الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - باب اتباع الجنائز
ختم المصنف معظم التراجم التي وقعت له من شعب الإيمان بهذه التّرجمة لأنّه آخر أحوال الدنيا (165).
قال (ع): هذا ليس بصحيح لأنّه بقي من الأبواب المترجم بها شعب الإيمان باب أداء الخمس من الإيمان (166).
قلت: قد احترز عن ذلك بقوله: معظم، فانتفى نفي الصحة.
قال (ح) في الكلام على قوله: من تبع تمسك بهذا اللّفظ من زعم أن المشي خلفها أفضل ولا حجة فيه لأنّه يقال: تبعه إذا مشى خلفه، وإذا مر به فمشى معه (167).
قال (ع): هذا القائل نفي حجة هؤلاء بما هو حجة عليه، لأنّه فسر لفظ تبع بمعنيين:
أحدهما: حجة لمن يزعم أن المشي خلفها أفضل وإلا فهو ليس بحجة له ولا هو حجة لخصمه. انتهى (168).
وذكر هذا الرد كاف عن تكلف الرد عليه، كأنّه ما درى أن اللّفظ إذا
(165) فتح الباري (1/ 108).
(166)
عمدة القاري (1/ 270).
(167)
فتح الباري (1/ 109).
(168)
عمدة القاري (1/ 273).
احتمل معنيين لم يكن فيه حجة لأحدهما لاحتماله إرادة الثّاني، ولم يدع الشارح أن في هذا اللّفظ حجة لمن قال: يمشي أمامها حتّى يقال في التعقيب لا حجة فيه.
قال (ح): في معنى قول ابن أبي مليكة كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنّه على إيمان جبريل وميكائيل؛ أي لا يجزم أحد منهم بعدم عروض النفاق له كما يجزم بذلك في إيمان جبريل، وفي هذا إشارة إلى قولهم بتفاوت درجات المؤمنين في الإِيمان خلافًا للمرجئة (169).
قال (ع): هكذا فسره الكرماني وتبعه بعضهم وليس المعنى هكذا وإنّما المعنى كلهم كانوا على حذر وخوف من أن يخالط إيمانهم النفاق، ومع هذا لم يكن أحد منهم يقول: إنَّ إيمانه كإيمان جبريل لأنّ جبريل معصوم لا يطرأ عليه الخوف من النفاق بخلاف هؤلاء فإنهم غير معصومين (170).
فلينظر المنصف هل بين المقالتين تفاوت إِلَّا في تطويل العبارة وإيجازها والله المستعان.
قال (ح): في الكلام على حديث زبيد بن الحارث سألت أبا وائل عن المرجئة، أي عن مقالة المرجئة.
ولأبي داود الطيالسي عن شعبة عن زبيد لما ظهرت المرجئة أتيت أبا وائل فذكرت وذلك له، فظهر من هذا أن سؤاله كان عن معتقدهم، فإن ذلك كان حين ظهورهم (171).
قال (ع): هذا التقدير لا يصح لأنّه لا يطابق الجواب السؤال، وإنّما
(169) فتح الباري (1/ 111).
(170)
عمدة القاري (1/ 275).
(171)
فتح الباري (1/ 112) ورواه أبو داود، الطيالسي (2268).
المطابق أن يكون التقدير سألت أبا وائل عن المرجئة هل هم يصيبون في مقالتهم أو مخطئون؟ فأجابه بالحديث الدال على خطيانهم، ثمّ قال: ولا نسلم أن في رواية الطيالسي دلالة تدل أنّه وقف على مقالتهم حتّى سأل أبا وائل هل هي صحيحة؟ أو باطلة؟ انتهى (172).
وكلام (ح) لا يخالف التقدير المذكور، بل هو ساكت عن كون السائل اطلع على مقالتهم واستفهم عن صحتها، أو لم يطلع فسأل عن كيفيتها وحمله على الأوّل أولى وبالله التوفيق.
