الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحاصله أن الظاهر المتبادر من هذه الكلمة الجرح، فلا يعدل عنه إلا بحجة .. وأبو العطوف لم يوثقه ابن معين ولا غيره، بل أوسعوه جرحًا، وحديثه غير قليل، فقد ذكر له الأستاذ -الكوثري- خمسة، وفي "لسان الميزان" ثلاثة أخرى، لو لم يكن له غيرها لما كانت من القلة بحيث يصح أن يقال: إنها ليست بشيء، ولولا أنهم تركوه ولم يكتبوا حديثه لوجدنا له غير ما ذكر، ولعله لولا أن جامعي "المسانيد السبعة عشر"(1) علموا أن أبا العطوف تالف، لوجدنا له في تلك المسانيد عشرات الأحاديث، فمن الواضح أن قول ابن معين في أبي العطوف "ليس بشيء" إنما محملها الجرح الشديد". اهـ.
وأما ذِكْرُ أحمد له بالغفلة فقط، فقد قال المعلمي في ترجمته أيضًا:"أحمد إمام ورع، إذا كفاه غيره الكلام في رجل، ورأى الناس قد تركوا حديثه لم يستحسن أن يشيع الكلام فيه".
وأما دعوى أن هذه الغفلة طرأت عليه فقال الشيخ هناك أيضًا: "لم يذكر أحد أن أبا العطوف طرأت عليه الغفلة؛ بل قدحوا على الاطلاق، ولو كان إنما بليته الغفلة وكانت طرأت عليه .. لما طعنوا فيه، بل كانوا يعدونه في جملة المختلطين الذين يوثقهم أهل العلم ويحتجون بما سُمع منهم قبل الاختلاط .. ولم يُشر أحمد إلى أن الغفلة طرأت، بل قضية كلامه أن الرجل لم يزل كذلك". اهـ.
[148] جرير بن عبد الحميد بن قُرْط الضّبِّيّ الكوفي نزيل الرّيّ وقاضيها:
"التنكيل"(63): قال الكوثري: "مضطرب الحديث .. وكان سيء الحفظ انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع".
(1) المؤلفة في أحاديث أبي حنيفة.
فقال الشيخ المعلمي:
أقول: أما قوله "مضطرب الحديث" فكلمة لم يقلها أحد قبل الأستاذ، وليس هو ممن يقبل منه مثل هذا، غاية الأمر أن تُعدّ دعوى، فما البينة؟ ليس بيده إلا قصة طلاق الأخرس وعليه في ذلك أمرن:
الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكوني وليس بثقة، قال البخاري:"فيه نظر" وهذه من أشد كلمات الجرح في اصطلاح البخاري كما مر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الحُنيْني، وقال أبو حاتم:"متروك الحديث" والكلام فيه كثير.
وفي القصة ما ينكر؛ فإن الشاذكوني قال: "قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان لي مُكْرِمًا، فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا ثم، فرأوا موضعي منه، فقال بعضهم: إن هذا بعثه ابن القطان وعبد الرحمن ليفسد حديثك .. " وابن القطان وعبد الرحمن هما إمامًا عصرهما: يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن الممتنع أن يكذب يحيى بن معين ورفقته عليهما هذا الكذب الفاحش.
الأمر الثاني: أن القصة لا تفيد اضطرابًا وإنما تفيد تدليسًا، زعم الشاذكوني أن جريرًا ذكر أولًا عن مغيرة عن إبراهيم في طلاق الأخرس، ثم ذكره ثانيًا عن سفيان عن مغيرة، ثم ثالثًا عن ابن المبارك عن سفيان، ثم قال:"حدثنيه رجل خراساني عن ابن المبارك" فلو صحت القصة لما كان فيها إلا التدليس، بإسقاط ثلاثة، ثم بإسقاط اثنين، ثم بإسقاط واحد، ثم ذكره على وجهه، ولهذا قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب":"إن صحت حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس" ولم يذكره في طبقات المدلسين لأن القصة لم تصح وقد ذكر أبو خيثمة جريرًا فقال: "لم يكن يدلس".
وقول الأستاذ: "كان سيء الحفظ" لم يقلها أحد قبله أيضًا، وإنما المعروف أن جريرًا كان لا يحدث من حفظه إلا نادرًا، وإنما يحدث من كتبه، ولم ينكروا عليه شيئًا حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة.
فأما ما حكاه العقيلي عن أحمد أنه قال: "لم يكن بالذكي اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهْز فعرفه" وقد ذكر هذا لابن معين فقال: "ألا تراه قد بينها". يعني أن جريرًا بيّن لمن يروي عنه أن حديث أشعث وعاصم أختلط عليه حتى ميز له بهز ذلك، وعلي هذا فلم يحدث عنهما حتى ميز له بهز فكان يحدث عنهما ويبين الحال، وهذا هو محض الصدق والنصيحة والضبط والإتقان، فإنه لا يطلب من المحدث أن لا يشك في شيء، وإنما المطلوب منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه فإن حدث بما لا يتقنه، بين الحال، فإذا فعل ذلك فقد أمنّا من غلطه وحصل بذلك المقصود من الضبط.
فإن قيل: فإنه يؤخذ من كلامهم أنه لم يكن يحفظ وإنما اعتماده على كتبه.
قلت: هذا لا يعطي ما زعمه الأستاذ "أنه كان سيء الحفظ" فإن هذه الكلمة إنما تطلق في صدد الفدح فيمن لا يكون جيد الحفظ ومع ذلك يحدث من حفظه فيخطىء، فأما من لا يحدث من حفظه إلا بما أجاد حفظه كجرير فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ.
وأما قول الأستاذ: "انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع" فهذا تقليد من الأستاذ للشاذكوني فإنه هو الذي حكم على ذلك الخبر بأنه موضوع، والشاذكوني قد عرفت حاله.
فأما الخبر فإنما حدث به جرير عن مغيرة "قوله" كما في "الميزان" عن عثمان بن أبي شيبة، وليس بموضوع ولا ضعيف، سواء أتوبع عليه جرير أم لم يتابع، فإنه لا ينكر لمثل جرير أن ينفرد بحديث مرفوع، فضلًا عن شيء من قول مغيرة ابن مقسم.
وأما الأستاذ -الكوثري- فلم يُبْقِ إلّا كلام الموثقين.
قال الإمام أحمد: "جرير أقلّ سقطًا من شريك، وشريك كان يخطىء". وقال ابن معين نحوه.