌المطلب السادس هل يشترط أن تكون العِلَّة في الفرع معلومة قطعا

- ‌المطلب السابع هل يشترط في حكم الفرع: أن يكون مما ثبت بالنص جملة

- ‌المبحث الثالث في العِلَّة وشروطها وما يتعلق بها

- ‌المطلب الأول في تعريف العِلَّة لغة، وأسمائها

- ‌المطلب الثاني في تعريف العِلَّة اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث في تقسيمات العِلَّة

- ‌المطلب الرابع في طرق ثبوت العِلَّة " مسالك العِلَّة

- ‌المطلب الخامس هل يشترط أن تكون العلَّة مناسبة أي: مشتملة علىحكمة قصدها الشارع من تشريعه للحكم

- ‌المطلب السادس هل يشترط أن تكون العلَّة ظاهرة جلية أو يجوزالتعليل بالوصف الجلي والخفي

- ‌المطلب السابع حكم التعليل بالحكم الشرعيهل يجوز أن يكون الوصف المعلل به حكما شرعيا

- ‌المطلب الثامن بيان أن العلَّة يشترط فيها أن لا تخالف نصا أو إجماعاً

- ‌المطلب التاسع حكم التعليل بالحكمة

- ‌المطلب العاشر هل يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجوديوتعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي، وتعليلالحكم العدمي بالوصف العدمي، وتعليل الحكمالوجودي بالوصف العدمي

- ‌المطلب الحادي عشر حكم التعليل بالوصف المركب

- ‌المطلب الثاني عشر حكم تعليل الحكم بأكثر من عِلَّة " تعدد العِلَل

- ‌المطلب الثالث عشر حكم تعليل حكمين أو أحكام بعِلَّة واحدة

- ‌المطلب الرابع عشر هل الطرد دليل على صحة العِلَّة

- ‌المطلب الخامس عشر في بيان أنه يشترط في الوصف المستنبط المعلل بهأن لا يرجع على الأصل بإبطاله

- ‌المطلب السادس عشر حكم التعليل بالاسم المجرد

- ‌المطلب السابع عشر حكم التعليل بالوصف العرفي

- ‌المطلب الثامن عشر هل يجوز التعليل بالعِلَّة القاصرة

- ‌المطلب التاسع عشر بيان أنه يشترط في العلَّة التي عللنا بها:أن لا تكون معارضة بعلة أخرى تقتضي إبطالها

- ‌المطلب العشرون تخصيص العِلَّة

- ‌الفصل الرابع في قوادح القياس ومبطلاته

- ‌المبحث الأول في سؤال الاستفسار

- ‌المطلب الأول بيان المراد بسؤال الاستفسار

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن الاستفسار

- ‌المبحث الثاني في قادح منع الحكم في الأصل

- ‌المطلب الأول في بيان قادح منع الحكم في الأصل

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن منع الحكم في الأصل

- ‌المبحث الثالث في قادح منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المطلب الأول في بيان منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المبحث الرابع في قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المطلب الأول بيان قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المبحث الخامس في قادح منع الوصف في الأصل والفرع معا

- ‌المطلب الأول في بيان المراد من منع الوصف في الأصل والفرع

- ‌المطلب الثاني في كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الفرع والأصل

- ‌المبحث السادس في قادح منع كون الوصف عِلَّة

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الثالث كيفية الجواب عن قادح منع كون الوصف عِلَّة

- ‌المبحث السابع في قادح التقسيم

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الثالث شروط التقسيم

- ‌المطلب الرابع في بيان الفرق بين التقسيم والاستفسار

- ‌المطلب الخامس في كيفية الجواب عن هذا القادح

- ‌المبحث الثامن في قادح النقض

- ‌المطلب الأول في بيان المراد بالنقض، وأهميته

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الرابع الحالات التي يرد عليها النقض وحكم كل حالة

- ‌المطلب الرابع هل على المستدل أن يحترز عن النقض في قياسه

- ‌المطلب الخامس بيان كيفية جواب المستدل عن هذا القادح

- ‌المبحث التاسع في قادح التركيب

- ‌المطلب الأول بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني أقسام قادح التركيب

