الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب الصّلاة من الإِيمان
قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يعني صلاتكم عند البيت إلى أن قال: قال النووي: هذا مشكل فإن المراد صلاتكم إلى بيت المقدس، وهذا مراده فتناول كلامه عليه.
قلت: يحتمل أن يكون مراده بقوله: عند البيت إلى البيت ويراد به بيت المقدس أو يراد به الكعبة فإن صلاتهم كانت إلى بيت المقدس والكعبة بينهم وبين بيت المقدس.
قيل: إنَّ فيه تصحيفًا والصواب يعني صلاتكم لغير البيت، ولا تصحيف فيه عندي بل هو الصواب الموجه، فإن العلماء اختلفوا في الجهة الّتي كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي إليها وهو بمكة، فقيل: كان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وأطلق آخرون أنّه كان يصلّي إلى بيت المقدس، وقيل: إنّه كان يصلّي وهو بمكة إلى الكعبة، فلما تحول إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس، وهذا ضعيف إذ يلزم منه النسخ مرتين والأول أصح لأنّه يجمع القولين، وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عبّاس.
كأن البخاريّ أشار إلى الجزم بالأصح من أن الصّلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس (139).
قال (ع): هذه اللفظة ثابتة في الأصول ومعناها صحيح غير أنّه واقع
(139) فتح الباري (1/ 96) وشرح النووي على صحيح البخاريّ (ص210).
فيها حذف والتقدير يعني صلاتكم إلى بيت المقدس عند البيت. انتهى (140).
فحكى كلام (ح) ثمّ ادعى حذفًا، والأصل عدم الحذف، ثمّ اعترض بأن قول من قال فيه تصحيف غلط، قال ولو كان الذي حكاه يعرف ما هو التصحيف لم يقل ولا تصحيف فيه، بل كان يقول: ليس هذا تصحيفًا، بل نقل كلام الصغاني في تعريف التصحيف لفظة بلفظة ثمّ قال: ومن لم يعرف معنى التصحيف كيف في يجيب عنه بالتحريف (141).
قلت: مراد القائل أن فيه تصحيفًا أن لفظة غير تصحفت بلفظ عند وتعريف التصحيف بأنّه تغيير لفظ بلفظ ناقص بل لا بد من زيادة تخصيص وهو بلفظ يقاربه في الخط وإلا لكان كلّ لفظ تغير بلفظ ولو لم يكن فيه حرف من حروفه يسمى تصحيفًا وليس كذلك عرفًا، فعرفت أنّه هو الذي ما عرف ما المراد بالتصحيف هنا لا تصويرًا ولا تعريفًا.
قال (ح): في الكلام على حديث البراء في تحويل القبلة فداروا كما هم قبل، أي قبل البيت الذي بمكة ولهذا قال: فداروا كما هم قبل البيت و (ما) موصولة، والكاف للمبادرة.
وقال الكرماني: للمقارنة وهم مبتدأ خبره محذوف (142).
قال (ع) لم يقل أحد أن الكاف للمقارنة، ثمّ نقل كلام صاحب المغني في معاني الكاف فأطال ثمّ قال: يحتمل وجهين أن يكون للإِستعلاء والتقدير، فداروا عِلى ما هم عليه، والثّاني: للمبادرة، أي فداروا مبادرين في الحال، والأول أحسن (143).
(140) عمدة القاري (1/ 140).
(141)
عمدة القاري (1/ 240 - 241).
(142)
فتح الباري (1/ 97).
(143)
عمدة القاري (243).
وأقول. كيف يكون أحسن والثّاني يستلزم الأوّل من غير عكس، ثمّ دعواه بنفي ورودها للمقارنة ممتنعًا حجة لفظية لأنّ المراد بالمقارنة أنّهم داروا مبادرين لم يتشاغلوا بأمر آخر وهذا عين المقارنة.
قال (ح): في قوله في هذا الحديث أيضًا، وكان اليهود أعجبهم إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فاعل أعجبهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأهل الكتاب بالرفع عطفًا على اليهود، وهو من عطف العام على الخاص.
وقيل: المراد النصارى لأنّهم من أهل الكتاب وفيه نظر، لأنّ النصارى لا يصلون لبيت المقدس فكيف يعجبهم.
وقال الكرماني: كان إعجابهم بطريق التبعية لليهود.
