الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
49 - باب من حمل معه الماء لطهوره
بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوسادة؟ وحديث أِنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا إداوة من ماء.
وإيراد المصنف لهذا الطريق من حديث أبي الدرداء مع حديث أنس يشعر اشعارًا قويًا بأن الغلام المذكور في حديث أنس وابن مسعود، ولفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازًا، وعلى هذا فقول أنس: منا، أي من الصّحابة أو من خدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم (329).
قال (ع): فيما قاله محذوران:
أحدهما: إرتكاب المجاز من غير داع.
فالآخر: مخالفته لما ثبت في صريح رواية الإِسماعيلي حيث قال من الأنصار ومن أقوى ما يرد به كلامه أن أنسًا وصف الغلام بالصغر في رواية أخرى، فكيف يصح أنّه ابن مسعود؟! (330).
قلت: لا يرد شيءٌ ممّا ذكره إذ ليس في العمل على المجاز محذور، ونفي الداعي مردود، فإنّه موجود لتصحيح الكلام إذا أثبت أبو الدرداء أن ابن مسعود صاحب المطهرة، وقد وصل المصنف الحديث بلفظ صاحب النعلين والوسادة والمطهرة، فإذا جزم أبو الدرداء بأن ابن مسعود صاحب المطهرة،
(329) فتح الباري (1/ 252).
(330)
عمدة القاري (2/ 292).
وقال أنس: غلام منا كان يحمل الإِداوة فيها الماء ليستنجي بها. كان الظّاهر أنّه هو المراد، فإن قيل: لم يكن حينئذ غلامًا، أجيب بأنّه أطلق عليه ذلك مجازًا ومثل هذا شائع سائغ ولا تمسك في رده برواية الإِسماعيلي، فلا مانع من وصف ابن مسعود بأنّه من الأنصار بالمعنى الأعم لأنّه من جملة من نصر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمّا وصفه بالصغر فقد ذكره وأجاب عنه.
والعجب أن [هذا] الشارح أورد ما اعترض عليه وأجاب عنه فحذفه المعترض للتشنيع عليه، ونص كلام الشارح، وصاحب النعلين في الحقيقة هو النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأطلق أبو الدرداء ذلك على ابن مسعود مجازًا لملازمته لحملهما، وكذلك القول في المطهرة ويتأيد دعوى المجاز في قوله غلام بالحديث الذي فيه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود بمكة وهو يرعى الغنم، قال له:"عِلْمي أَنَّكَ لَغُلَامٌ مُعَلَّمٌ" وتقدم ذكر قول الزمخشري في أساسُ البلاغة أنّه يقال للشاب غلام إلى أن يلتحي، ولعلّ ابن مسعود كان أبطأ نبات لحيته، وكان ابن مسعود نحيف الجسم قصير القامة، فلعلّه وصفه بالصغر لذلك إن ثبتت الرِّواية، وقد جوز الشارح أن يكون المراد بالغلام أبو هريرة، وذكر الخبر الوارد فيه فأخذه المعترض أيضًا ونسبه لنفسه، ثمّ تعقبه بأنه ليس من الأنصار، وألحق الشارح بعد ذلك ما يدلُّ على أنّه جائز وهو أنصاري، وكان في ذلك الوقت غلامًا حقيقة من أقران أنس، ولم يقف على ذلك المعترض ولله الحمد (331).
قال (ح) في الكلام على:
(331) فتح الباري (1/ 251 ، 252) وعمدة القاري (2/ 292).