الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الحادي عشر حكم التعليل بالوصف المركب
المراد بالوصف المركب: الوصف المتكون والمركب من عدة أجزاء
كتعليل وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان، أو تعليل وجوب
الكفارة بوقاع مكلف في نهار رمضان، وهكذا.
فهل يجوز التعليل بذلك؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على
مذاهب:
المذهب الأول: أنه يجوز التعليل بالوصف المركب من أجزاء كما
جاز التعليل بالوصف الواحد.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: قياس العِلَّة المركبة من عدة أوصاف على العِلَّة
المتكونة من وصف واحد، بيان ذلك:
أن الوصف الواحد يغلب على الظن أنه علَّة بأحد طرق إثبات
العلَّة السابقة كدلالة طريق النص الصريح، أَو طريق الإيماء، أو
طريق الإجماع، أو طريق المناسبة، أو السبر والتقسيم، أو تنقيح
المناط، أو الدوران، فكذلك الوصف المركب من عدة أجزاء يظن
عليته بتلك الطرق؛ لأن ما يثبت به علية الوصف الواحد يصلح أن
يثبت به علية الأوصاف المتعددة من غير فرق؛ لأن القول بالفرق لا
دليل عليه، وما لا دليل عليه لا يعتمد عليه.
الدليل الثاني: أن المصلحة قد لا تحصل إلا بعلة مركبة من
أوصاف؛ حيث إنه بعد الاستقراء والتتبع ثبت أن كثيراً من الأحكام
الشرعية يتوقف القول فيها على حصول أوصاف عديدة ليكمل
التناسب بين الوصف والحكم، فمثلاً لو اقتصرنا على وصف واحد
لكان الحكم واسعاً لا يمكن حصره، فمثلاً لو قلنا: إن علَّة كفارة
الوقاع هي: الوقاع فقط لدخل المكلف وغيره، ولو قلنا:إن العِلَّة
هي: وقاع مكلَّف في نهار رمضان لحصر ذلك في هذا الشخص
الموصوف بتلك الصفات.
كذلك لو قلنا: إن عِلَّة وجوب القصاص هي: " القتل " فقط،
لدخل قتل الخطأ، وقتل شبه العمد، ولما ناسب وجوب القصاص،
ولكن لما أضيف إليه كونه عمداً عدواناً حُصر الشخص الذي يجب
عليه القصاص، وناسب الحكم.
الدليل الثالث: وقوع التعليل بالوصف المركب في السنة، ومن
ما جاء في بعض الروايات: تعليل أحكام المستحاضة بأنه دم عرق
انفجر، فعلل الدم بالانفجار، وهذا هو التركيب، والوقوع دليل
الجواز.
المذهب الثاني: لا يجوز التعليل بالوصف المركب من أجزاء.
وهو مذهب بعض المعتزلة، وحكي عن أبي الحسن الأشعري.
دليل هذا المذهب:
أنه لو صح التعليل بالوصف المركب من أجزاء، فعندنا احتمالات:
الاحتمال الأول: إما أن تكون العلية قائمة بجزء غير معين.
الاحتمال الثاني: إما أن تكون العلية قائمة بجزء معين.
الاحتمال الثالث: إما أن تكون العلية قائمة بكل واحد منها.
الاحتمال الرابع: إما أن تكون العلية قائمة بمجموع الأجزاء.
وكلها باطلة، بيان ذلك:
أن الأول - وهو: كون العلية قائمة بجزء غير معين - باطل؛
لأن العلية وصف موجود، والواحد لا بعينه لا وجود له، وغير
الموجود لا يصح أن يقوم به الموجود.
وأما الثاني - وهو: كون العلية قائمة بجزء معين - فهو باطل
- أيضاً -؛ لأن قيام العلية بجزء معين يجعل الجزء المعين هو العِلَّة،
فتكون العِلَّة مفردة، لا مركبة، وهو خلاف ما نحن بصدده.
وأما الثالث - وهو: كون العلية قائمة بكل جزء من هذه
الأجزاء - فهو باطل - أيضا -؛ لأنه يؤدي إلى جعل كل جزء عِلَّة
مستقلة، فيكون كل واحد منها عِلَّة، ولا يكون المجموع هو العَلة
كما هو المفروض في هذه المسألة.
وأما الرابع - وهو: كون العلية قائمة بمجموع الأجزاء - فهو
باطل؛ لأن ذلك يوجب قيام المتحد بالمتعدد أو اتحاد المتعدد، وهو
قلب للحقائق.
وإذا بطلت تلك الاحتمالات فإنه يمتنع قيام العلية بالوصف المركب.
جوابه:
إن هذا الدليل منتقض بالحكم على المتعدد من الألفاظ والحروف
بأنه خبر أو استخبار، أو وعد أو وعيد، وما إلى ذلك من أقسام
الكلام؛ لأن كونه خبراً. زائد عليه، فإما أن يقوم كونه خبراً بكل
حرف، أو بمجموع الحروف.
ومنتقض بما يتجدد من الأعداد والهيئة الاجتماعية، فمثلاً: كل
واحد من العشرة ليس بعشرة، وعند اجتماعها يكون المجموع
عشرة.
فكذلك: كل واحد من أجزاء الوصف ليس هو العِلَّة، وعند
اجتماعها يكون المجموع عشرة.
المذهب الثالث: يجوز التعليل بالوصف المركب من أجزاء بشرط:
أن لا يزيد على سبعة أجزاء.
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أنه بعد الاستقراء والتتبع ثبت أن أجزاء الوصف هي سبعة،
ولذلك لا يزاد على ذلك، فإن زاد فلا يجوز التعليل به.
جوابه:
لا داعي لهذا التقييد بهذا العدد من الأجزاء؛ لعدم وجود الدليل
المقيد أو المخصص، وإن وجد في حالة واحدة، فالحالة الواحدة لا
يقيد بها قاعدة عامة.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا قد اختلف فيه على قولين:
القول الأول: أن الخلاف لفظي، وهو الحق؛ لأن أصحاب
المذاهب قد اتفقوا على أن الأجزاء لا بد منها في العلية، ولكن
الخلاف وقع بينهم - بعد ذلك - في أنها هل هي أجزاء للعلة، أو
أن واحداً منها علة والباقي شروط فيها.
فمن أجاز التعليل بالعلة المركبة - وهم أصحاب المذهب الأول
والثالث - جعل جميع الأجزاء علة.
ومن منع التعليل بالعلة المركبة من أوصاف تعلق بوصف واحد،
وجعل الباقي شروطا لذلك الوصف.
ولا يترتب على الخلاف شيء بالنسبة لوجود باقي الأجزاء؛ حيث
إنه لا بد منها، سواء كانت أجزاء أو شروطا.
القول الثاني: إن الخلاف معنوي، وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا القول:
أن لهذا الخلاف أثراً وهو: أنه من أجاز التعليل بالوصف المركب
من أجزاء قالوا بعلية كل جزء، وبناء على ذلك فإنهم يشترطون
المناسبة في كل الأجزاء.
أما من منع التعليل بالوصف المركب من أجزاء، فإنهم لا
يشترطون المناسبة إلا في هذا الجزء الذي جعلوه عِلَّة، دون الباقي.
جوابه:
أن المناسبة تشترط في العِلَّة مطلقا، أي: سواء كانت وصفاً
مفرداً، أو متعدداً مركبا، وليس هذا أثراً للخلاف.