قلت: وفيه بعد لأنّهم أشد عداوة لليهود فكيف يتبعونهم ويحتمل أن يكون بالنصب والواو بمعنى مع أي يصلّي مع أهل الكتاب إلى بيت المقدس (144).
قال (ع): قوله: وأهل الكتاب بالرفع على قوله اليهود، فهو من قبيل عطف العام على الخاص لأنّ أهل الكتاب يشمل اليهود والنصارى وغيرهما ممّن يتعبد بكتاب منزل.
وقال الكرماني: أو المراد به النصارى فقط من عطف خاص على خاص.
قال بعضهم: فيه نظر لأنّ النصارى لا يصلون لبيت المقدس.
قلت: سبحان الله إنَّ هذا عجيب شديد كيف لم يتأمل هذا كلام الكرماني بتمامه حتّى نظر فيه فإنّه قال: لما أراد به النصارى فقط، قال: وجعلوا تابعة لأنّه لم تكن قبلتهم بل إعجابهم كان بالتبعية لليهود على أن
(144) فتح الباري (1/ 97).
نفس عبارة الحديث تشهد بإعجاب النصارى أيضًا، لأن قوله وأهل الكتاب إذا كان عطفًا على اليهود يكونون داخلين فيما وصف بهم اليهود والنصارى من جملة أهل الكتاب فهم أيضًا داخلون فيه وإلا ظهر أن يكون أهل الكتاب بالنصب والواو بمعنى مع، وهذا الوجه يدخل فيهم النصارى أيضًا لأنّهم من أهل الكتاب (145).
قلت: لم يقل (ح) أن النصارى لم يكونوا في أهل الكتاب، ولا صرح بإخراجهم بل كلامه ظاهر في إدخالهم، ولا صرح أيضًا بنفي إعجابهم، بل نظر على الإطلاق لا سيما وقد جعلهم الكرماني تبعًا، إذ لا يلزم من إعجابهم بصلاته إلى غير الكعبة أن يكونوا في ذلك تبعًا لليهود بل اعجاب اليهود من وجهين:
أحدهما: مخالفته لقبلة إبراهيم عليه السلام مع قوله إنّه على ملة إبراهيم.
ثانيهما: موافقته لهم في قبلتهم وإعجاب النصارى من الجهة الأولى فقط، فطاح جميع ما اعترض وانقلب عجبه ممّن تقدّم عَجَبًا مِنْهُ، ثمّ أنّه لا يبالي أن يأخذ كلام السابق أولًا وآخرًا فيدعيه لنفسه ثمّ يتعقب منه ما يظن أنّه متعقب والله المستعان.
قال (ح): في قول البخاريّ عقب حديث البراء قال -وهو حدّثنا أبو إسحاق عن البراء- في حديثه هذا أنّه مات على القبلة قبل أن تحول رجال الحديث.
قوله: قال زهير، أي ابن معاوية بالإسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته في الموصول، وإثبات حرف العطف في المعلق، ووهم من قال: أنّه
(145) عمدة القاري (1/ 244).
معلق، وقد ساقه المصنف في التفسير عن أبي نعيم عن زهير مع جملة الحديث سياقًا واحدًا (146).
قال (ع): قال الكرماني: يحتمل أن البخاريّ ذكره على سبيل التعليق منه، ويحتمل أن يكون داخلًا تحت حديثه السابق.
وقال بعضهم: وهم من قال إنّه معلق، فإن المصنف ساقه في التفسير مع الحديث مساقًا واحدًا.
قلت: أمّا الكرماني فإنّه جوز، وأمّا القائل المذكور فإنّه جزم بأنّه مسند ووهم من قال: إنّه معلق، وهذا هو الواهم لأن صورته صورة المعلق بلا شك، ولا يلزم من سوقه في التفسير جملة واحدة سياقًا واحدًا أن يكون هذا موصولًا وهذا ظاهر لا يخفى. انتهى (147).
وهذا ممّا يتعجب منه جدًا فإن (ح) ما وَهَّمَ كلام من جوز لقيام الاحتمال وإنّما وهم الكلام من جزم فإنّه معلق فكيف يتوجه عليه الإِعتراض ثمّ قوله: لا يلزم
…
الخ كلام من لا يعرف إصطلاح المحدثين في مثل هذا وقد نسي ما ذكره هنا وأثبت ما نفاه بعد قليل حيث قال: قول البخاريّ:
وقال مالك: عن زيد بن أسلم
…
الخ هذا تعليق بلفظ جازم فهو صحيح.
