الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك نادرًا، ولم يتفق إلا حيث يكون الذي بينه وبين أبيه ثقة لاشك فيه كأخيه عثمان ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة، والله الموفق". اهـ.
[790] هشام بن عمار بن نُصْير -بنون مصغر- السلمي أبو الوليد الدمشقي:
"الفوائد"(ص 219، 274، 449): "ثقة، ولكنه صار في آخر عمره يُلقّنُ فيتلقّنُ".
وفي تعليقه على كتاب: "موضح أوهام الجمع والتفريق"(1/ 46) استدل بقصة -وسيأتي ما فيها- على أن هشاما دلّس تدليس التسوية، وقال: "وذكروا في ترجمة هشام قضية التلقن، وذكروا مع ذلك أنه كان متيقظًا وأنه كان يلقن ما كان من حديثه، وكان يقول: أنا قد خرجت هذه الأحاديث صحاحًا وقال الله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} فحاصله أنه كانت تذكر له بعض الأحاديث التي قد حدث بها، فتذكر له بتغيير ما عما حدّث به أولًا. وتيقظه وإتقانه يأبى أن يقر على تغيير لا يستجيزه هو. فلعلّ عامة ما كان يلقنه فيتلقن إنما هو بالتسوية؛ كان يكون عنده حديث عن ثقة عن ضعيف عن ثقة، فيلقنه بالعنعنة عن الثقة عن الثقة بإسقاط الضعيف (1).
ولو أن بعض الحفاظ تتبع أحاديثه، وكيف حدث بها أولًا، ثم كيف حدّث بها أخيرًا لانكشف حال غالب ما انتقد عليه والله أعلم". اهـ.
وفيما يتعلق باستدلال المعلمي على تدليس هشام تدليس التسوية، قال أبو بكر الخطيب في "الموضح" (1/ 45): أخبرني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارا حدثنا خلف بن محمد حدثنا صالح بن محمد -يعني البغدادي- قال: حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن عيسى ابن القاسم عن ابن أبي ذئب عن الزهري حديث مقتل عثمان بن عفان.
(1) سيأتي ما في هذا إن شاء الله تعالى.
قال: فجهدت به الجهد أن يقول: "حدثنا ابن أبي ذئب"، فأبى أن يقول إلا:"عن ابن أبي ذئب".
قال صالح بن محمد: فقال لي محمود ابن ابنة محمد بن عيسى: هو في كتاب جدّي عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله: عن ابن أبي ذئب.
قال صالح: وإسماعيل بن يحيى هذا يضع الحديث.
فعلّق الشيخ المعلمي على عبارة: "فجهدت به الجهد" فقال:
"في ترجمة ابن سميع من "تهذيب التهذيب": "جزم ابن حبان بأنه دلّس حديث ابن أبي ذئب. وفيه نظر، والظاهر أنه دُلِّس عليه تدليس التسوية (1) كما تقدم في خبر صالح".
أقول: كأن ابن حبان حمل كلمة: "قال: فجهدت به" على معنى: قال هشام: فجهدت بابن سميع. وابن حجر يحملها على معنى: قال صالح: فجهدت بهشام.
والأول هو المتبادر؛ لأن المعروف أن الراوي إنما يُوقفُ ويُكرّرُ عليه ليقول: حدثنا ابن أبي ذئب، إذا كان هو الراوي عن ابن أبي ذئب، فيوقف ليصرح بالسماع من ابن أبي ذئب، أو يبين أنه لم يسمعه منه وأن بينهما واسطة.
وعلى فرض أن صالحا قال لهشام: ألا تقول: حدثنا ابن سميع قال حدثنا ابن أبي ذئب؟ كفى هشامًا أن يقول: لم أسمع ابن سميع يقول حدثنا ابن أبي ذئب، أو ما في معناه؛ فلا يكون هناك محل لأن يجهد به صالح كل الجهد.
لكن يشهد للثاني أن هشامًا لم يُعْرفْ بإيقاف شيوخه في مثل هذا، وإنما عُرف بذلك صالح، وأن الآجري روى عن أبي داود: قال لي عيسى بن شاذان: قلت لهشام ابن عمار: محمد بن عيسى قال لكم: حدثنا ابن أبي ذئب؟ قال: إيش سؤالك عن هذا؟ قال أبو داود: محمد بن عيسى ليس به بأس ..
(1) انتظر التعليق الآتي.
فيظهر من هذا أن هشامًا كان يحيد عن بيان صيغة شيخه في الرواية ففي هذا جهد به صالح، ويؤكد هذا أن كلمة:"عن" في نحو: "عن ابن أبي ذئب" لا تكون من لفظ الراوي عن ابن أبي ذئب (1)؛ لأن الغالب أنه لا يبتدىء بقوله: "عن ابن أبي ذئب" وإنما يقول: حدثنا ابن أبي ذئب أو قال ابن أبي ذئب أو بلغني عن ابن أبي ذئب أو أخبرني فلان عن ابن أبي ذئب؛ فيقول من بعده: حدثنا فلان عن ابن أبي ذئب. فيكون مدلسًا التسوية فيما إذا كان شيخه إنما قال: بلغني عن ابن أبي ذئب، أو: أخبرني فلان عن ابن أبي ذئب.
وقول أبي داود عقب الحكاية (2): محمد بن عيسى ليس به بأس، تشعر بتبرئة محمد ابن سميع عن تدليس مثل هذا، فيتعين الحمل على هشام أنه دلس التسوية (3). هذا
(1) انظر المباحث المتعلقة بالتدليس والإرسال من قسم القواعد من هذا الكتاب، وفيه الجواب عن هذا، وأنه ليس مطردًا، بل في كلام أهل العلم وتصرفاتهم ما يدل على خلاف ذلك، والله الموفق.