قوله: "سِبَابُ المُسْلِمِ" هو بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة.
قال (ح): وهو مصدر.
وقال الحربيّ: السباب أشد من السب (173).
قال (ع): ليس هذا مصدرًا لِسَبَّ يسب، وإنّما هو اسم بمعنى السب، أو مصدر بمعنى المفاعلة، وكلام الحربيّ يدلُّ على أنّه ليس بمصدر (174).
قال (ح): في تأويل قوله: "سِبَابُ اْلمُسْلِم فُسُوق وَقِتَالُهُ كُفْر" أوله الكرماني بأن المراد أنّه يؤول إلى الكفر لتشوفه أو أنّه كفعل الكفار.
وأوله الخطابي بالمستحل، والأول بعيد والثّاني أبعد لأنّه لا يطابق التّرجمة ولو كان مرادًا لم يحصل الفرق بين السباب والقتال، فإن مستحل لعن المسلم بغير تأويل كفر أيضًا (175).
(172) عمدة القاري (1/ 279).
(173)
فتح الباري (1/ 112).
(174)
عمدة القاري (1/ 278).
(175)
فتح الباري (1/ 113).
قال (ع): إذا كان اللّفظ محتملًا لتأويلات كثيرة لا يلزم أن يكون جميعها مطابقًا للترجمة، ومن ادعى هذه الملازمة فعليه البيان، فإذا وافق أحد التأويلات التّرجمة فإنّه يكفي التطابق.
وقوله: لو كان مراد
…
الخ غير مسلم لأن تخصيص الشق الثّاني بالتأويل لكونه مشكلًا بحسب الظّاهر، والشق الأوّل لا يحتاج إلى التّأويل لكونه ظاهرًا غير مشكل (176).
قلت: لم يرد الشارح الأوّل الملازمة، وإنّما مراده أن الأولى لشارح الكتاب أن يختار من التأويلات إذا اقتصر على بعضها أقربها إلى مطابقة التّرجمة، فهذا وجه الاستبعاد وجوابه عن الإِعتراض الأخير لا يمنع من ذكره.
قال (ح) في الكلام على حديث عبادة بن الصامت: خرج ليخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان فرفعت.
قال القاضي عياض: فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة بأنّها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان، وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان يرفع منه الخير والبركة.
فإن قيل: كيف تكون المخاصمة في طلب الخق مذمومة؟ قلنا: إنّما كانت لوقوعها في المسجد، وهو محل الذكر لا اللغو، ثمّ في الوقت المخصوص أيضًا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان، فالذم لما عرض فيها لا لذات الخصومة، ثمّ إنّها مستلزمة لرفع الصوت، ورفعه بحضرة الرسول منهي عنه لقوله تعالى {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ..} إلى قوله:{.. أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} .
قلت: ومن هذا اتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له، وقد
(176) عمدة القاري (1/ 279).
خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب حتّى قال بعضهم: إنَّ إيراد هذا الحديث في هذه التّرجمة وهو خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر سهو من بعض من نسخ الكتاب (177).
قال (ع): أخذ هذا الكلام من الكرماني وهو عجيب شديد يأخذ كلام النَّاس وينسبه إلى نفسه مدعيًا أن غيره قد خفي عليه ذلك على أن هذا الذي ذكره الكرماني في وجه المطابقة إنّما يقاد بالجر الثقيل على ما لا يخفى على من تأمله، فإذا أمعن الناظر فيه لا يجد لذكر هذا الحديث هنا مناسبة ولا تطابقًا للترجمة. انتهى (178).
وفيه مناقشات:
الأولى: دعواه أخذ الكلام من الكرماني ولا زيادة يوهم أخذ جميعه من غير تصرف فيه بنقص وليس كذلك ومن أراد بيان ذلك، فليتأمل ما ذكره الشارح هنا، وفيما ذكره الكرماني يظهر له التفاوت.