وقال ابن حزم: إنّه قادح في الصِّحَّة لأنّه منقطع، وليس كما قال لأنّه موصول من جهات أخر (148).
قال. (ح): فانظر وتعجب!! في بقية الكلام على الحديث المذكور.
قوله: إنّه مات على القبلة: أي قبلة بيت المقدس قبل أن تحول رجال
(146) فتح الباري (1/ 98).
(147)
عمدة القاري (1/ 248).
(148)
عمدة القاري (1/ 2250).
وقتلوا، ذكر القتل لم أره إِلَّا في رواية زُهَيْر إلى أن قال: والذين ماتوا بعد فرض [الصّلاة] وقبل تحويل القبلة من المسلمين عشرة أنفس، إلى أن قال: ولم أجد في شيءٍ من الأخبار أن أحدًا من المسلمين [قتل] قبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة حمل على أن بعض المسلمين ممّن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط إسلامه [اسمه] لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك ثمّ وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في إسلامه وهو سُوَيْد بن الصامت، فقد ذكر ابن إسحاق أنّه لقي النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يلقاه الأنصار في العقبة فعرض عليه الإسلام فقال: إن هذا القول حسن فانصرف إِلى المدينة فقتل بها في وقعة بعاث وكانت قبل الهجرة، وكان قومه يقولون: لقد قتل وهو مسلم، فيحتمل أن يكون هو المراد. انتهى (149).
وقال (ع): قوله على القبلة قبل أن تحول إِلى أن قال: والذين ماتوا على القبلة المنسوخة قبل تحويلها إلى الكعبة عشرة أنفس، فنقل كلام (ح) بلفظه ثمّ قال: فإن قلت: كلامه يشعر بقتل رجال قبل تحويل القبلة وليس بشيء لأنّه لم يعرف قط في الأخبار أن أحدًا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة على أن لفظ وقتلوا لا يوجد في غير رواية زهير وإنّما في غيرها ذكر الموت فقط فيحتمل أن تكون هذه غير محفوظة.
وقال بعضهم: فإن كانت محفوظة فيحمل أن بعض المسلمين ممّن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط اسمه لقلة الإعتناء بالتاريخ إذ ذاك.
فساق كلام (ح) بعينه إِلى قوله: فيحتمل أن يكون هو المراد، ثمّ قال: فيه نظر من وجوه:
(149) فتح الباري (1/ 98).
الأوّل: أن هذا الحكم بالإِحتمال فلا يصح.
الثّاني. قوله لقلة الإِعتناء بالتاريخ إذ ذاك ليس كذلك فكيف اعتنوا بضبط [أسماء] العشرة الميِّتين ولم يعتنوا بضبط الذين قتلوا، بل الاعتناء بالمقتولين أولى، لأنّ لهم مزية على غيرهم.
الثّالث: أن الذي وجده في المغازي لا يصلح دليلًا لتصحيح اللّفظ المذكور، لأنّ الرَّجل لم يتفق على إسلامه، ولأن قوله: وقتلوا بصيغة الجمع يدلُّ على أن المقتولين جماعة وأقلها ثلاثة أنفس وهذا واحد.
الرّابع: أن وقعة بعاث كانت في الجاهلية كما قال الصغاني، ولم يكن في ذلك الوقت إسلام، فكيف يستدل يقتله في بعاث على أن قتله كان في وقت كون القبلة هو بيت المقدس فهذا ليس بصحيح. انتهى قول المعترض (150).
فأمّا قوله: هذا حكم بالإِحتمال فمردود لأنّه لم يحكم بذلك بل ذكره احتمالًا.
وقوله: في رد كونهم لم يعتنوا بالتاريخ لا يساوي سماعه لأنّ الذين نسب عليهم قلة الاعتناء ما اعتنوا بضبط أسماء العشرة، وإنّما اعتنى به المتأخرون الذين اعتنوا بالتاريخ فتتبعوهم من أنباء الأخبار الواردة في السيرة النبوية، وانظر هل نرى ذكرهم مجموعًا في شيءٍ من كلام المتقدمين في عهد الصّحابة وكأنّه ما تأمل.
قوله إذ ذاك فإنّه مفهومه أن الاعتناء بالتاريخ وقع بعد ذلك فهو كذلك.