- ‌المطلب الثالث حجية التركيب

- ‌المطلب الرابع كيفية الجواب عن قادح التركيب

- ‌المبحث العاشر في قادح فساد الوضع

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الوضع وأقسامه

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح فساد الوضع

- ‌المبحث الحادي عشر في قادح فساد الاعتبار

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الاعتبار

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن هذا القادح

- ‌المطلب الثالث الفرق بين قادح فساد الاعتبار وقادح فساد الوضع

- ‌المبحث الثاني عشر في قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الثاني بيان أنواع المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الثالث في حجية قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الرابع بيان أن المعترض لا يحتاج إلى دليل يشهد لوصفهالذي اعترض به

- ‌المطلب الخامس بيان أنه على المعترض بيان انتفاء الوصفالذي اعترض به عن الفرع

- ‌المطلب السادس بيان كيفية الجواب عن قادح المعارضة في الأصل

- ‌المبحث الثالث عشر في قادح المعارضة في الفرع

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه، وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثاني بيان حجيته

- ‌المطلب الثالث في بيان كيفية الجواب عن قادح المعارضة في الفرع

- ‌المبحث الرابع عشر في قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الثاني بيان أن هذا القادح خاص بقياس المعنىإذا كانت علته مستنبطة

- ‌المطلب الثالث أقسام عدم التأثير

- ‌المطلب الرابع كيفية الجواب عن قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الخامس بيان سبب إفراد هذا القادح في هذا المبحث

- ‌المبحث الخامس عشر في قادح الكسر

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح الكسر

- ‌المطلب الثاني بيان حجية قادح الكسر

- ‌المطلب الثالث في بيان كيفية الجواب عن قادح الكسر

- ‌المبحث السادس عشر في قادح القلب

- ‌المطلب الأول المراد من قادح القلب

- ‌المطلب الثاني في بيان حجيته، وأنه معارضة

- ‌المطلب الثالث في بيان أنواعه

- ‌المطلب الرابع في بيان كيفية الجواب عن قادح القلب

- ‌المبحث السابع عشر في قادح القول بالموجب

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح القول بالموجَب - بفتح الجيم

- ‌المطلب الثاني أنواعه، وبيان كيفية الجواب عن كل نوع

- ‌المطلب الثالث في بيان أنه لا يجوز للمعترض تغيير كلام المستدل

- ‌الباب السادس في الاجتهاد والتقليد

- ‌الفصل الأول في الاجتهاد

- ‌المبحث الأول في تعريف الاجتهاد

- ‌المبحث الثاني مجالات الاجتهاد ومواضعه

- ‌المبحث الثالث شروط المجتهد

- ‌المبحث الرابع حكم الاجتهاد

- ‌المبحث الخامس هل يقبل اجتهاد شخص في مسألة معينة إذا عرفدقائقها دون المسائل الأخرى في نفس الباب

- ‌المبحث السادس هل يجوز الاجتهاد في زمان صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد

- ‌المبحث الثامن هل وقع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع هل يجوز الخطأ في اجتهاد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر هل كل مجتهد مصيب في الفروع أو المصيب واحد

- ‌المبحث الحادي عشر هل كل مجتهد مصيب في أصول الدينأو المصيب واحد

- ‌المبحث الثاني عشر إذا تعارض عند المجتهد دليلان وعجزعن الترجيح وتحيَّر فماذا يفعل

- ‌المبحث الثالث عشر هل يجوز للمجتهد أن يقول في الحادثة الواحدةقولين متضادين في وقت واحد

- ‌المبحث الرابع عشر المجتهد الذي لم يجتهد في مسألة، ولكن العلومكلها حاصلة عنده، وعنده القدرة على الاجتهادفهل يجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين

- ‌المبحث الخامس عشر إذا نص المجتهد على حكم في مسألة لعلَّة قد ذكرهاووجدنا تلك العِلَّة في مسائل أخرى فَما الحكم

- ‌المبحث السادس عشر إذا نص المجتهد على حكم في مسألة معينة، ولم يذكرعِلَّة ذلك الحكم، ووجدنا مسألة أخرى تشبهها شبها

- ‌المبحث السابع عشر إذا نص المجتهد في مسألة على حكم ونص على مسألةأخرى تشبهها على حكم آخر فهل يجوز نقل حكمإحداهما وجعله في المسألة الأخرى أو لا

