الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[328] سليمان بن موسى القرشي الأموي الدمشقي الأشدق فقيه أهل الشام في زمانه:
تعرّض الشيخ المعلمي في رسالته "عمارة القبور"(ص 195)، إلى حديث جابر رضي الله عنه في النهي عن تقصيص القبور، والبناء عليها، وقد رواه عن جابر اثنان: أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وسليمان بن موسى الأموي الأشدق، فاحتاج المعلمي إلى التعرض لحالهما في الرواية، فتكلم على رواية أبي الزبير، ثم قال:
"تحقيق حال سليمان بن موسى:
قال البخاري: "عنده مناكير"(1)، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وقال أبو حاتم:"محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب"(2).
(1)"تاريخه الكبير"(4 / ت 1888)، ومثله في "ضعفاء العقيلي" عنه (2/ 140)، و"الكامل" (3/ 1113). وقال في "تاريخه الأوسط" (1/ 448):"عنده أحاديث عجائب". وهذا نحو ما سبق عنه.
لكن روى الترمذي عنه في "العلل الكبير"(2/ 666) أنه قال: "منكر الحديث، أنا لا أروي عنه شيئًا، روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير".
كذا نقل الترمذي، وما في التاريخين:"الكبير" و"الأوسط"، وكتاب العقيلي وابن عدي أَوْلَى كما يعرف بالاستقراى وسترى شيئًا من النظر في بعض نقولات الترمذي عن البخاري في القسم الخاص بالأئمة والمصنفن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
(2)
قول النسائي في "الضعفاء والمتروكون" له (ت 252)، وقال في موضع آخر: في حديثه شيء "تهذيب الكمال"(12/ 97).
وقول أبي حاتم في "الجرح"(4 / ت 165) وتمام قوله: ولا أعلم أحدًا من أصحاب مكحول أفقه منه ولا أثبت منه.
أقول: وفي "تهذيب التهذيب"(4/ 227): "ذكر العقيلي عن ابن المديني: كان من كبار أصحاب مكحول، وكان خولط قبل موته بيسير، وذكره ابن المديني في الطبقة الثالثة من أصحاب نافع". اهـ
والذي في "ضعفاء العقيلي"(2/ 140): حدثني أحمد بن محمود الهروي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن مسعر، قال: سمعت علي بن المديني يقول: سليمان بن موسى مطعون عليه. اهـ.
وذكره أبو زرعة الرازي في "أسامي الضعفاء"(2/ 622).
أقول: أما عبارة البخاري ففي "فتح المغيث"(ص 162):
قال ابن دقيق العيد في شرح "الإلمام": "قولهم: روى مناكير، لا يقتضي بمجرده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث؛ لأن منكر الحديث وصفٌ في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة، كيف! وقد قال أحمد بن حنبل في محمد ابن إبراهيم التيمي: "يروي أحاديث منكرة" وهو ممن اتفق عليه الشيخان، وإليه المرجع في حديث الأعمال بالنيات".
[أقول: وقولهم: "عنده مناكير" ليس نصًّا في أن النكارة منه؛ فقد تكون من بعض الرواة عنه، أو بعض مشايخه.
قال في "فتح المغيث"(ص 162):
"قلت: وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء، قال الحاكم: قلت للدارقطني: فسليمان بن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة. قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء، أما هو فثقة".
وقد علمت الفرق بين قول البخاري: "عنده مناكير"، وقوله:"منكر الحديث"، مع قوله:"كل من قلت فيه: منكر الحديث، لا يحتج به". وفي لفظ: "لا تحل الرواية عنه"] (1).
وقد سرد في "الميزان" ما له من الغرائب، وهي يسيرف وبيّن أنه توبع في بعضها، ثم قال:"كان سليمان فقيه الشام في وقته قبل الأوزاعي، وهذه الغرائب التي تستنكر له يجوز أن يكون حفظها".
(1) جاء في النسخة المطبوعة باسم: "البناء على القبور"(ص 87 - 88) بدل ما بين الحاجزين ما نصُّه: "وإنما يجرح بالمناكير إذا كان الرواة عن الرجل ثقات أثباتًا، يبعد نسبة الغلط إليهم، وكذا مشايخه، ومن قبلهم، ثم أكثر ذلك في روايته ولم يكن له من الجلالة والإمامة ما يقوي تفرده.
وهم قد يطلقون هذه الكلمة إذا كانت تلك الأفراد مما رويت عنه وإن لم يتحقق أن النكارة من قِبَلهِ، ويطلقونها إذا كان عنده ثلاثة أحاديث فأكثر، انظر كتب المصطلح".
قلت: وبعض الغرائب من رواية ابن جريج عنه بالعنعنة، وابن جريج يدلس، فربما كانت النكارة من قبل شيخ لابن جريج دلس له (1) عن سليمان. وعلى نحو ذلك تُحمل كلمة أبي حاتم، مع أن قوله:"بعض الاضطراب"، يُشعر بقلته جدًّا، وقد قرنها بقوله:"محله الصدق".
