الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[774] النضر بن سلمة شاذان أبو محمد المروزي سكن مكة:
"الفوائد"(ص 220): "وضاع".
[775] النضر بن شفي عن النبي صلى الله عليه وسلم
-:
"الفوائد"(ص 470): "حدّه أن يكون من أتباع التابعين وهو مجهول جدًّا (1) والخبر معضل"(2).
[776] النضر بن طاهر أبو الحجاج القيسي البصري:
"الفوائد"(503): "ممن يكذب".
[777] نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي أبو عبد الله المروزي الفارض الأعور نزيل مصر:
"الفوائد"(ص 209): "كثير الغلط".
وفي (ص 467): بنحوه.
وفي (ص 405): "فيه كلام يوجب التوقف عما ينفرد به، .. وقد ذكر ابن أبي حاتم هذا الخبر (3) في "العلل" (2/ 373) وذكر عن أبيه أن نعيمًا لم يتابع على وصله، وغيرُه يرويه عن مروان "بن جناح" (4) مرسلًا لا يذكر الصحابي، ومراسيل الشاميين في هذا الباب ساقطة البتة".
وفي (ص 448): "قال ابن الجوزي: قال ابن عديّ: "يضع" وهذا وهم قبيح من ابن الجوزي، إنما حكى ابن عديّ عن الدولابي عن بعضهم، ولا يُدرى من هو.
(1) قاله ابن القطان، وانظر "اللسان"(6/ 162).
(2)
هو خبر "من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمدًا فقد جهل".
(3)
وهو في فضل معاوية رضي الله عنه، ووقع في "علل الرازي":"نفيع" بدلًا من "نعيم"، وهو خطأ.
(4)
نعيم يروي هذا الحديث عن محمد بن شعيب بن شابور عن مروان بن جناح، لا عن مروان مباشرة.
وردّه ابن عديّ، وحمل على الدولابي، راجع ترجمة نعيم في "تهذيب التهذيب" و"مقدمة الفتح". اهـ.
وترجم له الشيخ في "التنكيل" رقم (258) ترجمة مطوّلة، نقل فيها قول الكوثري في نعيم:"معروف باختلاق مثالب ضد أبي حنيفة، وكلام أهل الجرح فيه واسع الذيل، وذكره غير واحد من كبار علماء أصول الدين في عداد المجسمة بل القائلين باللحم والدم. وقال الأستاذ (ص 107): "له ثلاثة عشر كتابًا في الرد على من يسميهم: الجهمية، ودعا إليها العجلي فأعرض عنها .. ولا شك أنه كان وضاع مثالب كما يقول أبو الفتح الأزدي وأبو بشر الدولابي وغيرهما، وكم أتعب نعيم أهل النقد بمناكيره، ويوجد من روى عنه من الأجلة رغبة في علو السند، ولا يرفع ذلك من شأنه إن لم يضع من شأن الراوي، ومن حاول الدفاع عنه يتسع عليه الخرق".
فقال الشيخ المعلمي جوابًا على هذه الافتراءات:
"نعيم من أخيار الأمة وأعلام الأئمة وشهداء السنة، ما كفى الجهمية الحنفية أن اضطهدوه في حياته إذ حاولوا إكراهه على أن يعزف بخلق القرآن فأبى فخلدوه في السجن مثقلا بالحديد حتى مات، فجُرّ بحديده فأُلقى في حفرة ولم يكفن ولم يصل عليه -صلت عليه الملائكة- حتى تتبعوه بعد موته بالتضليل والتكذيب، على أنه لم يجرؤ منهم على تكذيبه أحد قبل الأستاذ، إلا أن أحدهم وهو الدولابي ركب لذلك مطية الكذب فقال: "وقال غيره .. " (1).
أما عقيدته فعقيدة أئمة السنة المخلدة في كتاب الله سبحانه، وأما الذين كان يسميهم:"الجهمية" فكان أئمة المسلمين في زمانه وقبله وبعده يسمونهم هذا الاسم، وأما إعراض العجلي عن كتبه فلم يعرض عنها مخالفة لنعيم ولا رغبة عن الأخذ عنه وهو ممن وثق نعيمًا كما يأتي، وإنما كان العجلي مستغرقًا في الحديث فلم يحب أن
(1) سيأتي مزيد إيضاح لصنيع الدولابي قريبًا.
يتشاغل بالنظر في أقوال المبتدعة والرد عليها؛ إشفاقًا على نفسه من أن يعلق به بعض أوضارها.
وأما كلام أئمة الجرح والتعديل فيه فهو بين موثقٍ له مطلقا، ومُثنٍ عليه ملينٍ [لما] ينفرد به مما هو مظنة الخطأ، بحجة أنه كان لكثرة ما سمع من الحديث ربما يشبه عليه فيخطىء. وقد روى عنه البخاري في "صحيحه"(1) وروى له بقية
(1) قال أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري"(2/ 779):
1 -
أخرج البخاري في "الصلاة" برواية أبي إسحاق عنه - عن ابن المبارك وهشيم.
قلت: الحديث في باب: فضل استقبال القبلة، رقم (392) قال البخاري: حدثنا نعيم قال: حدثنا ابن المبارك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأمولاهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 592): وقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري: "قال نعيم بن حماد" وفي رواية كريمة والأصيلي: "قال ابن المبارك" بغير ذكر نعيم، وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج" وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولًا في "سنن الدارقطني" وتابعه حماد بن موسى وسعيد بن يعقوب وغيرهما عن ابن المبارك". اهـ. كلام الحافظ.