- ‌المبحث الثامن عشر إذا روي عن مجتهد في مسألة واحدةروايتان مختلفتان وصح هذا النقل عنه

- ‌الفصل الثاني في التقليد

- ‌المبحث الأول تعريف التقليد

- ‌المبحث الثاني هل يجوز التقليد في أصول الدين

- ‌المبحث الثالث هل يجوز التقليد في الفروع

- ‌المبحث الرابع بيان طرق معرفة العامي للمجتهد حتى يستفتيه

- ‌المبحث الخامس مجهول الحال هل يجوز تقليده

- ‌المبحث السادس إذا كان في البلد مجتهدان فأكثرفأيهم الذي يستفتيه العامي

- ‌المبحث السابع إذا سأل العامي مجتهدين عن حكم حادثته فحكم أحدهمابأنه يجوز فيها كذا، وحكم الآخر بأنه لا يجوز فيها كذا

- ‌المبحث الثامن إذا استوى عند العامي المجتهدان اللذان قد أصدرا فتواهمافي جميع الأحوال

- ‌الباب السابع في التعارض والجمع والترجيح

- ‌الفصل الأول في التعارض

- ‌المبحث الأول تعريف التعارض

- ‌المبحث الثاني شروط التعارض

- ‌المبحث الثالث إذا ثبت تعارض دليلين فهل يقدم الجمع أو الترجيح

- ‌الفصل الثاني في الجمع

- ‌المبحث الأول تعريف الجمع بين الأدلة المتعارضة

- ‌المبحث الثاني شروط الجمع بين الأدلة المتعارضة

- ‌الفصل الثالث في الترجيح

- ‌المبحث الأول تعريف الترجيح

- ‌المبحث الثالث شروط الترجيح بين الدليلين

- ‌المبحث الرابع هل الترجيح لا يوجد إلا إذا وجد التعارضأم الترجيح لا يكون بين المتعارضين

- ‌المبحث الخامس هل يجوز الترجيح بين دليلين قطعيين أو لا

- ‌المبحث السادس في حكم العمل بالراجح من الدليلين

- ‌المبحث السابع هل يجوز الترجيح بكثرة الأدلة

- ‌المبحث الثامن في طرق الترجيح بين الأدلة

- ‌المطلب الأول في طرق الترجيح بين منقولين

- ‌المطلب الثاني في طرق الترجيح بين معقولين

- ‌المطلب الثالث في طرق الترجيح بين منقول ومعقول

الفصل: ‌المطلب الثاني عشر حكم تعليل الحكم بأكثر من علة " تعدد العلل

‌المطلب الثاني عشر حكم تعليل الحكم بأكثر من عِلَّة " تعدد العِلَل

"

اتفق العلماء على جواز تعليل الحكم الواحد نوعاً المختلف شخصا

بعلل مختلفة، كان تعلل إباحة قتل شخص بكونه مرتداً، وتعلل

إباحة قتل شخص آخر بكونه قاتلاً، وتعلل إباحة قتل شخص ثالث

بكونه زانيا محصنا.

واختلف العلماء في تعليل الحكم الواحد في صورة واحدة بعلتين

مختلفتين، أو أكثر من ذلك مثل: تعليل حرمة وطء امرأة؛ بكونها

معتدة، وكونها حائضا، وتعليل وجوب القتل على مكلف بكونه

زانيا وهو محصن، وبكونه قاتلاً، وبكونه مرتداً، فهل يجوز

ذلك؟

اختلف في ذلك على مذاهب:

المذهب الأول: أنه يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين فأكثر مطلقا.

وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لدليلين:

الدليل الأول: أن العلَّة هي: الوصف المعرف للحكم - كما

قلنا في تعريف العِلَّة - ولَا مانع من اجتماع المعرفات والأمارات على

شيء واحد، ولذلك قالوا: إن من لمس وبال، فإنه ينتقض وضوؤه

بهما.

الدليل الثاني: الاستقراء والتتبع دلَّ على جواز ذلك؛ حيث إنه

بعد الاستقراء والتتبع للأحكام وأسبابها وجدنا إنه يمكن جدا أن يصدر

من شخص واحد في ساعة واحدة سببان يوجدان معا يوجبان قتله.