(2)
انتظر التعليق الآتي.
(3)
أقول وبالله التوفيق: هشام بن عمار لم يذكره أحد بتدليس أصلًا، فضلًا عن تدليس التسوية، والذي استظهره الحافظ ابن حجر لا يساعده عليه كلام أهل العلم في هذا الخبر، بل كل من تكلم في هذا الخبر -خبر مقتل عثمان- إنما حمل على ابن سميع في تدليسه عن ابن أبي ذئب، وإليك البيان:
1 -
قال ابن عدي في ترجمة ابن سميع من "الكامل"(6/ 2250): "ولابن سميع أحاديث حسان عن عبيد الله -يعني: ابن عمر-، وعن روح بن القاسم وجماعة من الثقات وهو حسن الحديث، والذي أُنكر عليه حديث مقتل عثمان أنه لم يسمعه من ابن أبي ذئب". اهـ.
2 -
وقال الحاكم أبو أحمد: "مستقيم الحديث، إلا أنه روى عن ابن أبي ذئب حديثًا منكرًا، وهو حديث مقتل عثمان، ويقال: كان في كتابه: عن إسماعيل بن يحيى التيمي عن ابن أبي ذئب، فأسقطه، وإسماعيل ذاهب الحديث". اهـ. "تهذيب الكمال"(26/ 257).
3 -
وقال ابن حبان في "الثقات"(9/ 43): "هو مستقيم الحديث إذا بَيَّنَ السماع في خبره، فأما خبره الذي روى عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب في مقتل عثمان فلم يسمعه من ابن أبي ذئب، سمعه من إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله عن ابن أبي ذئب فَدَلَّسَ عنه، وإسماعيل ضعيف واهٍ". اهـ.
4 -
وقال أبو حفص بن شاهين: "محمد بن عيسى بن سميع شيخٌ من أهل الشام ثقة، وإسماعيل ابن يحيى بن عبيد الله الذي أسقطه ضعيف". اهـ. "تهذيب الكمال"(26/ 257). =
. . . . . . . . . . . . . . . .
= قول: فلم ينفرد ابن حبان بالجزم بتدليس ابن سميع لهذا الخبر، بل صرح بذلك -كما رأيت- ابن عدي وأبو أحمد الحاكم وابن شاهين، وقد ذكر البخاري في تاريخيه المطبوعين ما قيل من عدم سماع ابن سميع لهذا الخبر من ابن أبي ذئب، وذلك في ترجمة ابن سميع، وفي هذا إشارة من البخاري رحمه الله إلى أن التبعة فيه عليه، ولم يذكر أحد هشامًا بشيء في هذا الخبر.
ومما يؤيد هذا المعنى أن هشامًا قد تُوبع في روايته عن ابن سميع عن ابن أبي ذئب، روى ذلك ابن عدى في "الكامل" فقال: حدثنا أبو العلاء الكوفي ومحمد بن العباس قالا: ثنا هشام ابن عمار، وثنا الفضل بن عبد الله بن مخلد ثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال قالا: ثنا محمد بن عيسى بن سميع أبو سفيان القرشي، عن ابن أبي ذئب عن الزهري .. الحديث
فقد تابع هشامًا على ذكر العنعنة بين ابن سميع وابن أبي ذئب: هارون بن محمد هذا، وهو صدوق لا بأس به.
وممن جزم بهذا أيضًا: الذهبي، فقال في ترجمة ابن سميع من "ميزان الاعتدال":"قد أُنْكِرَ عليه حديث مقتل عثمان، وهو في كتابه عن إسماعيل بن يحيي بن عبيد الله -أحد الضعفاء- عن ابن أبي ذئب، فرواه على سبيل التدليس عن ابن أبي ذئب، وأسقط إسماعيل". اهـ.
بل ساق الذهبي في ترجمة ابن سميع من "تاريخ الإسلام" رواية صالح جزرة عن هشام بن عمار قال: جهدت به أن يقول: ثنا ابن أبي ذئب، فأبى إلا أن يقول: عن ابن أبي ذئب.
وهذا صريح من إيراد الذهبي للحكاية أنه فَهِمَ أن قائل: "جهدت به الجهد" إنما هو هشام بن عمار، لا صالح جزرة.
وفَهْمُ الحافظ ابن حجر خلاف ذلك -وعليه بَنَى المعلمي- ليس عليه مستند ولا له سلف من أقوال أهل العلم. وإيرادُه في تهذيبه قول أبي داود في ابن سميع "لا بأس به" عقب سؤال عيسى بن شاذان لهشام بن عمار -واستأنس بذلك المعلمي وبنى عليه استشعاره بتبرئة أبي داود لابن سميع- مخالفٌ لسياق أصل تهذيبه وهو "تهذيب الكمال" للمزي، ولسياق أصل النقل وهو سؤالات الآجري لأبي داود، وهاك البيان:
- قال الآجري "سؤالاته" المطبوع (2 / رقم 1592): سألت أبا داود عن محمد بن عيسى بن سميع، فقال: ليس به بأس، إلا أنه كان يتهم بالقدر.
- قال أبو داود: سمعت هشام بن عمار نا محمد بن عيسى الثقة المأمون.
- قال أبو داود: قال لي عيسى بن شاذان: قلت لهشام بن عمار: حديث ابن أبي ذئب قال لكم فيه ابن سميع: نا ابن أبي ذئب قال: أيش سؤالك عن هذا؟. اهـ.
وبمثل هذا السياق في "تهذيب الكمال" المطبوع (26/ 255 - 256). =