الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضاف المعلمي في "التنكيل"(1/ 125) قائلًا: لم يذكر الخطيب منْ حدّثهُ، فإن قيل: إن الخطيب أعلّ القصة بالأصبهاني فدلّ ذلك على ثقة الخطيب بمن حدّثه. قلت: ليس هذا بلازم، فقد لا يكون الخطيب وثق بمن حدثه حق الثقة، ولكن رأى إعلال الحكاية بالأصبهاني كافيًا. اهـ.
[385] عبد الله بن جعفر ابن أخي إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير:
نبّه الشيخ المعلمي على وجود هذه الترجمة في غير مظنتها، فأغفلها صاحب "التهذيب" و"الميزان" و"اللسان" وهي في "الجرح والتعديل"(5/ 24)، وفيها من قول ابن معين:"شيخ كان يجالسنا في المسجد، صاحب مغنيات، ليس بشيء".
[386] عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان أبو محمد الفارسي النحوي:
في ترجمته من "التنكيل"(119) نقل الشيخ المعلمي عن الكوثري قوله في ابن درستويه: "كان يحدث عمن لم يدركه لأجل دريهمات يأخذها .. وروايته عن الدوري ويعقوب خاصة منكوة، وقول البرقاني واللالكائي فيه معروف .. ".
قال المعلمي رحمه الله: "قوله يحدث عمن لم يدركه" فِرْيةٌ كما سترى، وقوله "لأجل دريهمات يأخذها" فرية أخرىء وحقيقة الحال أن هذا الرجل كان يروي عن عباس الدوري أحاديث، ويروى عن يعقوب بن سفيان "تاريخه وغير ذلك، وكانت ولادة هذا الرجل سنة (258) ووفاة يعقوب سنة (277)(1) فقد أدركهما قطعًا، وكان سنه لما مات عباس ثلاث عشرة سنة.
وقد ذكر الخطيب (2): "أن جعفر بن درستويه والد عبد الله هذا كان من كبار المحدثين وفهمائهم وعنده عن علي بن المديني وطبقته، فلا يستنكر أن يكون بكر بابنه في السماع".
(1) هذا هو الصواب في سنة وفاته، وجاء في "التنكيل" هنا (271) وهو خطأ ظاهر، وأظنه من الطبع، وسيأتي قول المعلمي: لما توفي يعقوب كان سن ابن درستويه نحو عشرين سنة.
(2)
"تاريخ بغداد"(9/ 429).
أقول: بل هذا هو الظاهر، كما جرت عليه عادة المحدثين في ذاك العصر من التبكير بأبنائهم للسماع من المعمّرين على أمل أن يعيش الابن فيكون سنده عاليًا، فيكون له بذلك صيت وشهرة ويرحل الناس إليه، وتلك مرتبة يحرص المحدث أن ينالها ابنه.
وقد ولد أبو حنيفة سنة (80) بالكوفة ونشأ بها ولم يُعرفْ والده بشيء من العلم، ونشأ هو غير معْنِيّ بطلب الحديث كما يدل عليه النظر في وفيات شيوخه الذين تثبت روايته عنهم، وعاش أنس رضي الله عنه بالبصرة إلى أن مات سنة إحدى وتسعين وقيل بعدها بسنة وقيل بسنتين، أي وعُمْرُ أبي حنيفة ما بين إحدى عشرة إلى ثلاث عشرة، ولم يكن عادة الناس في ذاك العصر التبكير بالسماع.
وفي "الكفاية"(ص 54): "قلّ من كان يثبت "وفي نسخة: يكتب" الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه إلا من جاوز حدّ البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم. وقيل: إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة".
ثم روى بعد ذلك حكايات منها "أنه قيل لموسى بن إسحاق: كيف لم تكتب عن أبي نعيم؟ قال: كان أهل الكوفة لا يُخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارًا حتى يستكملوا عشرين سنة".
هذا كله مع أن أسطورة الدراهم والتحديث عمن لم يدركه إنما أخذها الاستاذ من قول الخطيب: "سمعت هبة الدين الحسين الطبري "اللالكائي" ذكر ابن درستويه وضعفه وقال: "بلغني أنه قيل له حدِّث عن عباس الدوري حديثًا ونحن نعطيك درهمًا ففعل، ولم يكن سمع من عباس".
