الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع عشر هل يشترط في حكم الأصل المقاس عليه أن تجمع
عليه كل الأمة، أو يكفي اتفاق الخصمين
؟
لقد بيَّنت فيما سبق: أنه يجوز القياس على ما ثبت بالإجماع،
ولكن اختلف العلماء هل يكفي اتفاق الخصمين أو يشترط اتفاق كل
الأُمَّة؛ على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يكفي اتفاق الخصمين، فلا يشترط أن يكون
حكم الأصل المقيس عليه متفقا عليه من كل الأُمَّة؛ حيث إن
الخصمين - المستدل والمعترض - إذا اتفقا على حكم الأصل، فإن
المناظرة تنضبط، ويكون لها فائدة، أما إن كان حكم الأصل مختلفاً
فيه، فإن المعترض له أن ينازع فيه كما ينازع في الفرع، وهذا هو
الحق؛ لما ذكرت.
مثال ذلك: قياس الأرز على البر في تحريم ربا الفضل بجامع:
الطعم، أو الكيل، فإن الحكم متفق عليه، وإن اختلف في العِلَّة
كما سبق.
المذهب الثاني: أنه يشترط في حكم الأصل المقيس عليه: أن
يكون متفقا عليه بين الأمَّة، ولا يكفي أن يكون الأصل متفقاً عليه بين
الخصمين.
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أن حكم الأصل إذا لم تجمع عليه كل الأمَّة، فإنه يجوز للخصم
- وهو المعترض -: أن يعلل حكم الأصل بعلَّة قاصرة لا تتعدى إلى
الفرع، وإن وافقه المستدل على هذا بطل القياس؛ لعدم وجود المعنى
الجامع بين الأصل والفرع.
وإن لم يوافقه المستدل على ذلك، بل علل المستدل بعلة أخرى
متعدية إلى الفرع: بطل القياس أيضا؛ لأن المعترض قد علل حكم
ذلك الأصل بعلة قاصرة، ومنع أن يكون ذلك الشيء الذي أتى به
المستدل عِلَّة للأصل.
وبيَّن - أي: المعترض - عدم موافقته على أن العِلَّة في حكم
الأصل تلك العلَّة المتعدية التي أوردها المستدل، وذكر أَن عِلَّة حكم
الأصل هي التي لا تتعدى إلى الفرع.
وسموا ذلك بالقياس المركب، وهو: أن يكون الحكم متفقا عليه
بين الخصمين، لكن لعلتين مختلفتين، فكل واحد من الخصمين علل
الحكم بعلة مخالفة لعلة الآخر، كما في قياس حلي البالغة على
حلي الصبية؛ فإن عدم وجوب الزكاة في حلي الصبية متفق عليه بين
الخصمين، لكن لعلتين مختلفتين، فإنه عند أحدهما: لعلَّة كونه
حليا، وعند الآخر: لعِلَّة كونه ما، للصبية.
جوابه:
أنا لو عملنا بهذا الشرط، وهو إجماع كل الأُمَّة على حكم الأصل،
فإن ذلك يفضي إلى ندرة الأصل وحكمه المقاس عليه، وبالتالي ندرة
القياس كله مما يؤدي إلى خلو كثير من الحوادث عن الأحكام.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي، كما سبق.