2 -
قال الباجي: أخرج البخاري في "الأحكام" و"المغازي" عن محمود (وهو ابن غيلان) عن عبد الرزاق عن معمر، وعنه (يعني: عن نعيم) عن ابن المبارك عن معمر.
قلت: حديث "المغازي" رقم (4339) وهذه متابعة قاصرة.
3 -
قال الباجي: وأخرج في "القسامة" عنه عن هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قِرْدةً اجتمع عليها قِرَدَةً قد زنت فرجموها فرجمتها معهم.
قلت: هو رقم (3849) وفيه: حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم .. قال الحافظ في "الفتح"(7/ 196): "في رواية بعضهم: حدثنا نعيم غير منسوب، وهو المروزي نزيل مصر، وقَلَّ أن يخرج له البخاري موصولًا، بل عادته أن يذكر عنه بصيغة التعليق. ووقع في رواية القابسي: "حدثنا أبو نعيم" وصوبه بعضهم، وهو غلط". اهـ. كلام الحافظ هنا.
وقال في "مقدمة الفتح"(ص 470): "لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر".
أقول: فتلك هي المواضع التي لنعيم في "الصحيح" وواضح أن البخاري لم يخرج له شيئًا معتمدًا عليه، بل إما تعليقًا وإما متابعة.
وقد قال المزى ومثله الذهبي: روى عنه البخاري مقرونًا بغيره. فالظاهر أنهما يعنيان ما ذُكر من المتابعة، وإلا فإني لم أر له عنده شيئًا مقرونًا، والله تعالى أعلم.
الستة (1) بواسطة إلا النسائي، لا رغبة في علو السند كما يزعم الأستاذ؛ فقد أدركوا كثيرًا من أقرانه وممن هو أكبر منه، ولكن علمًا بصدقه وأمانته، وأن ما نسب إلى الوهم فيه ليس بكثير في كثرة ما روى.
فأما الدولابي فهو محمد بن أحمد بن حماد له ترجمة في "الميزان" و"اللسان" قال ابن يونس: "من أهل الصنعة حسن التصنيف وكان يضعف". وقال الدارقطني: "تكلموا فيه (لما) تبين من أمره (الأخير) "(2). وذكر ابن عدي قول الدولابي في معبد الجهني الذي روى أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عن الحسن عنه، أنه معبد ابن هوذة الذي ذكره البخاري في "تاريخه".
قال ابن عدي: "هذا الذي قاله غير صحيح، وذلك أن معبد بن هوذة أنصاري فكيف يكون جهنيًا؟ ومعبد الجهني معروف ليس بصحابي، وما حمل الدولابي على ذلك إلا ميله لمذهبه".
وقال ابن عدي أيضًا: "ابن حماد متهم فيما قاله في نعيم بن حماد؛ لصلابته في أهل الرأي".
وفي ترجمة نعيم من: "مقدمة الفتح" بعد الإشارة إلى حكاية الدولابي: "وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبًا عليه لأنه كان شديدًا على أهل الرأي. وهذا هو الصواب" وقال في "التهذيب""حاشى الدولابي أن يُتّهم، وإنما الشأن في شيخه الذي نقل ذلك عنه فإنه مجهول متهم".
(1) لم يذكره ابن منجوية في "رجال مسلم"، ورمز له المزي بـ "مق" يعني مقدمة مسلم، وقال الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص 470):"روى له مسلم في المقدمة موضعًا واحدًا". اهـ.
ولمقدمة مسلم شأن سوى سائر الكتاب، فإطلاق رواية مسلم لنعيم فيه نظر؛ والله تعالى أعلم.
(2)
هكذا جاءت العبارة في "الميزان"(3/ 459)، و"اللسان"(5/ 41 - 42) المطبوعين ومنه ينقل المعلمي، وهو خطأ من الطبع، ففي أصلين خطيين من "اللسان" وهو كذلك في النسخة المطبوعة عن خمس نسخ خطية (6/ 118) منه، ومثله في "سؤالات السهمي" للدارقطني رقم (82)"تكلموا فيه، ما تبين من أمره إلا خير" وهو كذلك في "سير النبلاء"(14/ 309) وغيره وبين العبارتين بون شاسع.
أقول: لا أرى الدولابي يبرأ من عهدة ذاك النقل المريب فإن ابن عدي قال (1) كما في "التهذيب": "قال لنا ابن حماد -يعني الدولابي- نعيم يروي عن ابن المبارك قال النسائي: ضعيف، وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب. قال ابن عدي: وابن حماد متهم .. ". فلا يحتمل أن يكون الدولابي سمع تلك الكلمة ممن يعتد بقوله وإلا لصرح به وصرخ به صراخًا. فإن كان سمعها ممن لا يعتد به فلم يكن له أن يحكيها على هذا الوجه، بل كان عليه أن يُعرض عنها لعدم الاعتداد بقائلها، أو على الأقل أن يصرح باسمه. وإن كان لم يسمعها من أحد وإنما اختلق ذلك فأمره أسوأ، وإن كان كنى بقوله:"غيره" عن نفسه كأنه أراد: "وقلت أنا" فالأمر في هذا أخف، وقد عُرف تعصب الدولابي على نعيم، فلا يقبل قوله فيه بلا حجة مع شذوذه عن أئمة الحديث الذين لا يكاد هو يذكر معهم.
