الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - باب كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
قال (ح): قوله: "فَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِيءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا
…
الخ" كذا الأصوِل الصحيحة ليس فيه: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله" فساق الكلام على ذلك، إلى أن قال: وإن كان الإِسقاط منه فالجواب عنه ما قال الحافظ أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد في أجوبة على البخاريّ ما ملخصه.
أحسن ما يجاب به هنا أنّ البخاريّ قصد أن يجعل لكتابه صدرًا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من النَّاس من استفتاح كتبهم بخطبة تتضمن معاني ما ذهبوا إليه من التأليف، فكان ابتداؤه بنية رد علمها إلى الله تعالى، فإن علم منه أنّه أراد الدنيا أو عوض إلى شيءٍ من معانيها فسيجزيه بنيته ونكب عن أحد وجهي التقسيم مجانبة للتزكية الّتي لا يناسب ذكرها في هذا المقام (3).
قال (ع): فإن قيل لم اختار من هذا الحديث مختصره ولم يذكر مطوله هنا
قلت: لما كان قصده التنبيه على أنّه قصد به وجه الله وأنّه سيجزيه بحسب نيته ابتدأ بالمختصر الذي فيه إشارة إِلَّا أنّ الشخص يجزى بقدر نيته، فإن كانت نيته وجه الله تعالى [بالثواب] والخير في الدارين، وإن كانت نيته وجهًا من وجوه الدنيا فليس له حظ من الثّواب، ولا من خير الدارين، وحذف الجملة الأخرى فرارًا من التزكية (4).
(3) فتح الباري (1/ 15).
(4)
عمدة القاري (1/ 22).
قال (ح): في الكلام على حديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل هكذا في أكثر الروايات فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك، وعلى ذلك اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك بعد ويؤيد هذا الثّاني ما أخرجه أحمد والبغوي من رواية عامر بن سالم الزميري عن هشام، فقال: عن أبيه عن عائشة عن الحارث قال: سألت (5).
قال (ع): قال بعض الشارحين: هذا الحديث أدخله الحفاظ في مسند عائشة دون الحارث.
قلت: أدخله الإمام أحمد في مسند الحارث بن هشام، فإنّه رواه عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحارث بن هشام قال: سألت.
قلت: فأخذ الكلام فبالغ حتّى نسبه إلى نفسه حتّى قال: قلت، ونظيره (6).
قال (ح): في الكلام على حديث عائشة في بدء الوحي يخلو بغار حراء فيتحنث هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم.
وقد وقع في رواية ابن هشام في السيرة يتحنف بالفاء، أو المراد بقوله يتحنث يلقي عنه الحنث (7).
(5) فتح الباري (1/ 19) والحديث رواه أحمد (6/ 257) والطبراني في الكبير (3343 و3344).
(6)
عمدة القاري (1/ 39).
(7)
فتح الباري (1/ 32).
وهو الإثم كما قالوا: تأثم وتحرج، أي فعل فعلًا ألقى عنه الفعل والتحرج ونحو ذلك، فقال في كلام طويل نقله من كلام ابن بطّال والكرماني وغيرهما من شراح البخاريّ.
وقال التيمي [التميمي]: هذا من المشكلات ولا يهتدي إليه إِلَّا الحذاق.
وسئل ابن الأعرابي عن قوله: يتحنث؟ فقال: لا أعرفه إنّما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم.
قال (ع): وقع في سيرة ابن هشام يتحنف بالفاء (8).
قوله: وفي حديث ابن عبّاس وكان أجود ما يكون.
قال (ح): هو برفع أجود إِلَّا أن قال: ووجه ابن الحاجب الرفع من خمسة أوجه.
قلت: ويرجحه وروده بغير لفظة كان عند المؤلِّف في الصوم (9).
قال (ع): بعد أن نقل [من] كلام النووي أنّه سأل ابن مالك
…
الخ.
قلت: من جملة مؤكدات الرفع وروده بدون كان في صحيح البخاريّ في كتاب الصوم (10).