الثّانية: قوله: مدعيًا أن غيره قد خفي عليه ليس كذلك، وإنّما ذكر أنّه خفي على كثير فليس فيه دعوى خفاء ذلك على غيره بطريق التعميم فإن مفهومه أن القليل منهم لم يخف عليه فيدخل فيه الكرماني.
الثّالثة: دعواه نفي المناسبة والمطابقة بعد التأمل مكابرة، ويكفي في الرد عليه أنّه نافٍ، والسابق مثبت والمثبت مقدم على النافي، والذي لا ارتياب فيه أن المناسبة والمطابقة ظاهرة ولا سيما عند التأمل، وحاصله أن ارتكاب المؤمن ما نهي عنه قد يحبط عمله وهو لا يشعر لتهاونه كما في رفع الصوت بحضرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في ذلك:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} وقد ظهر أثر ذلك من رفع صوت المتخاصمين بحضرته صلى الله عليه وسلم
(177) فتح الباري (1/ 113).
(178)
عمدة القاري (1/ 279 - 280).
حيث منعوا معرفة ليلة القدر التي كان يحصل بمعرفتها من الخيرات ما شاء الله.
الرّابعة: تعجبه ممّن يأخذ كلام النَّاس وينسبه لنفسه وينسى نفسه مع ظهور الفرق بين الآخذين فإن غيره إن أخذه تصرف فيه بنوع من التصرفات المناسبة، وأمّا هو فأخذه لكلام الشارح المذكور واضح لا يحتاج إلى استدلال فما من باب من أول الكتاب إلى هنا، ولا حديث إِلَّا وقد أخذ من كلام الشارح فيه الكثير منه بألفاظه وبالمعنى، وقد أشرت إلى بعض ذلك قريبًا، ومن أقربه قوله في الكلام على قوله.
وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه أخذ الكلام على ترجمته وعلى بيان من خرج أثره هذا بألفاظه، وكذا الأثر الذي بعده عن الحسن أخذ قوله، وأثر الحسن أخرجه الفريابي فإنّه كتب بلفظه نحو الصفحة على الولاء، وقد عقد في الباب الذي بعد هذا الاختلاف ألفاظ الرواة لحديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإِيمان والإِسلام من كلام الشارح السابق ما يزيد على ورقة بلفظه إِلَّا أنّه جمع ما فصله الأوّل في الكلام على ألفاظ الحديث لفظة بعد لفظة فأورده مساقًا واحدًا، فمن أراد الوقوف على ذلك فليقابل أحدهما بالآخر ليراه واضحًا، وكذا صنع في أكثر الكلام على شرح معاني الحديث المذكور وأوضحها الكلام على قوله لم يذكر الحجِّ لأنّه لم يكن فرض، ويرد هذا ما أخرجه ابن منده إلى آخر الكلام على ذلك في بضع عشر سطرًا على الولاء.
وكذا صنع في الكلام على قوله: باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصيحَةُ" من قوله التألف أنّه ذكر هذا معلقًا، ولم يخرجه مُسْنَدًا فكتب من كلام الشارح نحوًا من ثلاثين سطرًا كتابة مستريحة، والشارح ما جمع ذلك إِلَّا في أيّام كثيرة مع تعب قوي وسهر شديد، وتتبع زائدٍ، والله المستعان.
وكذا في الرد على قول الواقدي أن وفادة ضمام بن ثعلبة كانت في سنة
خمس، فإن (ح) رده من عدة أوجه فتقبلها (ع) باللفظة وصدر بقوله قلت في نحو صفحة.
وكذا صنع في حديث عقبة بن الحارث في باب الرحلة، فمن المسألة النازلة في الكلام على سماع ابن أبي مليكة بن عقبة وغير ذلك من تعليقاته يظهر لمن ينظر الأصل والفرع، وهذا ذكرته على سبيل المثال وإلا فالكتاب كله ملآن من ذلك ولله الحمد على كلّ حال، وكلما وقع له من ذلك في أول الكتاب قليل ممّا فعله في وسطه، وأمّا في الثلث منه وخصوصًا في النّصف الثّاني من هذا الثلث، فلو قال قائل: إنّه لم يزل على نسخه لما أبعد.