وأما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي فهو نفسه على يدي عدل! وترجمته في "تاريخ بغداد" و"الميزان" و"اللسان" تُبين ذلك، مع أنه إنما نقل كلام الدولابي وإن لم يصرح باسمه، والدليل على ذلك توافق العبارتين، أما عبارة الدولابي فقد مرت، وأما عبارة الأزدي فقال:"قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب".
أما كلام الأئمة فقال الإمام أحمد: "لقد كان من الثقات". وقال العجلي: "ثقة" وقال أبو حاتم مع تشدده: "صدوق"(2) وروى عنه البخاري في "صحيحه"(3) كما مر، وأخرج له بقية الستة (4) إلا النسائي.
(1)"الكامل"(7/ 2482).
(2)
الذي في "الجرح"(8 / ت 2125)، وعنه المزي في "تهذيب الكمال" (29/ 472):"محله الصدق" ومثله في "تهذيب التهذيب"(10/ 460) ومنه ينقل المعلمي.
(3)
سبق التنبيه على طريقة البخاري في إخراجه عن نعيم، وأنه لم يخرج له احتجاجًا، ولكن تعليقًا أو متابعة.
(4)
مسلم إنما أخرج له موضعًا واحدًا في "مقدمة صحيحه" كما سلف.
وصح عن ابن معين من أوجه أنه قال: "ثقة"، وروى عنه، وجاء عنه أنه مع ثنائه عليه لينه في الرواية، وأتم ذلك رواية علي بن حسين بن حبان، وفيها عن ابن معين:"نعيم بن حماد صدوق، ثقة، رجل "صالح" (1)، أنا أعرف الناس به كان رفيقي بالبصرة. إلا أنه كان يتوهم الشىء فيخطىء فيه، وأما هو فكان من أهل الصدق".
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة والسنن، ثم قيل له في قبول حديثه؟ فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة فصار في حد من لا يحتج به"(2).
وهذا يدل أن ما روى عن النسائي أنه قال مرة: "ليس بثقة"(3) إنما أراد بها أنه ليس في حد أن يحتج به، وهب أن النسائي شدد فكلام الأكثر أرجح ولاسيما ابن معين، لكمال معرفته ولكونه رافق نعيمًا وجالسه وسمع منه وخبره حتى قال كما تقدم:"أنا أعرف الناس به".
وقد أورد له ابن عدي أحاديث انتقدت عليه ثم قال: "وعامة ما أنكر عليه هو الذي ذكرته وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيمًا".
وقال ابن حجر في "التهذيب": "أما نعيم فقد ثبتت عدالته وصدقه ولكن في حديثه أوهام معروفة وقد قال فيه الدارقطني (4): إمام في السنة كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: ربما يخالف في بعض حديثه. وقد مضى أن ابن عدي تتبع ما وهم فيه، فهذا فصل القول فيه".
وإنما أوقع نعيمًا فيما وقع فيه من الأوهام أنه سمع فأكثر جدًّا من الثقات ومن الضعفاء، قال أحمد بن ثابت أبو يحيى: "سمعت أحمد ويحيى بن معين يقولان: نعيم
(1) وفي "تاريخ بغداد"(13/ 312)، وعنه المزي في "تهذيب الكمال" (29/ 470) وغيره:"رجل صدق".
(2)
"تهذيب الكمال"(29/ 476).
(3)
"تاريخ بغداد"(13/ 312)، وقال في"الضعفاء والمتروكين" له:"ضعيف"(ت 589).
(4)
"سؤالات الحاكم"(503).
معروف بالطلب، ثم ذمه [يحيى] (1) بأنه يروي عن غير الثقات. وفي "الميزان" عن ابن معين:"نعيم بن حماد .. كتب عن روح بن عبادة خمسين ألف حديث". هذا ما سمعه من رجل واحد ليس هو بأشهر شيوخه فما ظنك بمجموع ما عنده على كثرة شيوخه؟ وقال صالح بن محمد: "كان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها"(2) فلكثرة حديث نعيم عن الثقات وعن الضعفاء واعتماده على حفظه كان ربما اشتبه عليه ما سمعه من بعض الضعفاء بما سمع من بعض الثقات، فيظن أنه سمع الأول بسند الثاني فيرويه كذلك، ولو لم يخطىء وروى كما سمع لتبين أنه إن كان هناك نكارة فالحمل فيها على من فوقه.
وقد تقدم أن ابن عدي تتبع ما انتقد على نعيم (3)، وذكر الذهبي في "الميزان" ثمانية أحاديث وكأنها أشد ما انتقد على نعيم، وما عداها فالأمر فيه قريب، ولا بأس أن أسوقها هنا وأنظر فيها على مقدار فهْمي. وأسأل الله التوفيق.
الحديث الأول: أخرجه الحاكم في "المستدرك"(ج 4 ص 430): " .. نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام".
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين".
(1) زيادة من "الكامل" لابن عديّ (7/ 2482)، ومثله في "تهذيب الكمال"(29/ 469).
(2)
"تاريخ بغداد"(13/ 475) وتمامه: "وسمعت يحيي بن معين سئل عنمع فقال: ليس في الحديث بشيء، ولكنه كان صاحب سنة".
(3)
ذكر ابن عدي لنعيم عشرة أحاديث، ذكر منها الذهبي ستة، وزاد اثنين لم يذكرهما ابن عدي، ولم يذكر أربعة مما ذكرها ابن عدي، فمجموع ما عندهما اثنا عشر حديثًا.
أقول: هذا الحديث أشد ما أنكر على نعيم، أنكره ابن معين (1) ووثق نعيمًا وقال:"شُبِّه له" وقال دحيم: "هذا حديث صفوان بن عمرو، حديث معاوية"(2) يعني أن إسناده مقلوب ولهذا الحديث شواهد مرفوعة وموقوفة في "المستدرك"(ج 1 ص 128) و"سنن الدارمي"(ج 1 ص 65) وغيرهما (3). وقد تابع نعيمًا على روايته عن عيسى ابن يونس جماعة منهم ثلاثة أقوياء (4): سويد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن جعفر
(1) ووثقه وقال: ليس له أصل فقال له محمد بن علي بن حمزة المروزي: كيف يحدث ثقة بباطل؟ فقال: شُبِّهَ له.
وبنحوه ذكره أبو زرعة الدمشقي عن ابن معين.
"تاريخ أبي زرعة الدمشقي"(1/ 622)، ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد"(13/ 307).
(2)
هو ما رواه الحاكم كتاب (العلم) من "المستدرك"(1/ 128) من طريق الحكم بن نافع ثنا صفوان ابن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن أبي عامر عبد الله بن يحيى قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان .. فقال معاوية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كا يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله .. ".
(3)
علق الشيخ الألباني على هذا الموضع فقال: فيما أشار إليه المؤلف رحمه الله نظر، فإن الذي في "المستدرك" عدة أحاديث في تفرق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة، وهي صحيحة كما بيَّنته في غير هذا الموضع، لكن ليس في شيء منها القياس والتحريم والتحليل، وهو بيت القصيد -كما يقال- في حديث نعيم، والذي عند الدارمي أثر عن ابن مسعود، وعن غيره من التابعين في ذم قوم يقيسون الأمر برأيهم. وفي اعتبار مثل هذا -مع وقفه وقصوره عن الشهادة الكاملة- شاهدًا لحديث نعيم المرفوع نظر ظاهر عندي. فليتأمل. اهـ.
أقول: وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
(4)
في إطلاق لفظ "المتابعة" على رواية هؤلاء الثلاثة نظرٌ؛ فإن صنيع غير واحد من الأئمة يدل على أن الحديث إنما يعرف بنعيم بن حماد، وأن من رواه عن عيسى بن يونس -غير نعيم- إنما أخذه من نعيم، وأنه لا أصل له، وهَاك البيان:
أولًا: قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم (دحيم): حدثنا نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس .. بهذا الحديث فَرَدّهُ، وقال: هذا حديث صفوان بن عمرو، حديث معاوية.
ثانيًا: قال أبو زرعة: قلت ليحيي بن معين في حديث نعيم هذا، وسألته عن صحته فأنكره. قلت: من أين يُؤْتى؟ قال: شُبّه له. "تاريخ أبي زرعة"(1/ 622). =
. . . . . . . . . . . . . . . .
= وروى الخطيب بسنده إلى محمد بن على بن حمزة المروزي قال: "سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، قال: ليس له أصل. قلت: فنعيم بن حماد؟ قال: نعيم ثقة قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شُبِّهَ له". "تاريخ بغداد"(13/ 307 - 308).
ثالثًا: قال الخطيب: حدثني محمد بن على الصوري قال: قال لي عبد الغني بن سعيد الحافظ - وذكر حديث عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير .. من حديث نعيم بن حماد، ومن حديث أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه، ومن حديث محمد بن سلام المنبجي، جميعًا عن عيسى - فقال: كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه من نعيم، وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث، إلا أن يحيى بن معين لم يكن ينسبه بلى الكذب، بل كان ينسبه إلى الوهم، فأما حديث ابن وهب فبليته من ابن أخيه، لا منه لأن الله قد رفعه عن ادعاء مثل هذا، ولأن حمزة بن محمد حدثني عن عليك الرازي أنه رأى هذا الحديث ملحقًا بخط طري في قنداق من قنادق ابن وهب لما أخرجه إليه بَحْشَل بن أخي ابن وهب، وأما محمد بن سلام فليس بحجة اهـ "تاريخ بغداد"(13/ 310 - 311).
رابعًا: قال ابن عدي في ترجمة نعيم من "الكامل"(7/ 2483): "وهذا الحديث كان يُعرف بنعيم ابن حماد بهذا الإسناد، حتى رواه: عبد الوهاب بن الضحاك، وسويد الأنباري، وشيخ خراساني يقال له: أبو صالح الخراساني، عن عيسى بن يونس".
وقال ابن عدي في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن وهب (1/ 189): "هذا حديث رواه نعيم بن حماد عن عيسى، والحديث له، وأنكروه عليه وسرقه منه جماعة، منهم: عبد الوهاب بن الضحاك، وسويد بن سعيد، وأبو صالح الخراساني، والحكم بن المبارك، وأنكروه على أبي عبيد الله أيضًا -وهو ابن أخي ابن وهب- عن عمه عن عيسى". اهـ.
