الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - انتقاله إلى مكة وتعيينه أمينًا لمكتبة الحرم المكي:
بعد استيلاء الهندوس على الهند، ساءت الأوضاع هناك، فقرّر الشيخ الارتحال إلى مكة وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة (1371 هـ)، ثم عُّين أمينًا لمكتبة الحرم المكي في شهر ربيع الأوّل سنة (1372 هـ) -وكان له من العمر ستون عامًا- فبقى فيها أربعة عشر عامًا يعمل في خدمة رُوَّاد المكتبة من طلاب العلم، بالإضافة إلى استمراره في تصحيح الكتب وتحقيقها لتطبع في دائرة المعارف العثمانية حتى وافاه الأجل سنة (1386 هـ) عن أربع وسبعين عامًا رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.
16 - عقيدته:
شيخنا رحمه الله سلفي العقيدة، بل هو من الراسخين فيها، العالمين بمبادئها وقواعدها، الداعين إلى اتباعها، الذّابِّين عن حياضها، الكاشفن لِشُبهِ من خالفها، بنظرٍ ثاقبٍ، وعِلْمٍ راسخٍ، وأدبٍ جمّ.
وقد هجر الشيخ بلده اليمن لما بطش الرافضة به وبإخوانه من أهل السنة، وانتقل إلى عسير، فرارًا بدينه من الفتن، وحفاظًا على عقيدته من الزلل.
وصنع مثل ذلك لما استولى الهندوس الملحدون على الهند، فزكها وارتحل إلى مكة المكرمة لنفس الغرض.
وقد كان للشيخ يدٌ طولى في تبسيط وتقرير أصول تلك العقيدة الغرّاء، سالكًا سبيل الوضوح والتسهيل، مبتعدًا ومحذرًا من التكلف والتهويل.
وله في ذلك رسالة "دين العجائز أو يُسْر العقيدة الإسلامية" وله "حقيقة التأويل" وغيرها.
كما أن له مؤلفات في كشف بعض ضلالات الصوفية، والردِّ على من يقول منهم بالحلول والاتحاد.
ولقد أفرد الشيخ في كتابه البديع: "التنكيل" قسمًا للردِّ على الكوثري في عيبه للعقيدة السّلفية، وسماه "القائد إلى تصحيح العقائد" قال في أوّلِه:
"الحمد لله الذي لا أعلم به من نفسه، ولا أصدق نبًا عنه من وحيه، ولا آمن على دينه من رسله، ولا أوْلى بالحق ممن اعتصم بشريعته ورضى بحكمه ..
أما بعد، فإن صاحب كتاب "تأنيب الخطيب" -يعني الكوثري- تعرّض كتابُه للطعن في عقيدة أهل الحديث ونبزهم بالمجسمة، والمشبهة، والحشوية، ورماهم بالجهل والبدعة، والزيغ والضلالة، وخاض في بعض المسائل الاعتقادية، كمسألة الكلام والإرجاء، فتجشمتُ أن أتعقبه في هذا كما تعقبته في غيره، راجيًا من الله تبارك وتعالى أن يثبت قلبي على دينه، ويهدينى لما اختلف فيه من الحق بإذنه، ويتغمدني بعفوه ورحمته، إنّه لا حول ولا قوة إِلَّا بالله". اهـ
وقد أُفرد هذا القسمُ بالطبع أيضًا، وذلك لعظيم خطره، فقد أبدع الشيخ فيه وأجاد، في بيان أصول هذه العقيدة، ومآخذها، وما يضادها من مآخذ أهل البدع والأهواء، فجاء كتابًا جامعًا نافعًا في بابه، فلله درُّ الشيخ، ما أبدعه من كتاب.
وفيما عثر عليه ماجد الزيادي بخط الشيخ: وصية كتبها الشيخ حين كان مقيمًا في "عسير" زمن إمرة الإدريسي، أبان فيها عن عقيدته، فقال:
"هذا ما يوضي به العبد المذنب العاصي الخاطىء والمسرف على نفسه: عبد الرحمن ابن يحيى بن علي بن محمد بن أيى بكر بن محمد بن حسن المعلمي العتمي، الذي كان يأمر بالمعروف ويجتنبه، وينهى عن المنكر ويرتكبه، مخلًا بالفرائض، مقلًا من المندوبات، معاودًا لكثير من الكبائر الموبقات، مُصِرًّا على كثير من الصغائر المكروهات، ليس له عمل يرجو نفعه، إِلَّا عفو ربه سبحانه وتعالى.