قال الخطيب: "وهذه الحكاية باطلة؛ لأن أبا محمد بن درستويه كان أرفع قدرًا من أن يكذب لأجل [العرض] (1) الكثير، فكيف لأجل التافه الحقير. وقد حدثنا عنه ابن رزقويه بأمالي أملاها في جامع المدينة وفيها عن عباس الدوري أحاديث عدّة".
أقول: واللالكائي توفى سنة (418)، وقد قال الخطيب في ترجمته "عاجلته المنية فلم ينتشر عنه كبير شيء" فهذا يدل أن مولد اللالكائي كان بعد وفاة ابن درستويه بمدة؛ فإن وفاته كانت سنة (347).
وقوله "بلغني .. " لا يُدرى من الذي بلّغهُ ومثل هذا لا يثبت به حكم ما، وقد قال الحماني:"سمعت عشرة كلهم ثقات يقولون سمعنا أبا حنيفة يقول: "القرآن مخلوق" فردّة لأستاذ -الكوثري- (ص 56) من "التأنيب" - بقوله "قول الراوي سمعت الثقة يعد كرواية عن مجهول وكذا الثقات" ثم تراه يبني على قول اللالكائي "بلغني .. " القصور والعلالي جازمًا بذلك مكررًا نبْز ابن درستويه بقوله "الدراهمي" وغير ذلك.
ومع أن المبلغ اللالكائي إنما قال: "ولم يكن سمع من عباس" فلم يقنع الأستاذ "الإمام الفقيه المحدث والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير صاحب الفضيلة مولانا الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقًا" كما نعته صاحبه على لوح "التأنيب" أو كما نعت نفسه، لم يقنع بذلك، بل قال "كان يحدث عمن لم يدركه لأجل دريهمات يأخذها".
ثم مع هذا وأمثاله وما هو أشدّ منه وكثرة ذلك يضج ويعج ويُرْغِي ويُزْبِد إذا نسب إلى المغالطة، وليت شعري كيف يمكننا إحسان الظن به وحمله على الغلط والوهم (مع) أن تلك الزلات الكثيرة كلها فيما يؤيد به هواه، ولا أذكر له زلة واحدة فيما يخالف هواه.
(1) كذا في "التنكيل" بالراء وفي "تاريخ بغداد"(9/ 429): "العوض" بالواو، ولعلَّه أقرب، والله أعلم.
هذا، ولم ينكروا على ابن درستويه حديثا واحدًا مما حدث به عن الدوري حتمًا، وإنما زعم من لا يُدري من هو أن ابن درستويه لم يسمع من الدوري، وقد علمت إمكان سماعه منه، فإن ثبت أن ابن درستويه ثقة -وسنثبته إن شاء الله تعالى- ثبت السماع.
وأما شانه مع يعقوب بن سفيان فقد عُلِم بما مرّ أنه لما توفي يعقوب كان سن ابن درستويه نحو عشرين سنة لكن قال الخطيب: "سألت البرقاني عن ابن درستويه فقال: ضعّفوه؛ لأنه لما روى "التاريخ" عن يعقوب بن سفيان أنكروا عليه ذلك وقالوا له: "إنما حدّث يعقوب بهذا الكتاب قديمًا فمتى سمعته؟! ". ولم يبينوا تاريخ تحديث يعقوب بـ "التاريخ" فقد يكون حين كان سن ابن درستويه اثنتي عشرة سنة أو نحوها، واستبعدوا أن يكون سمع حينئذ لصغره، وعلى هذا يدل قول الخطيب عقب ما حكاه عن البرقاني، قال: "في هذا القول نظر، لأن جعفر بن درستويه من كبار المحدثين .. فلا يستنكر أن يكون بكّر بابنه في السماع من يعقوب بن سفيان".
ثم استأصل الخطيب الشافة واقتلع الجرثومة بقوله: "مع أن القاسم الأزهري حدثني قال: رأيت أصل كتاب ابن درستويه بتاريخ يعقوب بن سفيان لما بيع في ميراث ابن الآبنُوسيّ، فرأيته أصلًا حسنًا ووجدت سماعه فيه صحيحًا".
والأزهري من أهل المعرفة والتيقظ والثقة والأمانة، ترجمته عند الخطيب (ج 10 ص 385) فثبت السماع وبطل النزاع.
فأما حال ابن درستويه، فتضعيف اللالكائي له قد بّين وجهه، وهو قوله:"بلغني .. "، وقد علمت أنه ليس في ذلك حجة.
وقول البرقاني: "ضعّفُوه" قد بيّن وجهه وهو استبعادهم أن يكون سمع "التاريخ"، وقد ثبت سماعه له فزال سبب التضعيف.