قال أبو أنس: قد أبان دُحَيْم علة هذا الحديث، فإذا هو قد انقلب اسنادُه على نعيم بن حماد ودخل له حديث في حديث، فإن الثابت إنما هو الحديث الذي يخبر عن افتراق اليهود والنصارى على إحدى وسبعين فرقض وأن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعن.
أما هذا القَدْر الذي زاده نعيم وهو "أعظمها فرقة: قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام" فإنما تَوَهَّمَهَا نعيم -وكان شديدًا على أهل الرأى والقياس- من حديث صفوان ابن عمرو بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ " .. ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه .. " فَحَمَل نعيم أصحاب تلك الأهواء على أن المقصود بهم: أهل الرأي، فرواه هكذا، فمنهم من اتهمه بذلك، ومنهم من اعتذر له كابن معين وغيره بأنه قد شُبِّهَ له، يعني تَوَهَّمَ أنه سمع الحديث هكذا.
وقد يسمع الإنسانُ الشىءَ بلفظٍ فيقع في نفسه -مما يوافق هواه- معنى غير الذي سمع، فإذا أراد أن يرويه سبق المعنى الذي وقع في نفسه دون الذي سمع، وهذا أحد الأسباب المؤدية إلى دخول الوهم في الرواية. =
الرقي، والحكم بن المبارك.
وسويد من رجال مسلم إلا أنه كان في آخر عمره يقبل التلقين (1) لكن في ترجمته ما يدل أنه كان إذا نبه على خطأه رجع، وقد روجع في هذا الحديث فثبت على أنه سمع من عيسى بن يونس (2).
= وهذا هو تفسير قول دحيم في تعليل رواية نعيم لهذا الحديث، وعبارته تدل على الاعتذار عن نعيم، كما صنع ابن معين.
وقد زاد ابن معين حكمًا عامًا على الحديث بقوله: "ليس له أصل". وعبَّر عنه سائله: محمد ابن على بن حمزة المروزي بأنه "باطل".
ومعنى هذه العبارات عند أهل الفن أن الحديث لا يصح بحال، وليس له إسناد قائم، ومفهومها أن كل اسناد جاء له إنما هو خطأ.
وأحيانًا يطلقون هذه العبارة "ليس له أصل" ويُعنون: مِنْ حديث فلان، وقد يكون الحديث محفوظًا من حديث غيره.
لكنَّ حديثنا إنما يروى من طريق عيسى بن يونس، فإذا قيل:"ليس له أصل" أو "باطل" كان المراد بطلانه من كل وجهٍ عن عيسى.
يوضح ذلك قول الحافظ عبد الغني بن سعيد: "كل مَنْ حدَّث به عن عيسى بن يونس غير نعيم ابن حماد فإنما أخذه من نعيم".
وقد عَبَّر ابن عدي عن هذا الأَخْذِ بالسرقة كما مَرَّ.
فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الحفاظ النقاد، ولم يُؤْثَرْ عن أحدٍ سواهم قولٌ غيره وكان مردُّ مثل هذا إلى حكمهم ونقدهم، فلا يُفرح برواية العدد الكثير -ممن لا تقوم بروايتهم الحجة- لأن تتابع أمثال هؤلاء على مثل هذا مما له نظائر معروفة في كتب الفن، والنقاد لا يغرُّهم كثرة عدد الناقلين، إذا ثبت الخطأ والوهم، ولهم في ذلك تعليلات دقيقة، قد تبيَّنَ منها في حديثنا هذا مثالٌ من قول دحيم، قد شرحناه آنفًا، والله تعالى الموفق.
(1)
راجع ترجمة سويد من هذا الكتاب.
(2)
قال ابن عدي في ترجمة سويد (3/ 1264): سمعت جعفرًا الفريابي يقول: أفادني أبو بكر الأَعْيَن في قطيعة الربيع سنة إحدى وثلاثين -يعني ومائتين- بحضرة أبي زرعة وجمع كبير من رؤساء أصحاب الحديث حين أردت أن أخرج إلى سويد وقال: وَقِّفْهُ وثَبِّتْ منه: هل سمع هذا الحديث من عيسى بن يونس؟ فقدمت على سويد فسألته، فقال: حدثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان .. قال الفريابي: وَقَّفْتُ سويدًا عليه بعد أن حدثني به ودار بيني وبينه كلام كثير. =
والرقي موثق إلا أنه نُسب إلى الاختلاط بأخرة، لكن ذكر ابن حبان أن اختلاطه لم يكن فاحشًا، وراوي هذا الحديث عنه ثقة (1)، وهو الذي أخبر بأنه اختلط، فقد يقال: لو علم أنه اختلط اختلاطًا شديدًا وكان إنما سمع منه هذا الحديث عند اختلاطه، لكان الظاهر أن لا يرويه عنه إلا مقرونًا ببيان أنه إنما سمعه منه بعد الاختلاط (2).
والخواستي وثقه ابن حبان وابن مندة وابن السمعاني (3)، وقال ابن عدي في ترجمة سويد:"يقال إنه لا بأس به" لكنه عدّه عند ذكر هذا الحديث في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن وهب فيمن سرق هذا الحديث من نعيم. وذكر الذهبي في "الميزان" متابعة هؤلاء الثلاثة لنعيم ثم قال: "قلت هؤلاء الأربعة لا يجوز في العادة أن يتفقوا على باطل، فإن كان خطأ، فمن عيسى بن يونس"(4) والله أعلم.