ص: 2132

كالزنا والردة، ومن الممكن أن تحرم المرأة بسببين يوجدان معا

كالحيض والإحرام، أو الإحرام والعدة، أو الحيض والعدة، أو

تجتمع الثلاثة وهي: العدة والحيض والإحرام معا. كذلك لو جمع

شخص بين لبق أخته ولبن زوجة أخيه، ثم سقاه لصبية دون السنتين،

فإن تلك الصبية تحرم على ذلك الشخص بسببين معا وهما: " أنه يعد

عمها "، و " أنه خالها ".

فكان عمها من جهة أنها رضعت من لبن زوجة أخيه الذي أصبح

أباً لها.

وكان خالها من جهة أنها رضعت من لبن أخته التي أصبحت أمًّا

لها.

فاجتمع للتحريم سببان وعلتان معا، فهذا يدل على وقوع اجتماع

الأسباب دفعة واحدة في حكم واحد، وهذا يدل على جوازه.

المذهب الثاني: أنه لا يجوز مطلقا.

وهو مذهب الآمدي، وتاج الدين ابن السبكي، ونسب إلى

القاضي أبي بكر الباقلاني.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: أن من شروط العلَّة: أن تكون مناسبة للحكم،

والقول بمناسبة الحكم الواحد لعلتين مختلفتين يقتضي أن الحكم مساو

لهما، والقول بمساواته لهما يقتضي اختلافه مع نفسه؛ لأن مساوي

المختلفين مختلف، ولما استحال اختلافه مع نفسه نتج: عدم جواز

تعليله بعلتين فأكثر مختلفة حتى لا يؤدي إلى المحال.

ص: 2133

جوابه:

نحن قلنا بجواز تعليل الحكم بعلتين أو أكثر بشرط مناسبتهما

للحكم، فيجوز أن تكون العلتان قد اشتركتا في جهة واحدة،

وحينئذٍ تتحقق المناسبة بينهما وبين الحكم في تلك الجهة، ويزول ما

ذكرتموه من الامتناع، إذن: لا مانع من القول بجواز تعليل الحكم

بأكثر من عِلَّة.

الدليل الثاني: أن تعليل الحكم بأكثر من علَّة يلزم منه أمور ثلاثة:

" إما تحصيل الحاصل "، أو " اجتماع المثلين "، أو " نقض العِلَّة "

وهذه الأمور الثلاثة كلها باطلة، فيكون التعليل بأكثر من علَّة لحكم

واحد باطل.، بيانه:

أن الحكم يحصل بأي علَّة من تلك العلَل المختلفة، وهذا لا بد

منه؛ لأنا لو لم نقل بذلك فإنه يلزم النقض من غير مانع، وهو

باطل، وعلى هذا تكون العِلَّة الثانية إذا وجدت فلا يخلو:

إما أن تقتضي أيضاً حصول نفس الحكم، وهذا هو تحصيل

الحاصل.

وإما أن تقتضي حكما آخر مماثلاً للحكم الأول، ويلزم على هذا

اجتماع المثلين.

وإما أن تقتضي حكما آخر غيرهما، أو لم تقتضي شيئاً، فيلزم

- على هذا - النقض بدون مانع، وهو باطل.

جوابه:

أنا فسرنا العلَّة بأنها: المعرف للحكم، ولا مانع من اجتماع

معرفين للحكم الواحد - كما سبق بيانه - وعليه فلا يمتنع تحصيل

ص: 2134

الحكم بعلتين فأكثر، أى: تحصيل الحكم بالعلَّة الأولى، والثانية،

وغيرهما.

وما ذكرتموه من امتناع تحصيل الحكم السابق تحصيله بالعلَّة الأولى

متصور إذا فسرت العِلَّة بالمؤثر؛ لأنه قد حصل الحكم بالمؤثر السابق

- وهي العِلَّة الأولى - فلا معنى للمؤثر اللاحق - وهي العِلَّة

الثانية -.

المذهب الثالث: التفصيل بين المنصوصة والمستنبطة، حيث يجوز

تعدد العلل إذا كان منصوصا عليها، ولا يجوز تعدد العلل إذا كانت

مستنبطة.

وهو اختيار ابن فورك، وفخر الدين الرازي.

