الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد يكون أحدهم ممن يخلط عمدًا ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة، ولما بعد عنه خلط، فإذا وجدنا ممن أدركه ابن معين من الرواة من وثقه ابن معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنًا شديدًا، فالظاهر أنه من هذا الضرب، فإنما يزيده توثيق ابن معين وهنًا؛ لدلالته على أنه كان يتعمد. اهـ.
[695] محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي مولاهم أبو يوسف الصنعاني نزيل المصيصة:
"الفوائد"(ص 80): "ليّن جدًّا (1)، كثير الغلط (2)، وذكروا أنه اختلط"(3).
وترجم له الشيخ المعلمي في "التنكيل"(231).
وفيه: "قال الإمام أحمد (4): "لم يكن عندي ثقة، بلغني أنه قيل له: كيف سمعت من معمر؟ قال: سمعت منه باليمن، بعث بها إليّ إنسان من اليمن".
فقال الشيخ المعلمي: "فهذه حجة أحمد، حمل الحكاية علي أن محمد بن كثير لم يسمع من معمر (5)، وإنما بعث إليه إنسان بصحيفة من اليمن فيها أحاديث عن معمر فظن
(1) قاله البخاري "تهذيب الكمال"(26/ 333).
(2)
وصفه بذلك صالح جزرة والنسائي، والساجي، وغيرهم.
(3)
قاله ابن سعد في "طبقاته"(7/ 489) بلفظ: "يذكرون أنه اختلط في آخر عمره" وسيأتي.
ولم أر من ذكر ذلك غير ابن سعد، ولم يسنده ففي ثبوت ذلك نظر، والله تعالى أعلم.
(4)
من رواية ابنه صالح عنه. "الجرح والتعديل"(8 / ت 309).
(5)
لكن قال عبد الله بن أحمد: ذكر أبي محمد بن كثير المصيصي فضعفه جدًّا، وقال: سمع من مَعْمر، ثم بعث إلى اليمن فأخذها فرواها، وضعف حديثه عن مَعْمر جدًّا، وقال: هو منكر الحديث، أو قال: يروي أشياء منكرة. "العلل ومعرفة الرجال"(5109)، وعنه العقيلي:(4/ 128).
فقول أحمد: "سمع من مَعْمر"، صريح في أنه لم يحمل الحكاية على عدم السماع.
وإنما محمل الحكاية عنده -فيما يظهر- على أمرين:
الأول: أنه ليس فيما بلغه عن محمد بن كثير أن ذاك الذي بُعث إليه من اليمن إنما هو كتابه الذي كتبه عن معمر، وإنما فيما بلغه عنه قوله: سمعت من معمر، ولم يقل كتبت عن معمر، فالحكاية فيها سماع فقط، فما ذاك الكتاب؟ =
محمد بن كثير أن ذلك يقوم مقام السماع من معمر، وليس هذا بالبين؛ إذ قد يكون مراده:"سمعت منه باليمن وتركت أصلي باليمن، ثم بعث به إليّ". اهـ.
وقال أبو حاتم: "كان رجلًا صالحًا سكن المصيصة، وأصله من صنعاء اليمن، كان في حديثه بعض الإنكار". وقال أيضًا: "سمعت الحسن بن الربيع يقول: محمد ابن كثير اليوم أوثق الناس، وينبغي لمن يطلب الحديث لله تعالى أن يخرج إليه، كان يُكْتبُ عنه وأبو إسحاق الفزاري حي، وكان يُعرف بالخير مذ كان".
وقال ابن الجنيد عن ابن معين: "كان صدوقًا" وقال عبيد بن محمد الكشوري عن ابن معين: "ثقة".
وقال ابن سعد: "كان ثقة ويذكرون أنه اختلط في أواخر عمره".
وقال ابن حبان في "الثقات": "يخطىء ويغرب" وقال أبو داود: "لم يكن يفهم الحديث".