= قال ابن عدي: وهذا إنما يعرف بنعيم بن حماد ورواه عن عيسى بن يونس، فتكلم الناس فيه بجرَّاه. ثم رواه رجل من أهل خراسان يقال له: الحكم بن المبارك يكنى أبا صالح الخواشتي، يقال إنه لا بأس به، ثم سرقه قوم ضعفاء ممن يعرفون بسرقة الحديث منهم: عبد الوهاب بن الضحاك، والنفر بن طاهر، وثالثهم سويد الأنباري. اهـ.
قال أبو أنس: فالظاهر أن سويدًا قد لُقِّنَ هذا الحديث، ثم ثبت عليه بعد ذلك متوهمًا أنه سمعه، ولم يَعْتَدَّ الأئمة بثباته هذا، كما سبق.
(1)
هو هلال بن العلاء الرقي، وانما قال أبو حاتم:"صدوق"، وقال النسائي:"صالح"، وفي موضع آخر:"ليس به بأس، روى أحاديث منكرة عن أبيه، فلا أدري الريب منه أو من أبيه". وذكره ابن حبان في "الثقات".
(2)
هذا شأن المتثبتين من الأئمة، بل كانوا يمتنعون من الأخذ عمن اختلط أصلًا، فضلًا عن أن يرووا عنه مع بيان حاله، لكن ليس هذا مطردًا عند غيرهم.
واحتمال سماع هلال بن العلاء للحديث من عبد الله بن جعفر حال سلامته من الاختلاط من أجل أنه هو الذي أخبر باختلاطه، لا ينهض في دفع حكم النقاد بتفرد نعيم بن حماد بهذا الحديث عن عيسى بن يونس، وإنما غيرُه أخذه منه: إما تدليسًا، وإما سرقة، أو تلقينًا، أو غير ذلك، والله تعالى أعلم.
(3)
راجع ترجمة الخواستى هذا -وهو الحكم بن المبارك- من هذا الكتاب.
(4)
سبق الجواب عن الاعتداد بموافقة هؤلاء لنعيم بن حماد من كلام الأئمة، فارجع إليه.
الحديث الثاني: قال ابن جرير في تفسير سورة: "سبأ": "حدثني زكريا بن أبان المصري قال: ثنا نعيم قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يوحي بالأمر أخذت السموات منه رجفة -أو قال: رعدة- شديدة خوف أمر الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدًّا، فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبرائيل على الملائكة، كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبرائيل؟ فيقول جبرائيل: قال الحق وهو العلي الكبير، قال: فيقولون كلهم مثل ما قال جبرائيل، فينتهي جبرائيل بالوحي حيث أمره الله".
سئل عنه دحيم فقال: لا أصل له (1).
أقول: المتن غير منكر، وله شواهد، ففي "صحيح البخاري" (2) من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"إذا قفضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: [قال] (3) الحق وهو العلي الكبير." هكذا في تفسير سورة "سبأ".
وأخرجه البخاري أيضًا في "التوحيد"(4) وذكر معه: "قال مسروق عن ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئًا فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق". وذكر ابن حجر في
(1)"تاريخ أبي زرعة الدمشقي"(1/ 622).
(2)
"الفتح"(8 / رقم 4800).
(3)
هكذا في "التنكيل" وليس في الموضع المشار إليه من "الفتح" سوى "قال" واحدة وفي "التوحيد" بدونهما.
(4)
"الفتح"(13 / رقم 7481).
"الفتح"(1) طرق حديث ابن مسعود وأنه جاء من عدة أوجه مرفوعًا (2) وفي بعض طرقه: " .. فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، قال ويقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ قال: فيقول الحق، قال: فينادون الحق الحق" وراجع تفسير سورة: "سبأ" من: "تفسير ابن جرير"، وراجع:"الفتح" في تفسير سورة: "سبأ" وفي "التوحيد".
فالنكارة في السند فقط (3)، وقد يقال: نعيم مكثر جدًّا، وكان يتتبع هذا الضرب من الأحاديث، والوليد مكثر جدًّا تفرد بأحاديث كثيرة فيحتمل هذا الحديث لنعيم،
(1)(13/ 464).
(2)
قد اختلف في هذا الحديث وقفًا ورفعًا، وقد رجح الدارقطني الوقف وقال: الموقوف هو المحفوظ. "علله"(5/ 242)، سؤال رقم (852).
(3)
وهذا هو المقصود بقول دحيم في هذا الحديث: "لا أصل له" أيْ أن نعيمًا قد تفرد بهذا السياق سندًا ومتنًا، وهو من منكراته التى تفرد بها. وقد قال أبو داود:"كان عند نعيم بن حماد نحو عشرين حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل".
"تهذيب الكمال"(29/ 475) من رواية الآجري عن أبي داود.
ونعيم يكثر من التحديث من حفظه فيخطىء، وينفرد عن المشاهير بأسانيد ومتون لا يتابع عليها، وقد رُوي أنه حدث يومًا -بحضرة ابن معين- بأحاديث عن ابن المبارك عن ابن عون فقال يحيى: ليس هذا عن ابن المبارك فغضب نعيم، فقال يحيى: والله ما سمعتَ أنت هذا من ابن المبارك قطُّ، ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قطُّ، فغضب نعيم، فدخل البيت فأخرج صحائف، فلم يجد لا حدث به عن ابن المبارك عن ابن عون أصلًا في كتبه، ثم قال: أين الذين يزعمون أن يحيى ين معين ليس أمير المؤمنين في الحديث، نعم يا أبا زكريا غلطتُ، وكانت صحائف، فغلطتُ، فجعلتُ أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون، وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك اهـ. "تهذيب الكمال"(29/ 471)، وقد ذكرها المزي منقطعة فقال:"روى الحافظ أبو نصر اليونارتي بإسناده عن الدوري عن ابن معين".
وقد حَدَّث نعيم عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري بحديث، فقال صالح جزرة الحافظ: ليس لهذا الحديث أصل، ولا يعرف من حديث ابن المبارك، ولا أدري من أين جاء به نعيم، وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها. "تاريخ بغداد"(13/ 312).
فإن كان هناك خطأ فقد مرّ وجهه (1)، والله أعلم.
الحديث الثالث: في "تاريخ بغداد"(ج 13 ص 311) من طريق محمد بن إسماعيل الترمذي: "حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد ابن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبي، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شابًا موفرًا رجلاه في خف عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب".
أقول: في "اللآلىء المصنوعة"(ج 1 ص 16)(2) بعد ذكر حديث نعيم هذا: "ولم ينفرد بهذا الحديث فقد رواه جماعة عن ابن وهب، قال الطبراني (3): حدثنا روح بن الفرج حدثنا يحيى بن بكير ح وحدثنا أحمد بن رشدين حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي وأحمد بن صالح قالوا: حدثنا عبد الله بن وهب -فذكره بسنده ومتنه سواء" ثم ذكر حديث حماد بن سلمة بسنده (4) إلى ابن عباس مرفوعًا: "رأيت ربي في صورة شاب له وفرة" وتصحيح أبي زرعة له (5)، وعدة متابعات وشواهد له. والطبراني
(1) قد سبق وصف الأئمة لنعيم بالصدق، وهو نقيض الكذب وقد اعتذر عنه غير واحد من المعتمدين بانه كان يُشَبَّهُ له، فيخطىء، من غير أن يتعمد، لكن كثر منه التفرد بأشياء لا أصل لها، لسوء حفظه، ودخول أحاديث الثقات في أحاديث الضعفاء، فصار يأتي عن الثقات بالمنكرات، فالحكم عليه بكثرة الخطأ، لن يجرَّ إلى رميه بنقيض الصدق إن شاء الله تعالى، والله تعالى الموفق.
(2)
(ص 29) من طبعة دار المعرفة.
(3)
في "الكبير"(25/ 143).
(4)
ذكره السيوطي عن الطبراني في كتاب "السنة" من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس به.
(5)
قال السيوطي عقبال قال الطبراني: سمعت أبا بكر بن صدقة يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: "حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في الرؤية صحيح رواه شاذان، وعبد الصمد بن كيسان، وإبراهيم بن أبي سويد، لا ينكره إلا معتزلي" اهـ.
ولم أر عن أبي زرعة في ذلك شيئًا في "علل ابن أبي حاتم"، ولا في سؤالات البرذعي.
والحديث لم أر من صححه، وإنما استنكره غير واحد من الأئمة: =
وروح بن الفرج ويحيى بن بكير من الثقات، وفي يحيى كلام يسير لا يضره، وهو من رجال:"الصحيحين". ويحيى بن سليمان وأحمد بن صالح ثقتان لكن الراوي عنهما أحمد بن رشدين فيه كلام وقد وثقه مسلمة (1).
وفي "تاريخ بغداد"(2) من طريق محمد بن أحمد بن الحداد الفقيه أنه سمع النسائي يقول: "ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله سبحانه؟! " وهذا يشعر بأن النسائي عرف ثبوت الحديث عن ابن وهب بسنده فلم يحمل على نعيم ولا يحيى بن بكير وإنما ترقى إلى مروان بن عثمان، ومروان ضعفه أبو حاتم، وقال ابن حبان في
= 1 - قال أبو بكر الخلال في "العلل": أخبرني محمد بن علي قال: حدثني مهنى قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فحوَّل وجهه عنِّي، قال: هذا حديث منكر، وقال: أيضًا عن عمارة بن عامر. "العلل" لابن الجوزي (1/ 29 - 30).
2 -
قال بكر بن سهل: حدثنا عبد الخالق بن منصور قال: رأيت يحيى بن معين كأنه يُهَجِّنُ نعيم بن حماد في حديث أم الطفيل حديث الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا الحديث. "تاريخ بغداد"(13/ 311).
3 -
قال النسائي: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يُصَدَّق على الله سبحانه. "تاريخ بغداد"(13/ 311).
4 -
قال ابن حبان في "الثقات"(5/ 245): "عمارة بن عامر يروي عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ربي" حديثًا منكرًا، لم يسمع عمارة من أم الطفيل، وإنما ذكرته لكي لا يغتر الناظر فيه فيحتج به".
5 -
قال الذهبي في "السير"(10/ 602): "هذا خبر منكر جدًّا، أحسن النسائي حيث يقول: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يُصَدَّق على الله؟ ".