دليل هذا المذهب:

أنه لو أعطى إنسان فقيرا قريبا له، فإنه:

يحتمل أن يكون قد أعطاه لداعي الفقر فقط.

ويحتمل أن يكون قد أعطاه لداعي القرابة فقط.

ويحتمل أن يكون قد أعطاه لداعي الفقر والقرابة معا.

ويحتمل أن يكون قد أعطاه لا لفقره ولا لقرابته.

وهذه الاحتمالات متنافية بدليل: أن كون الفقر مثلاً داعيا ينافي

كون غير الفقر داعيا، أو جزءاً من الداعي.

ولما كانت متنافية، وكانت متساوية من حيث التعليل بها، فعندنا

احتمالان هما:

الاحتمال الأول: إما أن تبقى على جهل التعليل بواحدة منها

ص: 2135

المؤدي إليه التساوي، فلا يحصل الظن بواحد منها على التعيين،

فلا يجوز أن يحكم بأنه عِلَّة.

الاحتمال الثاني: وإما أن يترجح بعضها، وهذا الترجيح يحصل

بأمرين هما: " المناسبة "، و " الاقتران "؛ لأن ذلك مشترك بين هذه

الاحتمالات، وحينئذ تكون العلَّة هي الراجح منها دون المرجوح،

وهذا يعني أنا نعلل الحكم بالراجح فقط، إذن لا يجوز تعدد

الأوصاف في العلَّة المستنبطة، أما العلَّة المنصوصة فيجوز فيها ذلك؛

للنص.

جوابه:

لا نسلِّم التفريق بين العلَّة المنصوصة والمستنبطة، بل كلاهما واحد

في جواز تعدد العلل، فإذا جاز في العلَّة المنصوصة محإنمه يحوز في

المستنبطة ولا فرق.

ثم المثال الذي ذكرتموه لا نسلمه؛ لأنا لا نُسَلِّمُ أن احتمال كون

إعطائه لفقره مثلاً ينافي احتمال كونه أعطاه لفقهه فقط.

المذهب الرابع: عكس الثالث، وهو: أنه يجوز تعدد العلل في

المستنبطة، ولا يجوز في المنصوصة.

وهو لبعض المذاهب.

دليل هذا المذهب:

قياس العلَّة المنصوصة على العِلَّة العقلية، فكما أنه لا يجوز

اجتماع العلَل العقلية على معلول واحد، فكذلك العِلَّة الشرعية

المنصوصة بجامع: أن كلأ منهما قطعية؛ فالعقلية معروف أنها

قطعية، والمنصوصة فإنها كانت قطعية؛ لأنه لم يعتبر غيرها.

ص: 2136

وهذا بخلاف العِلَّة المستنبطة، فإنها لما كانت ظنية فإنه يصح أن

يكون كل واحد منَ الوصفين - أو الأوصاف - عِلَّة كما أن سبب

ظن العلية حاصل في كل واحد من الوصفين.

جوابه:

لا نسلم ما ذكرتموه، فلا نسلم أن العلل المنصوص عليها كلها

قطعية، بل أكثر العلل المنصوصة ظنية، حيث إن هناك من النصوص

الدالة على علية الوصف آحاد، أو دلالة هذا النص على العِلَّة دلالة

ظنية وإن كان ثابتا عن طريق التواتر، وهذا أكثر العلل المنصوصة،

وما وجد من العلل المنصوصة القطعية فهو قليل جداً، ولا يمكن أن

تثبت قاعدة أصولية والمستند صور قليلة، ويترك صوراً كثيرة لا يلتفت

إليها.

بيان نوع الخلاف:

الخلاف هنا لفظي؛ لاتفاق أصحاب المذاهب على المعنى،

واختلافهم في العبارة؛ لأنه لا يوجد أحد من أصحاب المذاهب يمنع

قيام وصفين، كل واحدي منهما لو انفرد لاستقل بالحكم، لكن

يقال: هل الحكم مضاف إليهما أم هو مضاف إلى كل واحد منهما؛

ولقد رجحت في كتابي: " الخلاف اللفظي عند الأصوليين " أن

الخلاف معنوي، وفصَّلت في ذلك، ولكن الآن أعدل عما قلته

هناك إلى ما قلته هنا؛ لما سبق من التعليل.

ص: 2137