قوله في حديث أبي سفيان مع هرقل، قال: أشراف النَّاس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟
قلت: بل ضعفاؤهم.
(8) عمدة القاري (1/ 49).
(9)
فتح الباري (1/ 30 - 31).
(10)
عمدة القاري (1/ 76) وما بين المعكوفين في نسخة الظاهرية.
قال (ح): المراد بالأشراف أهل النخوة والتكبر منهم، لا كل الأشراف حتّى لا يدخل مثل أبي بكر وعمر وحمزة وغيرهم ممّن أسلم قبل هذا السؤال، فأمّا ما وقع في رواية ابن إسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين، فأمّا ذو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد فهو محمول على الأغلب (11).
قال (ع): قال بعضهم: المراد بالأشراف أهل النخوة لا كل الأشراف. قلت: هذا على الغالب وإلا فقد سبق إلى اتباعه أكابر وأشراف منهم الصديق والفاروق وحمزة وغيرهم وهم أيضًا كانوا أهل النخوة (12).
قلت: فأخذ الكلام فادعاه ثمّ اعترض عليه، فاعتراضه مردود لأنّه حذف من كلامه قوله: والتكبر وبهذه اللفظة يندفع اعتراضه لأنّ أبا بكر ومن ذكر معه وإن كانوا أشرافًا أهل النخوة لم يكونوا أهل تكبر، فالتكبر محطة الفرق بين الفريقين فحذفها المعترض ليعترض، وهذا ذكرته على سبيل المثال وإلا فقد استعمل مثل هذا في بقية هذا الحديث وفي غيره.
قوله: فأتوه:
قال (ح): فيه حذف تقديره أرسل إليهم يلتمس منهم المجيء، فجاء الرسول بذلك فأتوه ووقع عند المصنف في الجهاد أن الرسول وجدهم ببعض الشّام.
وفي الدلائل لأبي نعيم تعيين الموضع وهو غزة، قال: وكانت وجه متجرهم، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهري (13).
(11) فتح الباري (1/ 35) بتصرُّف. وفيه لا كل شريف. وليس فيه وحمزة.
(12)
عمدة القاري (1/ 85) وكلمة "التكبر" موجودة في النسخة المطبوعة من عمدة القاري.
(13)
فتح الباري (1/ 34).
قال (ع): قوله: فأتوه، تقدير الكلام أرسل لي طلب إتيانهم، فجاء الرسول فطلب إتيانهم فأتوه ثمّ قال:
فإن قلت: هم في أي موضع كانوا حتّى أرسل إليهم.
قلت: في الجهاد ذكر البخاريّ من أن الرسول وجدهم ببعض الشّام، وفي رواية أبي نعيم في الدلائل تعيين الموضع غزة.
قال: وكانت وجه متجرهم، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهريّ (14).
تنبيه:
بين (ح) اختلاف الرواة في الألفاظ الواقعة في حديث أبي سفيان مع هرقل على ترتيب الحديث من أوله إلى آخره، وبين ما خالف بعضهم بعضًا في الأسماء والزيادة والنقص وغير ذلك، فجمع (ع) ذلك كله في مكان واحد وترجم له بيان اختلاف الروايات فذكرها نقلًا من كلام (ح) موهمًا أنّه من تصرفه وتتبعه، وهكذا يَصْنَع في كثير من الأحاديث وإنّما نبهت على ذلك بطريق الِإجمال لتعسر تتبع ذلك فيحصل الملل، وفي الإشارة ما يغني عن الإِسهاب فيطول الخطب والله المستعان.
قوله: وكان ابن الناطور
…
الخ.
قال (ح): الواو عاطفة، والتقدير أنّه لما انتهى المتن عند قول أبي سفيان حتّى أدخل عَلَيَّ الِإسلام.
قال الزهريّ بالسند المذكور إليه، وكان ابن الناطور
…
الخ، فقصة ابن الناطور موصولة لا معلقة كما زعم بعض من لا عناية له بهذا الشأن، وكذلك زعم بعض المغاربة فجعلها معطوفة على قول أبي سفيان، والتقدير
(14) عمدة القاري (1/ 90).