أما كلمة النسائي فتوهين خفيف غير مفسّر، وأبو حاتم والنسائي من المتعنتن في الرجال.
الموثقون له:
سعيد بن عبد العزيز: لو قيل لي: من أفضل الناس؟ لأخذت بيد سليمان بن موسى.
ابن عديّ: تفرد بأحاديث وهو عندي ثبت صدوق (2).
يحيى بن معين: سليمان بن موسى عن الزهري ثقة (3).
دحيم: كان مقدّمًا على أصحاب مكحول (4).
وفي كلمة يحيى إيهامٌ أنه في غير الزهري يخطىء، فلعله لتلك الغرائب، وقد مرّ الجواب عنها، والحاصل: أن توثيقه راجح، فهو المعتمد.
ومع هذا كله فليس حديث الباب من أفراده، ولكن أردنا تحقيق حال الرجل من حيث هو.
(1) كذا ولعل الصواب: دَلَّسه.
(2)
تمام قوله: سليمان بن موسى فقيه راوٍ، حدث عنه الثقات من الناس، وهو أحد علماء أهل الشام وقد روى أحاديث ينفرد بها يرويها، لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت صدوق. "الكامل"(3/ 1119).
(3)
عن "تهذيب التهذيب"(4/ 226) وهو مختصر عما في أصله: ففي "تهذيب الكمال"(12/ 96): "قال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: سليمان بن موسى ما حاله في الزهري؟ فقال: ثقة" اهـ.
وقد قال الحافظ في "تهذيبه" أيضًا: "وقال يحيى بن معين ليحيى بن أكثم: سليمان بن موسى ثقة، وحديثه صحيح عندنا" اهـ وهذا توثيق مطلق، في الزهري وغيره.
(4)
ونقل الدارمي عن دحيم توثيقه، وقال غيره عنه: أوثق أصحاب مكحول: سليمان بن موسى. "تهذيب الكمال".
[البحث في سماعه من جابر](1):
في "تهذيب التهذيب" في ترجمته: "أرسل عن جابر .. وقال أبن معين: سليمان بن موسى عن مالك بن يخامر مرسل، وعن جابر مرسل"(2)، [ولم يذكر ما يخالف ذلك](3).
لكن رأيت في مسند الإمام أحمد (ج 3 ص 125): ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج قال سليمان بن موسى: أنا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: أفسحوا".
ثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال: أخبرني جابر: ["أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة .. "].
فقول سليمان في [السند] الأول: "أخبرنا جابر" صريح في سماعه من جابر، لكن فيه ابن جريج (4).
(1) العنوان من النسخة "س" وهي المطبوع عنها باسم: "البناء على القبور".
(2)
تَتِمَّةٌ: وقال الترمذي عن البخاري: سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "العلل الكبير"(1/ 313).
وقال الأحوص بن المفضل بن غسَّان عن أبيه: قال أبو مسهر: لم يدرك سليمان بن موسى كثير بن مرَّة، ولا عبد الرحمن بن غنم.
قال أبي: ولم يلق سليمان بن موسى أبا سيارة، والحديث مرسل، وأبو سيارة مدني "تهذيب الكمال"(12/ 96).
وقال ابن حبان في "المشاهير"(ص 179): قد قيل إنه سمع جابرًا وليس ذاك بشيء، تلك كلها أخبار مدلَّسة".
أقول: لم أقف على من قال إنه سمع منه، فلعلَّ ابن حبان وقف على بعض الأسانيد التي فيها سماع، فرآها خطأ، والله أعلم.
وانتظر ما يأتي ففيه زيادة بيان.
(3)
من النسخة "س".
(4)
يعني قوله: قال سليمان بن موسى، ولم يصرح بالسماع.
وأما السند الثاني فسالمٌ من التدليس، ومحمد بن بكر وابن جريج على شرط الشيخين.
ويبعد كل البعد أن يكون هنا سهو من النساخ في السندين المتتابعين معًا (1).
وقد ثبت أن سليمان ثقة، وهو أعلم بنفسه (2) من ابن معين وغيره، مع أننا لا نعلم مستند ابن معين، وقد أدرك من حياة جابر مدّة (3).
وقد قال الحافظ في "إتحاف المهرة"(4): "سليمان بن موسى الأسدي "الأموي" عن جابر، ولم يدركه، أورد له حديثه هذا الذي في "المسند" ولم يتعرض لصيغة روايته عن جابر (5)، وليس عندنا نسخة خطية من "مسند أحمد" نراجعها، فمن وجد فليراجع.
(1) انتظر.
(2)
لم يثبت عنه خلاف ما قاله ابن معين، وانتظر.
(3)
في "البناء على القبور": "مدة طويلة" وأظن للمعلمي قد حذف كلمة، "طويلة" بعد إعادة النظر، والله أعلم. هذا وقد توفي سليمان سنة (119)، وبالنظر في وفيات من قيل إنه أرسل عنهم نجدهم بين (70)، (83). وهُم: مالك بن يخامر السكسكي، وكثير بن مرَّة وعبد الرحمن بن غَنْم.
وبين وفاة سليمان وأقل سن وفاة لهؤلاء: (49) سنة.
وبالنظر في وفيات شيوخه الذين صحبهم وسمع منهم: الزهري (123)، ومكحول (113)، ونافع مولى ابن عمر (117) وقيل:(120)، وعمرو بن شعيب (118)، وطاوس بن كيسان (106).
فالذي يظهر أنه مات وعمره خمسون عامًا أو جاوزها بقليل، فلم يدرك هؤلاء الصحابة أو كان صغيرًا جدًّا حين ماتوا، وكانت وفاته قريبة من سنة وفاة شيوخه بل مات قبل موت بعضهم، والله تعالى الموفق.
(4)
انظر: "أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل" للحافظ ابن حجر (2/ 22).
(5)
مقتضى صنيع الحافظ أن يكون وقع له الإسنادان وليس فيهما التصريح بالإخبار، هذا هو الظن به لأنه قال: عن جابر ولم يدركه، فإن كان في الإسنادين أو أحدهما تصريح بالإخبار، ورآه حجة، لما جزم بعدم الإدراك، أو رآه خطئًا، لكان الظاهر أن يُنَبِّهَ عليه والله تعالى أعلم.
ثم إن هاهنا أمرًا مهمًا، وهو أن رواية محمد بن بكر وهو البُرساني فيها مخالفة لرواية عبد الرزاق، فقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى - ليس فيه تصريح ابن جريج بالسماع من سليمان. وروى البُرساني عن ابن جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى.
وبالنظر في الراجح المحفوظ من الروايتين، يُحتاج إلى المقارنة بين عبد الرزاق والبُرساني في ابن جريج خاصَّة، فإذا في تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 457):"قال أبو زرعة: قيل لأحمد بن حنبل: مَنْ أثبت في ابن جريج: عبد الرزاق أو محمد بن بكر البُرساني؟ قال: عبد الرزاق". اهـ. =
وقال المزي في "الأطراف" في الكلام على حديث ابن جريج الذي قال فيه: عن سليمان بن موسى وأبي الزبير عن جابر.
قال المزي: سليمان لم يسمع من جابر، فلعل ابن جريج رواه عن سليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).
أقول: يردُّه ابن جريج، عن سليمان وحده، كما عند أبي داود، وقد ذكره المزي -أيضًا- والله أعلم (2).
= فهذا مما يجعل رواية عبد الرزاق هي المقدَّمة، ورواية البُرساني غير محفوظة، وصار الإسناد إلى سليمان بن موسى لا يصح بسبب تدليس ابن جريج، وعليه فما ورد فيه تصريح سليمان بقوله: أخبرني جابر، غير محفوظ، فلا يعتد به.
فائدة:
اعلم أن صيغ الأداء في الأسانيد مما اعتنى به الأئمة، فكانوا يضعونها تحت النظر والنقد، ولابد أن يصح الطريق لقائل الصيغة أولًا حتى تثبت عنه، ثم لابد أن تتوفر فيه هو شروط قبول الرواية المعتبرة حتى يقبل منه تصريحه بالسماع من شيخية خشية أن يكون قد وهم في ذلك، وهذا من دقائق هذا العلم، ومما يُرجع فيه أولًا وأخيرًا لأئمة النقد.
ولهذا أمثلة معروفة لأهل الفن، من ذلك: أن أصحاب الزهري قد اتفقوا على رواية حديث عنه عن سعيد بن المسيب، لم يصرح الزهري بسماعه فيه من ابن المسيب. وخالفهم أسامة بن زيد الليثي -وهو ضعيف- فرواه عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب. حكى عمرو بن علي الفلاس أن يحيى القطان قد ترك أسامة بسبب ذلك. انظر: "تهذيب التهذيب"(1/ 210).
وانظر الموضع السادس من كلام المعلمي في ترجمة بقية بن الوليد من هذا الكتاب.
(1)
"تحفة الأشراف"(2/ 186 - 187) وتمام قول المزي: "سليمان لم يسمع من جابر، فلعلَّ ابن جريج رواه عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وعن أبي الزبير عن جابر مرسلًا". اهـ.
يعني أن ابن جريج لما جمع شيخيه، حمل إسناد أحدهما -وهو مرسل- على الآخر -وهو موصول- وهذا من أسباب التعليل عند الأئمة، وسزى زيادة في هذا عند الكلام على "الحديث المعلل" من القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب.
(2)
بل رواية أبي داود كغيره: عن سليمان وأبي الزبير، وهي في السنن - كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر، الحديث الثاني في الباب، رقم (3218) وهي التي اقتصر عليها المزي في "التحفة"(2/ 186 - رقم (2273).