الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب من قال إنَّ الإيمان هو العمل لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
قال (ح): قال النووي بعد أن حكى ما ذكره البخاريّ في قوله تعالى: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الآية وجه آخر وهو المختار والمعنى: "لَنَسْأَلَنَّهُمْ" عن أعمالهم كلها الّتي يتعلّق بها التكليف، وقول من خصه بلفظ التّوحيد دعوى لا دليل عليها فلا تقبل، وأمّا الحديث الذي أخرجه التّرمذيّ عن أنس فهو ضعيف (86).
قلت: لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله: "أجمعين" بعد أن تقدّم ذكر الكفار إلى قوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} فيدخل فيه الكافر والمسلم، فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف، بخلاف باقي الأعمال ففيها الخلاف، فمن قال إنهم مخاطبون يقول إنهم مسؤولون عن الأعمال كلها، ومن قال إنهم غير مخاطبين يقول: إنّما يسأل عن التّوحيد فقط، فالسؤال عن التّوحيد متفق عليه، فهذا دليل التخصيص فحمل الآية عليه أولى بخلاف العمل على جميع الأعمال لما فيه من الاختلاف (87).
قال (ع): هذا القائل قصد بكلامه الرَّدِّ على النووي ولكنه تاه في كلامه، فإن النووي لم يقل بنفي التخصيص لعدم التعميم في الكلام وإنّما
(86) شرح النووي على على صحيح البخاريّ (ص 168 - 169).
(87)
فتح الباري. (1/ 78).
قال: دعوى التخصيص بلا دليل خارجي لا يقبل، وإنّما قال ذلك لأنّ الكلام عام في السؤال عن التّوحيد وغيره، فمن خصه بالتوحيد يحتاج إلى دليل، فإن استدلوا بالحديث فهو ضعيف، وهذا القائل فهم أن النزاع إنّما هو من جهة التعميم في قوله {أَجْمَعِينَ} وليس كذلك، وإنّما هو في قوله {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فإن العمل هنا أعم من أن يكون توحيدًا أو غيره، وتخصيصه بالتوحيد تحكم، قوله: فيدخل فيه المسلم والكافر غير مسلم، لأنّ الضمير في قوله:{لَنَسْأَلَنَّهُمْ} يرجع إِلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} وهم ناس مخصوصون، ولفظ {أَجْمَعِينَ} وقعت تأكيدًا للضمير المذكور في النِّسْبَةِ مع الشمول في أفراده المخصوصين ثمّ تعليل هذا القائل، فإن الكافر
…
الخ ليس له دخل في صورة النزاع على ما لا يخفى (88).
قلت: لا يخفي ما في كلامه من الخبط والتحامل ودعواه أن الضمير في "لَنَسْألَنهُمْ" للمستهزئين مردود بل هو راجع إلى المشركين المذكِورين في قوله {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} فذكر المستهزئين وقع استطرادًا، وفائدته التحريض على امتثال الأمر بالصدع المأمور به.
قوله: سئل أي العمل أفضل؟ قال: "إيمَانٌ باللهِ وَرَسُولهِ" قيل: ثمّ ماذا؟ قال: "الْجِهَادُ في سبيلِ اللهِ" قيل: ثمّ ماذا؟ قال: "حَجٌ مَبرُورٌ".
قال الكرماني: الإيمان لا يتكرركالحج، والجهاد قد يتكرر، والتّنوين ليس للإفراد الشخصي (89) والتعريف للكمال لأنّ الجهاد لو وقع مرّة ثمّ احتيج إليه فلم يقع لم يكن أفضل.
(88) عمدة القاري (1/ 185) وفي عمدة القاري "ثمّ تفريع هذا القائل" بدل ثمّ "تعليل هذا القائل".
(89)
كذا في النسخ الثلاث والذي في الفتح وعمدة القاري فالتنوين للافراد الشخصي وهو الصواب.
قال (ح). فيه نظر لأن من جملة وجوه التنكير التعظيم وهو يفيد الكمال، ومن جملة وجوه التعريف العهد وهو يعطي الإِفراد الشخصي فلم يسلم الفرق، وقد أخرج الحديث الحارث ابن أبي أسامة عن إبراهيم بن سعد بسند البخاريّ فيه ولفظه "ثُمَّ جهادٌ" فوافى بين الثّلاثة في التنكير، فظهر أن التنكير والتعريف فيه من تصرف الرواة (90).
قال (ع). هذا التعقيب فاسد لأنّه لا يلزم من أن التعظيم من جملة وجوه التنكير أن يكون دائمًا للتعظيم إلى آخر كلامه الذي من تأمله عرف قصوره وإقدامه على الدفع بالصدر إلى غير ذلك (91).
(90) فتح الباري (1/ 78) ومبتكرات اللآلي والدرر (ص 28 - 29).
(91)
عمدة القاري (1/ 188 - 189).