6 -
قال ابن حجر في "التهذيب"(10/ 95): وهو متن منكر.
- وقد ذكره غيره واحد في كتب الموضوعات والواهيات.
وقد رام الشيخ المعلمي دفع ما فيه من النكارة بقوله في حاشية "الفوائد المجموعة"(ص 448): "حاصله رؤيا المنام، تجيء غالبًا على وجه التمثيل المفتقر إلى التأويل، والله أعلم". اهـ.
أقول: لكن يدفعه استنكار من سبق ذكره من الأئمة، والله تعالى الموفق.
(1)
راجع ترجمته هنا، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين.
(2)
(13/ 311).
ترجمة عمارة بن عامر: "حديثًا منكرًا، لم يسمع عمارة من أم الطفيل" فأعله بالانقطاع. وعلى كل حال فقد ظهرت براءة نعيم من عهدة هذا الحديث (1).
الحديث الرابع: قال الترمذي في أواخر "كتاب الفتن" من "جامعه"(2)"حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منكم بِعُشْر ما أُمر به نجا. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث نعيم بن حماد عن سفيان بن عيينة، قال: وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد".
أقول: حديث أبي ذر في "مسند أحمد"(ج 5 ص 155) و"التاريخ الكبير" للبخاري (ج 1 قسم 2 ص 371)(3).
فكأنه وقع لنعيم حديث أبي ذر أو أبي سعيد بسند، وحديث آخر عن سفيان بن عيينة بسند فاشتبه عليه الحديثان، فظن أنه سمع ذاك المتن بهذا السند. والله أعلم (4).
(1) لم يذكر ابن عديّ هذا الحديث في منكرات نعيم، وذلك لأنه قد توبع فيه عن ابن وهب، وإنما ذكره الذهبي في "الميزان" وغيره، مع أنه قد ذكر في "السير"(10/ 602) أن نعيمًا لم ينفرد به، وأنه قد رواه أحمد بن صالح المصري، وأحمد بن عيسى التستري وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب جميعًا عن ابن وهب. وإنما ذكره الذهبي من جهة رواية نعيم له مع نكارته، كما رُوي عن ابن معين قوله: ما كان لنعيم أن يحدث بهذا الحديث. والله تعالى أعلم.
(2)
حديث رقم (2267).
(3)
صوابه (ص 374).
(4)
قد أورده ابن عدي في منكرات نعيم من "الكامل" ثم قال: قال نعيم: هذا حديث ينكرونه، وإنما كنت مع ابن عيينة فمرَّ بشيء فأنكره، ثم حدثني بهذا الحديث.
قال ابن عدي: وهذا الحديث أيضًا معروف لا أعلم رواه عن ابن عيينة غيره. اهـ.
قال الذهبي في "السير"(10/ 606): "تفرد نعيم بذاك الخبر المنكر. وهو صادق في سماع لفظ الخبر من سفيان، والظاهر والله أعلم أن سفيان قاله من عنده بلا إسناد، وإنما الإسناد قاله لحديث كان يريد أن يرويه، فلما رأى المنكر، تعجب وقال ما قال عقيب ذلك الإسناد، فاعتقد نعيم أن ذاك الإسناد لهذا القول، والله أعلم". اهـ. =
الحديث الخامس والسادس: في "الميزان"(1): "ومنها حديثه عن ابن المبارك وعبدة عن عبيد الله عن نافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية، والمحفوظ أنه موقوف"(2).
وفيه: "نعيم عن الدّراورْدِي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: لا تقل أهريق الماء ولكن قل: أبول. والصواب أنه موقوف"(3).
أقول: إن ثبت رجحان الوقف فيهما فالأمر هيِّنٌ، ومثل هذا الخطأ لم يكد يسلم منه أحد كما ترى في كتب العلل. وقد اغتفر أكثر من ذلك لمن لا يساوي نعيمًا في كثرة الحديث ولا ينصفه.
الحديث السابع والثامن: في "الميزان": "بقية عن ثور عن خالد بن معدان عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا: المتعبد بلا فقه كالحمار في الطاحونة.
وبه قال: تغطية الرأس بالنهار فقه، وبالليل ريبة.
لم يروهما عن بقية سواه".
أقول: بقية بن الوليد بحر لا ساحل له، كان يأخذ عن كل من دبّ ودرج، ويدلس، فالتفرد عنه ليس بالمنكر ولا سيما لمثل نعيم.
= وأورده ابن الجوزي في "الواهيات" وقال: قال النسائي، حديث منكر، رواه نعيم بن حماد، وليس بثقة". اهـ. ذكره المناوي في "فيض القدير" (2/ 556).
وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث نعيم بن حماد هذا، فقال:"هذا عندي خطأ، رواه جرير وموسى بن أعين عن ليث عن معروف عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل".
"العلل"(2/ 429، رقم 2794).
(1)
(4/ 269).
(2)
قال ابن عديّ: لم يرفعه غير نعيم، والحديث موقوف.
(3)
قال أبو الأحوص -الراوي عن نعيم هذا الحديث-: رفع نعيم هذا الحديث، فقلت له: لا ترفعه، فإنما هو من قول أبي هريرة، فأوقفه على أبي هريرة.
قال ابن عديّ: وهذا أيضًا منه منكر مرفوعًا بهذا الإسناد.