قال أبو سفيان: وكان ابن الناطور، وهذا وإن كان محتملًا عقلًا فقد بين أبو نعيم في دلائل النبوة أنّ الزهريّ قال: لقيت ابن الناطور في زمن عبد الملك بن مروان فذكر عنه القصة.
ووقع في سيرة ابن إسحاق ما يوهم أنّها من رواية الزهريّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس عن ابن الناطور، فإنّه ساق السند إلى ابن عبّاس، قال: افتتح هرقل حيث انفرد فذكر القصة بمعناه، والذي بدأت به هو الذي جزم به الحفاظ، وهو ممّا ينبغي التنبيه عليه (15).
قال (ع): قوله: وكان ابن الناطور الواوفيه عاطفة لما قبلها داخلة في سند الزهريّ والتقدير عن الزهريّ أخبرني عبيد الله
…
الخ، ثمّ قال: قال ابن الناطور فذكر القصة، فذكر قصة ابن الناطور موصولة لا معلقة كما توهمه بعضهم، وهذا موضع يحتاج فيه إلى أبي سفيان عنه، وإنّما هي عن الزهريّ عنه، وقد بين ذلك أبو نعيم في دلائل النبوة أنّ الزهريّ قال: لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان (16).
قلت: فانظروا وتعجبوا فإن هذا الموضع لم ينبه عليه أحد قبلي وتناوله من كتابي وتصرف فيه بالتقديم والتأخير، وأوهم أنّه من تصرفه وتنبيهه والله المستعان.
قوله: رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر.
قال (ح): قال الكرماني: يحتمل ذلك من وجهين أن يروي البخاريّ عن الثلاثة بالإسناد المذكور، كأنّه قال أخبرنا أبو اليمان عن الثّلاثة عن
(15) فتح الباري (1/ 40).
(16)
عمدة القاري (1/ 93) وفي النسخ الثلاث قال: قال ابن الناطور وهو خطأ والصواب ما صححناه "وكان ابن الناطور" كما في عمدة القاري وصحيح البخاريّ.
الزهريّ، وأن يروي عنهم بطريق آخر، كما أنّ الزّهريّ يحتمل أيضًا في رواية الثّلاثة أن يروي لهم عن عبيد الله عن ابن عبّاس، وأن يروي لهم عن غيره، هذا ما يحتمل اللّفظ وإن كان الظّاهر الاتحاد.
قلت: هذا الظّاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإِسناد، والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، وأمّا الاحتمال الأوّل فأشد بعدًا لأنّ أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان، فإن مولده بعد وفاة صالح، ولا سمع من يونس، ولو كان من أهل النقل لاطلع على كيفية رواية هؤلاء الثّلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد.
وقد أوضحت ذلك في كتابي "تغليق التعليق" وأشير إليه هنا إشارة مفهمة، فرواية صالح أخرجها المؤلِّف في كتاب الجهاد بتمامها إِلَّا قصة ابن الناطور وكذا أخرجها مسلم.
ورواية يونس أخرجها المؤلِّف في الجهاد من طريق اللَّيث، وفي الاستئذان من طريق عبد الله بن مبارك كلاهما عن يونس عن الزهريّ بسنده بعينه مختصرًا ولم يسقه بتمامه، وساقها الطبراني بتمامها من طريق عبد الله بن صالح عن اللَّيث وفيها قصة ابن الناطور.
ورواية معمر ساقها المؤلِّف بتمامها في التفسير.
والطرق الثّلاثة عن الزهريّ عن عبيد الله عن ابن عبّاس، كرواية أبي اليمان عن شعيب عن الزهريّ، ولو كان سند الحديث عند هؤلاء عن الزهريّ عن غير عبد الله لأفضى ذلك إلى الشذوذ أو الإِضطراب المانع من الصّحيح، فظهر بطلان الاحتمالات المذكورة والله المستعان (17).
قال (ع): رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهريّ، أي
(17) فتح الباري (1/ 44 - 45) وتغليق التعليق (2/ 18 - 19).
