الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
66 - باب من لم ير الوضوء إِلَّا من المخرجين
لقول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (392).
قال (ع): نحن نسلم ذلك لكن دعواه الحصر على الخارج مردودة (393).
قلت: لم يدع الحصر وإنّما فصل أسباب النقض كما سيتضح.
قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
قال (ح): هذا دليل الوضوء من الملامسة (394).
قال (ع): الملامسة كناية عن الجماع، ثمّ ذكر كلام من فسر الآية بذلك (395).
قلت: هذا لا يرد على (ح) لأنّ (ع) يظن أن (ح) يوافق على ما تضمنته التّرجمة وليس كذلك، بل خالف ظاهرها وأي عبارة غير صريحة في المخالفة، وحاصل كلامه ليس في الجملة الأولى حصر بدليل الثّانية، وإنّما تضمنت الآية الأمر بالوضوء من الخارج ومن الثّلاثة.
ثم قال (ح): وفي معنى الأمر بالوضوء من الملامسة مس الذكر (396).
(392) كأنما سقط في النسختين قول الحافظ ابن حجر الذي رد عليه العيني فقد قال الحافظ في الفتح (1/ 280) فهذا دليل الوضوء ممّا يخرج من المخرجين.
(393)
عمدة القاري (3/ 47).
(394)
فتح الباري (1/ 280).
(395)
عمدة القاري (3/ 47).
(396)
فتح الباري (1/ 280).
قال (ع): هذا أبعد من الأوّل فإن الحديث وإن كان صحيحًا فلنا أحاديث تدفعه (397).
قوله: وقال جابر بن عبد الله، وإذا ضحك في الصّلاة أعاد الصّلاة ولم يعد الوضوء.
قال (ح): قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك لا ينقض خارج الصّلاة، واختلفوا إذا وقع فيها، فخالف من قال بالنقض القياس، وتمسكوا بحديث لا يصح، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
على أنّهم لم يأخذوا بعموم الخبر مع صحة الحديث المروي في الضحك بل خصوه بالقهقهة (398).
قال (ع): هذا القائل أعجبه الكلام المشوب بالطعن على من قال بالنقض من الأئمة، فأقره وفساده ظاهر، لأنّ الأصل التمسك بالأمر، فمن ترك القياس لأجل الأمر لا يذم.
وقوله: إنّه لا يصح غير مسلم لأنّ الأحاديث وإن كان فيها وهنًا إذا تعددت طرقها تتعاضد وأيضًا ضعف الراوي من المخالف لا يضر مخالفة.
وأمّا قوله: فحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الخ فهو تشنيع مردود، لأنّ من جملة من كان يصلّي خلفه صلى الله عليه وسلم بعض المنافقين والأعراب الذين لم يتفقهوا في. الدِّين هذا مع كون الضحك في الصّلاة ليس من الكبائر سلمنا لكنهم غير معصومين.
قال: وأمّا قول (ح): لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضحك. . .
(397) عمدة القاري (3/ 57).
(398)
فتح الباري (1/ 280 - 281).
الخ هو كلام من لا ذوق له من دقائق التركيب، وكيف لم يأخذوا بمفهوم الخبر المروي في الضحك، ولو لم يأخذوا ما قالوا الضحك يفسد الصّلاة ولم يخصوه بالقهقهة، فإن لفظ القهقهة ذكر صريحًا في حديث ابن عمر، وجاء بلفظ القرقرة في حديث عمران بن حصين، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا (399).
قلت: يكفي في التعقيب عليهم دعواه الشهرة في هذا الخبر، والواقع أن التقييد فيه بالقهقهة قيد غريب، ومن قواعدهم أيضًا إبقاء العام على عمومه والعمل بكل فرد سواء كان خاصًا أو عامًا ولم يقولوا به هنا.
قوله: ويذكر عن جابر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان في غزوة فرمى رجل منهم بسهم فنزل الدّم فركع وسجد ومضى في صلاته.
قال الكرماني: ذكره البخاريّ بصيغة التّمريض لأنّه غير مجزوم به.
وقال (ح): لم يجزم به لكونه اختصره (400).
قال (ع): هذا أبعد من تعليل الكرماني فإن الاختصار لا يستلزم أن يكون بصيغة [التّمريض](401).
قلت: والصواب فيه أن يقال: لأجل الاختلاف في محمَّد بن إسحاق.
قلت: أخذ كلام (ح) فادعاه أوَّلًا، ثمّ لما وصل إلى قوله: لم يجزم لكونه مختصرًا ساقه حذف بعض كلامه، واقتصر على ما ظن أنّه يتعقب الذي أورده (ح) إلى أن قال: وشيخه يعني صدقة شيخ ابن إسحاق ثقة، وعقيل شيخ صدقة لا أعرف راويًا عنه غير صدقة، فلهذا لم يجزم به المصنِّف أو لكونه اختصره أو للخلاف في ابن إسحاق. انتهى.
(399) عمدة القاري (3/ 49).
(400)
فتح الباري (1/ 281).
(401)
عمدة القاري (3/ 50).