قال (ح) في الكلام على حديث جبريل:
قال الخطابي: معنى قوله إذا ولدت الأُمَّة ربتها أن يتسع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبي ذراريهم فإذا ملك الرَّجل الأمة واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنّه ولد سيدها.
قال النووي وغيره: هذا قول الأكثرين.
وقال بعضهم: لكن في كونه المراد نظر لأن الاستيلاد ما كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره. في صدر الإِسلام، وسياق الكلام يقتضي الإِشارة إلى وقوع ما لم يقع ممّا سيقع قبل قيام السّاعة (179).
قال (ع): في نظره نظر، لأنّ قوله:"إِذَا وَلَدَتِ الْأمَةُ رَبتَهَا" كناية عن كثرة التسري من فتوح المسلمين واستيلائهم على بلاد الشرك وهذا بلا شك لم يكن واقعًا وقت المقالة، والتسري وإن كان موجودًا حين المقالة ولكنه لم
(179) فتح الباري (1/ 122).
يكن من استيلاء المسلمين على بلاد الشرك، والمراد أن يكون من هذه الجهة (180).
قلت: محصل نظر الأوّل أن الخطابي إن كان أراد مطلق التسري فلا يصح لأنّه كان موجودًا عند المقالة وإن كان أراد بقيد من الاستيلاء فلا يصح لأنّ الاستيلاء قد وجد في صدر الإسلام، والسؤال إنّما وقع عن العلامات التي إذا وجدت قامت السّاعة، وإنّما لم يجزم الشارح بردة لاحتمال أن يكون المراد بالعلامة ما يتجدد بعد وقت المقالة سواء قرب عهد تجدده أم بعد، فاقتصر على قوله: ففيه نظر والله الموفق.
قال (ح): قيل: يجوز أن يكون المراد أن العقوق تكثر في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السَّيِّد أمته من الإهانة، فأطلق عليه ربها مجازًا.
ويجوز أن يكون المراد بالرب المربي فيكون حقيقة، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدلُّ على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة الإِشارة إلى أن السّاعة بقرب قيامها عند انعكاس الأحوال بحيث يصير المربي مربيًا، والسافل عاليًا، وهو مناسب لقوله في الرِّواية الأخرى:"أَنْ تَصِيرَ الحُفَاةُ الْعُرَاةُ مُلُوكَ الأرْضِ"(181).
قال (ع): ليس هذا بأوجه الأوجه بل أضعفها، لأنّه إنّما عد هذا. من أشراط السّاعة لكونها على نمط خارج عن العادة أو على وجه دال على فساد الأحوال، والذي ذكره هذا القائل ليس من هذا القبيل (182).
قلت: الدفع بالصدر مدفوع والله أعلم.
(180) عمدة القاري (1/ 289).
(181)
فتح الباري (1/ 122 - 123).
(182)
عمدة القاري (1/ 289).
قال (ح): ذكر الطيبي أن قوله: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ" ضمن معنى لن يعترف فلهذا عداه بالباء.
قلت: والتصديق يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين لأنّ الأصل خلافه (183).
قال (ع): الطيبي قال: ضمن الإِيمان معنى الاعتراف، حتّى يقال لا يحتاج.
قلت: دار الأمر بين التضمين وبين الإِبقاء على معناه الأصلي وهو التصديق، فإذا كان كلّ منهما تعدى بالباء، فالثّاني متعين ولا يحتاج إلى الأوّل (184). أفبمثل هذا يتصدى للاعتراض؟ والله المستعان.