(150) عمدة القاري (1/ 249).
وقوله: ان الذي وجده لا يصح لأنّ الرّجل لم يتفق على إسلامه فجوابه أن ذلك لا يمنع الاحتمال.
وقوله: يدلُّ على أن المقتولين جماعة وأقلها ثلاثة لا يمنع لأن اللّفظ صالح إذا أريد التوزيع فيكون تقدير الكلام ومات وقتل رجال فيصح أن يكون من مات أكثر ممّن قتل وبالعكس، ولو كان أحد الشقين واحدًا أو إثنان.
والذي بني على قول الصغاني أن وقعة بعاث كانت في الجاهلية إن وقت قتل سُوَيْد لم يكن في ذلك الوقت إسلام خطأ نشأ عن قلة فهم لأن الجاهلية تطلق ويراد بها قياس قبل البعثة، وتطلق ويراد بها ما قبل الإسلام من يحكي عنه.
والثّاني هو المراد هنا ودليله أن نفس القصة المذكورة عن ابن إسحاق أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرض على سُوَيْد الإسلام فانتفى أن يكون وجوده قبل الإِسلام وبالله التوفيق.
قال (ح) في الكلام على فوائد حديث البراء المذكور وفيه بيان ما كان في الصّحابة من الحرص على دينهم والشفقة على إخوانهم، وقد وقع لهم نظير هذه المسألة لما نزل تحريم الخمْر كما صح عن حديث البراء فنزلت {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا
…
} إلى قوله: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقوله: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} ، ولملاحظة هذا المعنى عقب المصنف هذا الباب بقوله: باب حسن إسلام المرء (151).
(151) فتح الباري (1/ 98).
قال (ع): بعد أن نقل هذا كله منسوبًا لبعضهم انظر يا هذا هل ترى له تناسبًا لوجه المناسبة بين البابين (152).
قلت: يوضح وجه المناسبة أن الصّحابة لما أشفقوا على إخوانهم الذين ماتوا قبل تحويل القبلة بينت الآية أن كلا من الطائفتين مستحسن في عمله، أمّا الذين ماتوا فلطاعتهم وعملهم بما أمروا به، وأمّا الذين تعبوا فلإشفاقهم عليهم، ولما ذكر الإِحسان في العمل فناسب أن يعقبه بما ليس أحسن في عمله من الثّواب فمن تخفى عليه هذه المناسبة له وللاعتراض ولا سيما بهذا التركيب القلق، على أن (ح) قد أشار إلى هذا في آخر كلامه، فقال بعد قول إسلام المرء فذكر الدّليل على أن المسلم إذا فعل الحسنة أثيب عليها بما ذكر، فحذف (ع) هذا القدر وشرع في الإِعتراض والله الموفق.
قال (ع) في الكلام على حديث أبي سعيد الخدري: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه بضم الراء، لأنّ إذا وإن كانت من أدوات الشرط لكنها لا تجزم عند الجمهور (153).
قال (ع): هذا كلام [من] لم يشتم شيئًا من العربيّة، وقد قال الشاعر:
استغن ما أغناك ربك بالغنى
…
وإذا تصبك خصاصة فتحمل
قال: فجزم تصبك (154).
قلت: لم يدع إجماعًا.
قوله: في أول الحديث: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه.
(152) عمدة القاري (1/ 249).
(153)
فتح الباري (1/ 99).
(154)
عمدة القاري (1/ 251).
قال (ح) في فوائده: فيه الرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإسلام من قوله فحسن إسلامه، لأنّ الحسن تتفاوت درجاته (155)
قال: هذا كلام ساقط لأنّ الحسن وصف ولا يلزم من قابلية الوصف الزيادة والنقصان قابلية الموصوف، كذا قال (ع)(156).
وقال (ح): في الكلام على. قوله: "أَحَبُّ الدِّين إلى اللهِ أَدوَمُهُ" مراد المصنف الإِستدلال على أن الإِيمان يطلق على الأعمال، لأنّ المراد بالدين هنا العمل الصالح، والدين الحقيقي هو الإسلام، والإِسلام الحقيقي مرادف الإِيمان، فيصح بهذا مقصودة ومناسبته لما قبله من قوله:"عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ" لأنّه لما قدم أن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب بل المطلوب استمراره بعد ذلك (157).