وإنكار (ع) أن يراد مختصرًا يقتضي إيراده بغير صيغة الجزم كلام من لا أنس له بعلم الحديث، قد نصّ عليه أمام الحديث في زمانه وهو شيخ هذا المنكر في كتابه الذي نكت به على ابن الصلاح.
قوله: ومضى في صلاته، قيل احتج به من قال: أن الدم لا ينقض الوضوء إذا خرج من غير السبيلين وإلا لفسدت صلاة الأنصاري لما نزفه الدم، فلو كان أحدث بذلك لم يجز له أن يركع ويسجد.
إلى أن قال: وقال الخطابي: لست أدري كيف يصح الاستدلال والدم إذا أصيب البدن أو الثّوب فلا يصح صلاته.
قال (ح): ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم فالظاهر أن البخاريّ كان يرى أن خروج الدم في الصّلاة لا يبطلها بدليل أنَّه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم (402).
قال (ع): هذا أعجب عن العقل كيف يجوز أن ينسب إلى البخاريّ هذا من غير دليل قوي، لأنّه لا يلزم من الصّلاة في الجراحات أن يكون الدم خارجًا، لأنّ الجراحة قد تكون معصبة ومربوطة ومع ذلك لو خرج شيءٍ من الدم لا يفسد الصّلاة إذا لم يكن يسيل، وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن أنّه كان لا يرى الوضوء من الدم إِلَّا ما كان سائلًا (403).
قلت: احتجاجه بهذا نظير احتجاج غيره بنقض الوضوء بالقهقهة من أن الخبر مشهور لوروده في الضحك، وقد عاب لذلك ليلزمه أن يرجع عن ذلك فأول راض ستره من يسترها.
قوله فقال رجل أعجمي: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت،
(402) فتح الباري (1/ 281).
(403)
عمدة القاري (3/ 50).
يعني الضرطة، وذكر بعده حديث عبد الله بن زيد: لا ينصرف حتّى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا.
قال (ح): أورد البخاريّ هذا الحديث هنا لظهور دلالته عل حصر النقض بما يخرج من السبيلين (404).
قال (ع): الحديث الثّاني سئل فيه عما يقع في الصّلاة فكان الجواب مطابقًا للسؤال، لأنّ تلك لا يوجد الحدث غالبًا إِلَّا بأحدهما، ولا يؤخذ من هذا حصر النقض بما يخرج من السبيلين، فالقائل إن كان أراد نصرة البخاريّ وتوجيه هذا الحديث في هذا الباب بما ذكره فليس بشيء (405).
قوله في حديث أبي سعيد: "إذَا أُعْجِلْتَ أُوْ قَحَطْتَ فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ".
قال (ح): يعني أنّ غندرًا وهو محمَّد بن جعفر، ويحيى وهو ابن سعيد القطان رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد والمتن لم يقولا فيه:"عَلَيْكَ الْوُضُوءُ" وأمّا يحيى فهو كما قال قد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه: فليس عليك غسل.
وأمّا غندر فقد أخرجه أيضًا في مسنده عنه لكنه ذكر الوضوء ولفظه: "فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ".
وهكذا أخرجه مسلم وابن ماجه والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عنه، وكذا ذكره أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه، وكأن بعض أصحاب البخاريّ حدثه به عن يحيى وغندر معًا، فساقه له على لفظ يحيى والله أعلم (406)
(404) فتح الباري (1/ 283).
(405)
عمدة القاري (3/ 54).
(406)
فتح الباري (1/ 285)
قال (ع): قال الكرماني، قوله: لم يقل هو من كلام البخاريّ وغندر هو محمَّد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان ولم يقل فيه الوضوء بل قال: فعليك بحذف المتبدأ جاز ذلك لقيام القرينة عليه، والمقدر كالملفوظ، وقال بعضهم، فساق كلام (ح) بتمامه ثمّ قال: أمّا كلام الكرماني فلا وجه له، فإن قوله: عليك لا يتعين أنّ يكون المحذوف الوضوء بل يحتمل الغسل ويحتمل الوضوء، والاحتمال الأوّل غير صحيح لأنّ رواية يحيى في مسند أحمد التصريح بقوله:"فَلَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ".
والاحتمال الثّاني هو الصّحيح لأنّ في رواية غندر: "عَلَيْكَ الْوُضوءُ" فحينئذ قوله: لم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء معناه لم يذكر لفظ: "عَلَيْكَ الْوُضُوء، وهذا كما رأيت في رواية أحمد عن يحيى ليس فيها: "عَلَيْكَ الْوُضُوءُ"، وإنّما لفظه: "فَلَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ".
فإن قلت: كيف قال البخاريّ: لم يقولا عن شعبة الوضوء فهذا في رواية غندر ذكر "عَلَيْكَ الْوُضُوءُ".
قلت: كأنّه سمع من بعض مشائخه أنّه حدثه عن يحيى وغندر كلاهما فساق شيخه له على لفظ يحيى ولم يسقه على لفظ غندر هذا تقرير ما قاله بعضهم، ولكن فيه نظر على ما لا يخفى (407).
قوله:
(407) عمدة القاري (3/ 59).