الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث إذا ثبت تعارض دليلين فهل يقدم الجمع أو الترجيح
؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب، من أهمها مذهبان هما:
المذهب الأول: أنه يُقدم الجمع بين المتعارضين بأي نوع من أنواع
الجمع، فإن تعذر الجمع بين الدليلين المتعارضين، فإنه يرجح
أحدهما على الآخر، وذلك بأي وجه من أوجه الترجيح، فإن تعذر
على المجتهد الجمع والترجيح، فإنه ينظر في تاريخ ورود الدليلين
المتعارضين، فإن عرفه فإنه حينئذٍ ينسخ المتأخر المتقدم، فإن تعذر
الجمع، والترجيح ومعرفة المتاخر من المتقدم، فإن المجتهد يحكم
بسقوط الدليلين المتعارضين، ويرجع ويستدل على حكم الحادثة
بالبراءة الأصلية، وكأن الدليلين المتعارضين غير موجودين.
هذا مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن الدليلين المتعارضين دليلان قد ثبتا، ويمكن
استعمالهما معا، وبناء أحدهما على الآخر، فلا يمكن إلغاؤهما،
أو إلغاء واحد منهما إذا أمكن العمل بكل واحد منهما من وجه..
الدليل الثاني: أنه فد ورد تقديم الجمع بين الدليلين عن ابن عباس
رضي الله عنهما حيث إنه لما قرأ قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، وقوله:. (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
قال - أى ابن عباس -: يُسألون في موضع، ولا يُسألون في
موضع آخر، فقال - جامعا بينهما -: " لا يسألهم ربهم هل
عملتم كذا وكذا؛ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لِمَ
عملتم كذا وكذا؟ "، فهنا قدم الجمع على غيره.
الدليل الثالث: أن الجمع بين الأدلة المتعارضة فيه تنزيههما عن
النقص؛ لأن الدليلين المتعارضين بالجمع يتوافقان، ويزال الاختلاف
المؤدي إلى النقص والعجز، بخلاف الترجيح فإنه يؤدي إلى إلغاء
أحدهما وتركه؛ لأنه يوجب العمل بالراجح دون المرجوح، وكذلك
النسخ والتخيير، حيث إنه يترتب عليهما ترك أحد الدليلين،
وكذلك إسقاط الدليلين معا يترتب عليه ترك العمل بهما معا.
المذهب الثاني: أنه يقدم الترجيح على الجمع، فقال أصحاب هذا
المذهب في تفصيل ذلك: إنه يقدم النظر في تاريخ ورودهما، فإن
علم أن أحدهما متقدم على الآخر، فإنه يحكم بأن المتأخر ناسخ
للمتقدم، وإن تعذر معرفة تاريخ ورودهما: فإنه يرجح أحدهما
على الآخر بأي وجه من وجوه الترجيح، فإن تعذر التاريخ
والترجيح: جمع بينهما إن أمكن؛ لأن إعمال الدليلين اللذين لا
مرجح لأحدهما أوْلى من إهدارهما، فإن تعذر الجمع ترك العمل
بهما، وعدل إلى الاستدلال إلى ما دونهما في الرتبة.
وهذا مذهب الحنفية.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - كانوا إذا
أشكل عليهم حديثان، فإنهم يلجأون إلى الترجيح، وقد ثبت ذلك
في وقائع منها: أنهم رجحوا حديث عائشة رضي الله عنها:
"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " على حديث: " إنما الماء من
الماء".
جوابه:
هذا يدل على وجوب الترجيح بين الدليلين المتعارضين، وهذا لا
نزاع فيه، ولكن النزاع في تقديم الجمع على الترجيح، أو العكس،
وهذا الدليل لا يدل عل تقديم أحدهما على الآخر، ونحن نقول:
إنه إذا تعذر الجمع لجأنا إلى الترجيح، فلما لم يمكن الجمع بين
الحديثين السابقين، لجأوا إلى الترجيح.
الدليل الثاني: أن العقلاء قد اتفقوا على أنه عند التعارض يقدم
الراجح على المرجوح، واتفقوا - أيضا - على امتناع ترجيح
المرجوح، أو مساواته بالراجح.
جوابه:
أن النظر إلى الراجح من الأدلة والمرجوح منها، إنما يكون لدفع
التعارض بإسقاط أحدهما عن العمل، والأدلة بعد الجمع تكون
متوافقة، فلا تحتاج إلى الترجيح أصلاً.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي، وهو ظاهر.