روى هذا الحديث المذكور صالح بن كيسان عن الزهريّ عن عبيد الله عن ابن عبّاس، أخرجه البخاريّ بتمامه في الجهاد، ولم يذكر قصة ابن الناطور، وكذا أخرجه مسلم بدونها.
وأخرج رواية مسلم في الجهاد مختصره من طريق اللَّيث.
وفي الإِستئذان مختصره من طريق عبد الله بن المبارك، كلاهما عن يونس عن الزهريّ بسنده بعينه ولم يسقه بتمامه.
وقد ساقه الطبراني بتمامه من طريق عبد الله بن صالح عن اللَّيث وفيه قصة ابن الناطور.
وأخرج رواية معمر بتمامها في التفسير.
فقد ظهر لك أنّ روايات هؤلاء الثّلاثة عند البخاريّ عن غير أبي اليمان، وأن الزهريّ إنّما رواه لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس لا كما توهمه الكرماني حيث يقول: أعلم أنّ هذه العبارة تحتمل وجهين، فذكر كلامه ثمّ قال بعده: وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنّ أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان ولا سمع من يونس.
والآخر: أنّه لو احتمل أنّ يروي الزّهريُّ هذا الحديث لهؤلاء الثّلاثة عن شيخ آخر لكان ذلك إختلافًا قد يفضي إلى الإضطراب الموجب للضعف، وهذا إنّما نشأ لعدم تحريه في النقل واعتماده في هذا الفن على العقل انتهى كلامه (18).
فأخذ الكلام بطوله فقدم فيه وأخر وأوهم أنّه من تصرفه وليس كذلك.
قوله: وقال مجاهد
…
الخ.
(18) عمدة القاري (1/ 100 - 101) ورواية يونس عند الطبراني في الكبير (7270).
قال (ح): وصل هذا التعليق عبد بن حميد في تفسيره (19) والمراد أنّ الذي تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسُّنَّة هو شرع الأنبياء كلهم.
تنبيه:
قال شيخنا الِإمام البلقيني: وقع في أصله الصّحيح في جميع الروايات في أثر مجاهد هذا تصحيف قل في تعرض لبيانه، وذلك أنّ لفظ مجاهد (شرع لكم) أوصيناك يا محمَّد وإياه دينًا واحدًا، والصواب أوصيناك يا محمَّد وأنبياءه كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطّبريّ وابن المنذر في تفاسيرهم، وبه يستقيم الكلام، وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أنّ في السياق ذكر جماعة انتهى، وإفراد الضمير لا يمتنع لأنّ نوحًا أفرد في الآية فلم يتعين التصحيف، وغاية ما ذكر من مجيء التفسير بخلاف لفظه أن يكون المصنف ذكره بالمعنى (20).
قال (ع): أخرج أثر مجاهد عبد بن حميد في تفسيره بسنده عنه، ورواه ابن المنذر بلفظ وصاه، وقوله: وإياه، يعني نوحًا.
قال: وقد قيل إنَّ الذي وقع في أثر مجاهد تصحيف، والصواب أوصيناك يا محمَّد وأنبياءه وكيف يقول مجاهد بإفراد الضمير مع نوح وحده، مع أنّ في السياق ذكر جماعة.
قلت: ليس بتصحيف بل هو صحيح، ونوح أفرد في الآية وبقية الأنبياء عطفت عليه وهم داخلون فيما وصى به، ونوح أقرب مذكور وهو أولى بعود الضمير. انتهى (21).
(19) الذي في الفتح (1/ 48) وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره. وفي تغليق التعليق (2/ 25) أنّ عبد بن حميد وعبد الزراق وصلاه.
(20)
فتح الباري (1/ 48) وتغليق التعليق (2/ 24).
(21)
عمدة القاري (1/ 117)
فأخر جواب الإعتراض فزاد فيه قليلًا وادعى أنّه من تصرفه وليس كذلك.
قوله: "دعاؤكم إيمانكم" صنع فيه (ع) نحو ما صنع فيما قبله من أخذه كلام (ح) بحروفه وإيهامه أنّه من تصرفه لكن زاد فيه ونقص.
قوله: