الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من
189 - باب من رأى أن الله لم يوجب السجود
قوله: وقال الزّهريُّ: لا يسجد إِلَّا إن كان طاهرًا .... الخ.
قال (ح): قيل ليس هذا بدال علي عدم الوجوب لأنّ المدعي يقول: علّق [فعل السجود من القارئ والسامع] علي شرط وهو وجود الطّهارة، فحيث وجد الشرط لزم (910).
قال (ع): هذا كلام واه، كيف ينقله من له وجه إدراك، لأنّ أحدًا هل قال يلزم من وجود الشرط وجود المشروط والشرط خارج عن الماهية، والوجوب وعدم الوجوب يتعلّق بالماهية لا بالمشرط وغايته أنّه إذا ثبت وجوبه يشترط له الطّهارة.
ثمّ قال (ح): والجواب أن موضع التّرجمة من هذا الأثر قوله: فإن كنت راكبًا فلا عليك حيث كان وجهك، لأنّ هذا دليل النفل، إذ الواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن.
قال (ع): كيف يطابق هذا الجواب لقول هذا القائل المذكور وبينهما بعد عظيم يظهر بالتأمل (911).
قوله: وزاد نافع عن ابن عمر قال: إنَّ الله لم يفرض علينا السجود إِلَّا أن نشاء.
(910) فتح الباري (2/ 558).
(911)
عمدة القاري (7/ 109).
قال (ح): هذا مقول ابن جريح والخبر موصول بالإِسناد الأوّل، وقد بين ذلك عبد الرزّاق، قال في مصنفه: عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة، فذكر الأوّل ثمّ قال: قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر.
وكذا رواه الإِسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمَّد عن ابن جريج، وزاد نافع فذكره، وفي هذا رد على الحميدي في زعمه أنّه معلق، وكذا علم عليه المزي علامة التعليق وتبعه الكرماني وهو وهم (912).
قال (ع): هذا القائل هو الذي يرد عليه، وهو الذي وهم، لأنّ الذي زعمه لا يقتضيه رواية عبد الرزّاق لأنّها تشعر بخلاف ما قاله لابن جريج يقول: زادني نافع عن ابن عمر، معناه أنّه زادني على روايتي عن أبي بكر. والمزيد هو قول ابن عمر أي قوله: إنَّ الله عز وجل
…
الخ وهو ينادي بصوت عال أنّه موقوف مثل ما قال الكرماني ومعلق، مثل قال الحافظان الكبيران الحميدي والمزي فبمثل هذا التصرف يتعسف بالرد عليهما (913)
قلت: الدّليل لا يطابق الدعوى، لأنّ النزاع في سند ابن جريج هل علقه البخاريّ أو هو موصول بالإسناد الذي قبله، وليس النزاع في أنّه مرفوع أو موقوف، فقوله: موقوف، مثل ما قال الكرماني حشو مع أنّه وإن كان ظاهره الوقف لكن له حكم الرفع، لأنّ عمر لا يقول: إنَّ الله لم يفرض علينا، معناه لم يفرض علينا على لسان رسوله.
وقوله: معلق مثل ما قال الحافظان تقليد محض وتمسك بالجاه في موضع إقامة الدّليل، فقد ظهر من رواية حجاج بن محمَّد وعبد الرزّاق عن ابن جريج أن هشام بن يوسف عطف رواية ابن جريج عن نافع على رواية ابن جريج عن أبي بكر بن أبي مليكة.
(912) فتح الباري (2/ 559).
(913)
عمدة القاري (7/ 110).
والعجب أن في كلام (ع) ما يدل على تسليم هذا القدر ثمّ حاد عنه لما شرع في الإِعتراض.
قال (ح): وقول عبد الزراق في رواية أنّه قال: الضمير في أنّه لعمر أشار إليه التّرمذيّ في جامعة بحيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم (914).
قال (ع): لم يجزم التّرمذيّ بذلك ولا ذكر ما زاده نافع لابن جريج، وإنّما لفظ التّرمذيّ: احتجوا بحديث عمر أنّه قرأ سجدة على المنبر فنزل فسجد، ثمّ قرأها في الجمعة الثّانية، فتهيأ النَّاس للسجود، فقال: لم تكتب علينا إِلَّا أن نشاء فلم يسجد، فلينظر من له بصيرة وذوق من دقائق تركيب الكلام هل تعرض التّرمذي إلى زيادة نافع عن ابن عمر، أو ذكر أن الضمير لعمر؟ لو كان قال مثل ما روى نافع عن ابن عمر، ذكر التّرمذيّ عن عمر مثله لكان له وجه (915).
قال (ح): واستدل بقوله: لم يفرض علينا على عدم وجوب سجدة التلاوة، وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب، وتعقب بأنّه اصطلاح لهم حادث وهو أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي والواجب ما ثبت بدليل ظني، وما كان الصّحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر بعد: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن نفي الإِثم عن ترك الفعل مختار يدلُّ على عدم وجوبه (916).
قال (ع): نحن نقول أيضًا: لم يفرض علينا ولكنه واجب، وأمّا التعقب فلا نسلم أنّه اصطلاح حادث، فكيف يقال إنّه حادث وأهل اللُّغة
(914) فتح الباري (2/ 559).
(915)
عمدة القاري (7/ 111).
(916)
فتح الباري (2/ 559).
قد فرقوا بين الفرض والواجب، ومنكر هذا معاند ومكابر، والأحكام الشرعية إنّما تؤخذ من الألفاظ اللغوية.
وأمّا قوله: وما كان الصّحابة يفرقون، سوى دعوى بلا برهان، والصحابة هم كانوا أهل اللُّغة والتصرف في الألفاظ العربيّة، وهذا القول فيه نسبة الصّحابة إلى عدم المعرفة بلغات لسانهم.
وأمّا قوله: فيغني عن هذا. . . . . . الخ فقد أجبنا عنه بأن المراد لا إثم عليه في تأخيره عن وقت السماع كذا (917).
قال (ح) واستدل بقوله: إِلَّا أن نشاء أن المراد فخير بين السجود وعدمه فيكون ليس بواجب، وأجاب من أوجبه بأن المعنى إِلَّا أن نشاء قراءتها، فيجب ولا يخفى بعده، ويرده قول عمر في رواية الموطأ لم يكتبها علينا إِلَّا أن نشاء. وقرأها ولم يسجد ومنعهم.
وقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه (918).
قال (ع): لا شك أن مفعول من نشاء محذوف فيحتمل السجدة ويحتمل القراءة فلا ترجيح إِلَّا بمرجح، كذا قال (919).
(917) عمدة القاري (7/ 111).
(918)
فتح الباري (2/ 559).
(919)
عمدة القاري (7/ 111).