قال (ح): قوله عن أشراطها جمع وأقله ثلاثة على الأصح، ولم يذكر هنا إِلَّا اثنين، وأجاب الكرماني بأنّه قد يستقرض القلة للكثرة وبالعكس أو أن الفرق بالقلة والكثرة إنّما هو في النكرات لا في المعارف، فإنّه إنّما ورد على مذهب أن أقل الجمع اثنان أو الثّالث لحصول المقصود بما ذكره.
قلت: وفي هذه الأجوبة نظر ولو أجيبَ بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل الجمع اثنان لما بعد عن الصوَاب، والجواب المرضي أن المذكور من الأشراط ثلاثة، وإنّما اقتصر بعض الرواة على اثنين منها (185).
قال (ع): هذا الذي قاله أنّه لا يبعد عن الصواب بعيد عن الصواب لأنّه كيف يكون هذا دليلًا لمن يقول: إنَّ أقل الجمع اثنان وهو لا يخلو، إمّا أن يستدل على ذلك بلفظ الأشراط أو بلفظ إذا ولدت وإذا تطاول، وكل منهما لا يصح أن يكون دليلًا.
(183) فتح الباري (1/ 17).
(184)
عمدة القاري (1/ 292).
(185)
فتح الباري (1/ 121 - 122).
أمّا الأوّل: فلأنّه لم يقل أحد: إنّه ذكر الأشراط، وأراد به الشرطين بل المراد أكثر من ثلاثة.
وأمّا الثّاني: فلأنّه ليس بصورة التثنية حتّى يقال ذكرها وأراد بها الجمع (186).
قلت: وجه الدلالة أنّه ذكر الأشراط وهي صيغة جمع لا محالة، ثمّ ذكر
اثنين فقط فيؤخذ منه أن أقل الجمع اثنان، وهذا إنّما قيل على تقدير تسليم أنّه لم يقع في الحديث إِلَّا ذكر اثنين، كما أشير له به في الأصل.
قال (ح): في الكلام على حديث النعمان بن بشير: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ والحَرَامُ بَيِّنٌ".
تنبيه:
ادعى بعضهم أن التمثيل يعني عن قوله: "كَرَاعٍ يَرْعى حَوْلَ الْحِمى" من كلام الشّعبيّ، وأنّه مدرج في الخبر ولم أقف على دليله إِلَّا ما وقع عند ابن الجارود والإِسماعيلي من رواية ابن عون عن الشّعبيّ، قال ابن عون في آخر الحديث لا أدري المثل من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو من قول الشّعبيّ.
قلت: لكن تردد ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجًا، لأنّ الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه فلا يقدح شك بعضهم فيه، وكذلك سقوط المثل من بعض الرواة عن الشّعبيّ لا يقدح فيمن أثبته لأنّهم حفاظ، ولعلّ هذا هو السر في حذف البخاريّ قوله:"وقع في الحرام" ليصير ما قبل المثل مرتبطًا به فيسلم من دعوى الأدراج، ومما يقوي عدم الإِدراج رواية ابن حبّان: "اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبيْنَ الْحَرَام سَتْرَةً مِنَ الْحَلَال، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِه، وَمَنْ وَقَعَ كَانَ كَالمُرْتَعِي إلى جَنْب الْحِمَى
…
" الحديث، وكذا ثبوت
(186) عمدة القاري (1/ 293).
المثل مرفوعًا في رواية ابن عبّاس وعمار أَيضًا (187).
قال (ع): ولعلّ هذا هو السر
…
الخ ليس لهذا الكلام معنى أصلًا، ولا هو دليل على منع دعوى الإِدراج لأنّ قوله وقع في الحرام لم يحذفه البخاريّ، وإنّما رواه في هذه الطريق مثل ما سمعه، وقد ثبت عنده في غير هذه الطريق، وكيف يحذف لفظًا مرفوعًا متفقًا عليه لأجل الدلالة على رفع، قيل فيه بالإِدراج.
وقوله: ليصير ممّا قبل المثل مرتبطًا به إن أراد الارتباط المعنوي فلا يصح لأنّ كلا منهما كلام بذاته مستقل، وإن أراد به الإِرتباط اللفظي فكذلك لا يصح (188).