يقول: أشهد أن لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا، وربًا شاهدًا، وملِكا متعاليًا، منزهًا عن كل نقص، جامعًا لكل كمال.
أشهد أنه فوق ألسنة الواصفين، ومدارك المنكرين، لا يعْلمُ شيئًا من شؤونه على الحقيقة إِلَّا هو.
وأشهد أنه أرسل رسلًا إلى خلقه لإبلاغ الحجة، وإيضاح المحجة، فبلّغوا رسالته كما أمر، وكان خاتمهم خيرهم سيدنا وشفيعنا إلى ربنا: رسول الله وحبيبه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهديين.
وبعْدُ، فعقيدتي التى ألقى الله تعالى بها، وأقف بها بين يديه، مصممًا على أنها الحق الحقيق، هي:
أن الله سبحانه وتعالى مستحقٌ لكل كمال، منزهٌ عن كل نقص، في التفصيل والإجمال، أؤمن بكل ما سمّى به نفسه، أو سماه به نبيه، وأقر كل ذلك على ما ورد، معتقد أنه كذلك بحسب ما أراده.
ولا أتصرف في شيء من أسمائه المتشابهة لجهلي عن الأسرار، فربما يكون لذلك المقام خواص لا يصح إطلاق ذلك إِلَّا معها.
وأن كلمته العليا، وأن حجته البالغة، وأن عباده محجوجون له، مستحقون الجزاء على ذنوبهم، وأنه سبحانه لا يظلم أحدًا.
وأعتقد أن كل مسلم، اعتقد في الله سبحانه وتعالى، وعقيدته أدّاه إليها اجتهاده، وظن أنها الحق، وقصد بها الحق، ولم تكن كفرًا، فهو من رحمة الله قريبٌ وإن أخطأ، واقفٌ عما إذا استلزمت كفرًا، وأنا إلى السلامة أقرب.
وأعتقد أن الملائكة والأنبياء معصومون، ولا أُفضِّلُ، وأن أهل البيت والصحابة مكرمون، ولا أُقدِّمُ ولا أُؤخِّرُ.
أُصوِّبُ عليًّا، وأعتقد أن أهل الجمل أرادوا الخير فأخطئوا، ولم تكن الحرب عن رضا مِنْ عليٍّ ولا أم المؤمنن ومن معها، وإنّما أثارها سفهًا: الخائنون.
وأُخطِّيءُ أهل صفين، وأعتقد أنهم بغوا أو طغوا واعتدوا، ولا أدري أخفِي عليهم الحق، أم تعمّدوا منابذتهم، فالله حسيبهم.
هذا ما يوصي به العبد المسرف على نفسه، المضيع لخمسه، المنيب إلى ربه، المستغفر لذنبه: عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلمي.
أشهد ألّا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ونبيه بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله وعليه وسلم وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين لهم بإحسان، وبعد:
فأؤمن بالله، كما جاء عن الله وعن رسوله، وكما يحبّ ربنا ويرضى، وأؤمن بالقضاء والقدر، خيره وشره، من الله تعالى، كما جاء عن الله وعن رسل الله، وكما يحب ربنا ويرضى، وحسبي الله وكيلًا، وكفى به شهيدًا، إنّه كان لطيفًا خبيرًا.
اللهم إنك تعلم عقيدتي، وتعلم سرِّي وعلانيتي، فما وافق رضاك ففضلًا منك تقبّلْهُ مِنِّي، وما أخطأت فيه أو اشتبه عليّ ففضلًا منك تجاوزه عنِّي، برحمتك يا أرحم الراحمين.
فعلتُ سوءًا وظلمتُ نفسي، فاغفر لي، إنّه لا يغفر الذنوب إِلَّا الله، سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا. اهـ
ثم شرع الشيخ في بيان ما أوصى به إلى أهله مِنْ بعْدِه.