الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - منهجه الفقهي:
كان الشيخ رحمه الله على منهج فقهاء المحدثين، الذين يدورون مع الدليل حيثما دار، فيُعْنون أولًا، بصحة الدّليل، ثم النظر فيما يحتمله من المعاني والأحكام، مع اعتبار كلام الصحابة ومنْ تبعهم، واستعمالهم لذلك الدّليل.
وقد كان الشيخ سلفيًا في الفروع كما كان سلفيًا في أصول الدين والعقيدة، فكان يحث على اتباع كتاب الله تعالى، وما صحّ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بفهم الصّحابة وأئمة التابعين، دون التقيّد باتباع مذهب دون آخر.
فمما وُجِد بخط المعلمي:
"أُوصِي كُلّ مسلم أن يتدبر كتاب الله تعالى، ويتفحّص الأحاديث، ثم يتدبرها، ويحتاط لدينه، ويتبع [ما تبّيّن]، له أنه الحق، سواء أكان مذهب إمامه، أم مذهب غيره، وأن يعضّ بالنواجذ على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأئمة التابعين، ويجتنب البدع كلها، ولا يتدين إِلَّا بما ثبت عنده بكتاب الله تعالى. وسنة رسوله أنه من الدين".
وقال الشيخ في "التنكيل"(2/ 406):
"الفقهيات والاختلاف فيها إذا كان سببه غيره الهوى، أمره قريب؛ لأنه لا يؤدِّي إلى أن يصير المسلمون فرقًا متنازعةً، وشيعًا متنابذةً ولا إلى إيثار الهوى على الهدى، وتقديم أقوال الأشياخ على حجج الله سبحانه، والالتجاء إلى تحريف معاني النصوص.
وإذا كان المسلمون قد وقعوا في ذلك، فإنما أوقعهم الهوى، فلا مخلص لهم منه إِلَّا أن يستيقظ أهل العلم لأنفسهم، فيناقشوها الحساب، ويكبحوها عن الغيِّ، ويتناسوا ما استقرّ في أذهانهم من اختلاف المذاهب، وليحسبوها مذهبًا واحدًا، اختلف علماؤه، وأن على العالم في زماننا النظر في تلك الأقوال وحججها وبيناتها، واختيار الأرجح منها.
وقد نصّ جماعة من علماء المذاهب أن العالم المقلِّد إذا ظهر له رجحان الدّليل المخالِف لإمامه، لم يجُزْ له تقليد إمامه في تلك القضية، بل يأخذ بالحق؛ لأنه إنما رُخِّص له في التقليد عند ظن الرجحان؛ إذ الفرض على كل أحدٍ طاعة الله وطاعة رسوله، ولا حاجة في هذا إلى اجتماع شروط الاجتهاد، فإنّه لا يتحقق رجحان خلاف قول إمامك إِلَّا في حكم مختلفٍ فيه، فيترجح عندك قول مجتهد آخر، وحينئذ تأخذ بقول هذا الآخر، متبعًا للدليل الراجح من جهة، ومقلدًا في تلك القضية لذاك المجتهد الآخر من جهة.
والفقهاء يُجيزون تقليد المقلِّد غير إمامه في بعض الفروع لمجرد احتياجه، فكيف لا يجوز، بل يجب، أن يقلده فيما ظهر أن قوله أوْلى بأن يكون هو الحق في دين الله؟
وقضية التلفيق إنما شددوا فيها إذا كانت لمجرد التشهي وتتبع الرخص، فأمَّا إذا اتفقت لمن يتحرى الحق، وإن خالف هواه، فأمرها هيِّن، فقد كان العامّة في عهد السلف تعْرِضُ لأحدهم المسألة في الوضوء، فيسأل عنها عالمًا، فيفتيه، فيأخذ بفتواه، ثم تعْرِضُ له مسألة أخرى في الوضوء أيضًا أو الصلاة، فيسأل عالمًا آخر فيفتيه، فيأخذ بفتواه، وهكذا.
ومن تدبر علم أن هذا تعرض للتلفيق، ومع ذلك لم ينكره أحدٌ من السلف، فذاك إجماع منهم على أن مثل ذلك لا محذور فيه؛ إذ كان غير مقصود، ولم ينشأ عن التشهي وتتبع الرخص.
فالعالم الذي يستطيع أن يروض نفسه على هذا هو الذي يستحق أن يهديه الله سبحانه، ويسوغ له أن يثق بما تبين له، ويسوغ للعامة أن يثقوا بفتواه.
نعم، قد غلب اتباع الهوى وضعف الإيمان في هذا الزّمان، فإذا احتيط لذلك بأن يرتب جماعة من أعيان العلماء للنظر في القضايا والفتاوى فينظروا فيها مجتمعين! ثم يفتوا بما يتفقون عليه أو أكثرهم، لكان في هذا خير كثير وصلاح كبير إن شاء الله تعالى". اهـ.