قلت: لا يزال يدفع بالصدر ولا يقيم على ما ينكره دليلًا، وتعجبه من حذف لفظ مرفوع للدلالة لأنّه من تعجب ممّن يجيز الإِختصار من الحديث، وقد عهد ذلك من البخاريّ كثيرًا، وأمّا افتتاح كلامه بدعواه أن ليس للكلام المذكور. معنى، فغايته أنّه لم يفهم المراد منه وما عليّ إذا لم يفهم.
قال (ح): في الكلام على حديث ابن عبّاس في وفد عبد القيس:
قال النووي: كانوا أربعة عشر رجلًا كبيرهم الأشج واسمه المنذر، وقد سمى صاحب التحرير في شرح مسلم منهم ثمانية، أنفس، ثمّ قال: لم أظفر بأسماء الباقين بعد طول التتبع.
قلت: قد ظفرت بهم فذكرهم، وذكر الكتب التي أخرج ذكرهم فيها، ثمّ ذكر حديث مزبدة العبدي قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قال لهم: "سيطلع عليكم من هذا الوجه ركب هم خير أهل المشرق" فقام
(187) فتج الباري (1/ 128).
(188)
عمدة القاري (1/ 302).
عمر فلقي ثلاثة عشر راكبًا فرحب بهم وقرب وقال: من القوم؟ قالوا: وفد عبد القيس.
قلت: وجمع بأن الرّابع عشر كان غير راكب أو كان تخلف عنهم لضرورة، لكن أخرج الدولابي من حديث أبي خيرة الصباحي نسبه إلى صباح بضم المهملة وتخفيف الموحدة بطن من عبد القيس قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا أربعين رجلًا، ويمكن الجمع بأن الثّلاثة عشر كانوا رؤوس الوفد، وبأن وفادتهم كانت مرتين (189).
قال (ع): هذا عجب منه لأنّه لم يسلم التنصيص على العدد المذكور فكيف يوفق بين ثلاثة عشر وأربعين، فقد قال وقع في جملة من الأخبار ذكر جماعة من عبد القيس، فسرد من ذلك اثنين وعشرين رجلًا، فعلم أن التنصيص على عدد معين لم يصح، ولهذا لم يخرجه البخاريّ ومسلم بالعدد المعين (190).
قلت: ومن يكون هذا مبلغ فهمه ماله وللإِعتراض إذا صرح الشارح بأن العدد المعين لم يصح سنده يمتنع أن يقول على فرض الصِّحَّة يجمع بين اختلاف الروايات فيه بكذا، وإذا جمع بين الثّلاثة عشر والأربعين باحتمال أن يكون الزائد على الثّلاثة عشر إتباعًا يمتنع من هذا الجمع التصريح بأسماء اثنين وعشرين نفسًا منهم، أما يكفي دلالة سعة اطلاع هذا الشارح الناشئ عن تبحره في هذا الفن إطلاعه على تسمية نحو الثلاثين. منهم بعد نقل إمام النَّاس الشّيخ محي الدِّين النووي، وقول صاحب التحرير أنّه لم يطلع من أسمائهم إِلَّا على ثمانية أسماء وأنّه بعد التتبع لم يظفر بأسماء الستة
(189) فتح الباري (1/ 130 - 131).
(190)
عمدة القاري (1/ 309).
الآخرين وتقريره على ذلك، وهل يعترض بمثل ما اعترض به هذا الرَّجل إِلَّا ظاهر الحسد أو سيئ الفهم.
قوله: فيه إِلَّا الشهر الحرام وهي رواية مسلم.
قال (ح): وهي من إضافة الشيء إلى نفسه كمسجد الجامع (191)
قال (ع): إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز (192).
قال (ح): قوله:
(191) فتح الباري (1/ 132).
(192)
عمدة القاري (1/ 306).