الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ليس معناهما واحد، فإن معنى حَمِيَ النهار اشتد حره، ومعنى تتابع تواتر، فالمراد حَمِيَ الوحي اشتداده وهجومه، وتتابعه تواتره وعدم انقطاعه، وإنّما يكتف بحمي لأنّه لا يستلزم الإستمرار والدوام، فلذلك قال: وتتابع، وهذا من الأسرار الرِّبَانية والأفكار الرّحمانية، والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا من غير خلل، ولقد أبعد من قال: وتتابع تأكيد معنوي، لأنّ التأكيد المعنوي ألفاظه مخصوصة، وإن لم يردّ التأكيد الإِصطلاحي فهو ما يكون بين لفظين معناهما واحد، وقد ثبت تغايرهما (41).
قال (ح): لم يقتصر الجميع على ما ادعاه من وحدة المعنى فيهما بل جوزوا المغايرة، وقد جوزوا رد الأوّل إلى الثّاني، فقالوا: حمي كناية عن مجيئه كثيرًا، ومعنى الكثرة موجود في التتابع أيضًا، وليس هذا بعجيب فإن اللّفظ قد يصير بمعنى اللّفظ بضرب من التّأويل، ثمّ في قوله الشراح كلهم مجازفة عظيمة لأنّه حين كتابته هذا الشرح لم يستمد إِلَّا من الفتح أو الكرماني. ولم يراجع إلى التلويح والتوضيح وكل شيءٍ ينسبه إلى أي مصنف اتفق من شراح البخاريّ إنّما يتلقاه عنه من أحد الشيوخ الثّلاثة، فكيف يتوجه قوله الشراح كلهم؟! والله المستعان.
قوله:
الحديث الخامس
تابعه عبد الله بن يوسف وأبو صالح.
قال (ح): هو عبد الله بن صالح كاتب اللَّيث ووهم من زعم أنّه أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني (42).
(41) عمدة القاري (1/ 66).
(42)
فتح الباري (1/ 28).
قال (ع): لم يتبين لي وجهة في الترجيح لأنّ البخاريّ روى عن كليهما (43).
قلت: وما علي إذا لم يمكن انتزاع له بأن الذي جزمت به يترجح من أوجه:
أحدها: كثرة رواية عبد الله بن صالح عن اللَّيث لأنّه كان كاتبه، واشتهر بملازمته بخلاف عبد الغفار.
ثانيها: كثرة إيراد البخاريّ الروايات المعلقة عن عبد الله بن صالح عن اللَّيث، وأخرج عنه مواضع يسيرة موصولة عن خلق في بعضها، وأمّا عبد الغفار فأخرج عنه شيئًا يسيرًا موصولًا، ولم يخرج شيئًا معلقًا في سائر الكتاب.
ومنها أنّ رواية عبد الله بن يوسف وجدت عند يعقوب بن سفيان في هذا الحديث بعينه أخرجه عنهما مقرونًا برواية اللَّيث.
ذكر صاحب الروض أنّها ثلاثة أحاديث فقط.
وقال الكلاباذي: أخرج عنه في آخر البيوع، وفي غزوة خيبر، ولم يرقم المزي في مشايخه رقم البخاريّ إِلَّا على يعقوب بن عبد الرّحمن.
قلت: والذي أخرجه عنه في الموضعين حديث واحد وهو حديث عمرو بن أبي عمرو عن أنس في قصة صفية بنت حيي، وتزويجها ووليمته عليها برواية في غزوة خيبر بابن وهب، وأفرده في آخر كتاب البيوع، ولم يخرج عنه عن اللَّيث شيئًا.
(43) عمدة القاري (1/ 68).