وقال أبو حاتم: "ودُفع إلى محمد بن كثير كتاب من حديثه عن الأوزاعي، فكان يقول في كل حديث منها: ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي"! وقال الذهبي: "هذا تغفيل يسقط به الراوي"(1).
= الثاني: قول محمد بن كثير فيما بلغ أحمد: بعث بها إليَّ إنسان من اليمن، فَمَنْ هذا الإنسان؟ وما علاقته بذاك الكتاب؟
فمحمد بن كثير على فرض أنه قد سمع من معمر، إلا أنه ليس ثمة دليل على أنه قد كتب عنه، وليس هو ممن وُصف بالحفظ حتى يُعتمد على حفظ ما قد سمع، وروايته عن معمر من كتاب أُرسل إليه لا يُدرى مَنْ مُرْسله، ولا يُدرى سماع مَنْ هو، يُسْقِطُ الثقة به جملةً؛ يؤيد ذلك وقوع المناكير في رواية محمد بن كثير عن معمر، مما يدل على وهن هذا الكتاب، ومما يدل على سقوط الاحتجاج بمحمد في هذا وفي غيره -فإن له مناكير عن غير معمر كالأوزاعي- وصنيعه هذا يُسْفر عن تساهل قادح في روايته وتثبته، والأئمة يغمزون الرواة بأقل من هذا.
إلا أن وصفهم له بالصدق والصلاح يدل على أنه كان لا يتعمد، بل الظاهر أنه كان مغفلا، لا يفهم الحديث -كما قال أبو داود-، وكما تدل عليه الحكاية الآتية عن أبي حاتم، والله تعالى أعلم.
(1)
"الميزان"(4 / ت 8100)، وقال في "السير" (10/ 383):"هذا هو التدميغ، وبكل حال، فيُكتب حديثه، أما الحجة به فلا تنهض". اهـ.
وقال في وفيات سنة (216) من "تاريخ الإسلام": "كان مغفلًا" ثم ساق هذه الحكاية.
فقال الشيخ المعلمي: أما السقوط فلا، وقد انتقدوا عليه أحاديث ذكرها الذهبي في "الميزان":
الأول: روى عن الثوري عن إسماعيل عن قيس عن جرير: أظنه -شك ابن كثير- فذكر حديثًا. قالوا: الصواب بالسند عن قيس عن دكين. وقد شك محمد ابن كثير وبيّن شكّهُ، وليس من شرط الثقة أن لا يشك.
الثاني: حديث في قراءة "يس" رفعه محمد بن كثير وصوبوا أنه مرسل، وهذا خطأ هيّن يحتمل للمكثر.
الثالث: حديث رواه عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا وطىء أحدكم الأذى بخفيه .. " رواه هكذا أبو داود من طريق محمد بن كثير، ورواه آخرون عن الأوزاعي، قال: أُنبئت أن سعيدًا المقبري حدّث عن أبيه .. ".
وليس في هذا ما يقطع به بالوهم، فإن كان وهم فمثله يحتمل للمكثر؛ لأن الأوزاعي مما يروي عن ابن عجلان عن سعيد المقبري.
الرابع: أخرج الترمذي عن الحسن بن الصباح عن محمد بن كثير -زاد في بعض النسخ: العبدي (؟) - عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول الجنة .. ".
قال الترمذي: "حسن غريب من هذا الوجه" ثم أخرجه من حديث علي.
وهذا الحديث ذكر في "الميزان" و"التهذيب" -في ترجمة محمد بن كثير المصيصي وأنه أُنكر عليه ذُكر لابن المديني فقال: "كنت أشتهي أن أرى هذا الشيخ، فالآن لا أحب أن أراه"(1). وأحسب أبا حاتم وابن حبان إنما أشارا إلى هذا الحديث؛ إذ قال الأول:
(1) حكى ابن أبي حاتم هذا لأبيه، فقال: صدق، فإن قتادة عن أنس لا يجىء هذا المتن. "علل الرازي"(2681).