قال (ع): فيه نظر من وجوه:
الأوّل: أن قوله: مراد المصنف إلى قوله على الأعمال، غير صحيح لأنّ الحديث ليس فيه ذلك، والاستدلال بالتوحيد ليس باستدلال يقوم به المدعى، لأنّ قوله في الحديث:"أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ" أي إلى الله، ما داوم عليه صاحبه ليس المراد بالدين في الحديث الدين، وإنّما المراد به الطّاعة، فإن لفظ الدين مشترك بين معاني كثيرة.
قلت: سياق هذا الكلام يغني عن تكلف الرد عليه.
ثمّ قال: الثّاني: قوله: الإسلام الحقيقي مرادف الإِيمان، وقال: إنَّ
(155) فتح الباري (1/ 100).
(156)
عمدة القاري (1/ 253).
(157)
فتح الباري (1/ 101).
الإِيمان يطلقُ على الأعمال، ثمّ قال الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة،
فكأنّه قال: الإسلام يحسن بالإِسلام
قلت: ليس هذا المراد، وإنّما المراد الإيمان يطلق على الأعمال مجازًا.
ثمّ قال: الثّالث: قوله: فيصح بهذا مقصودة ومناسبته لما قبله غير مستقيم لأنّه لا يظهر وجه المناسبة لما قبله، لما قاله أصلًا (158).
كذا قال، وجوابه "لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتأْتِيَ مِثْلَه".
قال (ح) في الكلام على حديث طلحة في قصة ضمام بن ثعلبة قال: هل [عَلي] غيرها؟ قال: "لا إِلَاَّ أن تَطَوَّعَ" من قال: إن الاستثناء منقطع يحتاج إلى دليل، لأنّ الأصل الاتصال، لكن دليله ما رواه النسائي وغيره أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا ينوي صوم التطوع ثمّ يفطر.
وفي البخاريّ أنّه صلى الله عليه وسلم أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه. فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإِتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقي، فيظهر وجه حمل الاستثناء في الحديث على الانقطاع (159).
قال (ع): من العجب أن هذا القائل لم يذكر الأحاديث الدالة على استلزام الشروع في العبادة الإِتمام، وعلى القضاء بالإِفساد، كحديث عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهديت لنا شاة فأكلنا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صومًا يَوْمًا مَكَانَهُ" أخرجه أحمد، والأمر للوجوب فدل على أن الشروع ملزم وأن القضاء بالإِفساد واجب.
وفي الدارقطني أن أم سلمة صامت يومًا تطوعًا فأفطرت فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تقضي يومًا مكانه.
(158) عمدة القاري (1/ 255).
(159)
فتح الباري (1/ 107).
والجواب عن حديث النسائي أنّه ليس فيه أنّه عليه الصلاة والسلام ترك القضاء، وإفطاره ربما كان عن عذر، وحديث جويرية أنّه أمرها بالإفطار لتحقق واحد من الأعذار، وكذا كلّ ما جاء من حديث هذا الباب (160).
قلت: حديث عائشة أخرجه مع أحمد أصحاب السنن الثّلاثة (161)، ورجح التّرمذيّ أنّه عن الزّهري عن عائشة منقطع، وأسند عن ابن جريج: سألت الزّهري فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، وصححه ابن حبان من وجه آخر عن عائشة (162) وله شاهد عن ابن عمر عن عبد الرزّاق (163).
وأخرجه عن ابن عبّاس عند الطبراني في الكبير وعن أبي هريرة في الأوسط (164).
وحديث أم سلمة أخرجه الدارقطني وفيه الضحاك بن حُمْرَةَ وهو ضعيف.
ويجوز الجمع يحمل الأمر على على الندب إن ثبت الخبر، وإلا فالراجح من حيث السند حديث عائشة وجويرية والله أعلم.
قال (ح) في الكلام على قوله:
(160) عمدة القاري (1/ 268).
(161)
رواه أحمد (6/ 263) وأبو داود (2457) والترمذي (735) والنسائي في الصِّيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (12/ 5) وأبو يعلى (4639) والبغوي في شرح السُّنَّة (1814).
(162)
رواه ابن حبّان (951 موارد).
(163)
رواه البزار (1063 كشف الأستار) والطبراني في الأوسط (ص 139 مجمع البحرين) وفيه حماد بن الوليد، وهو ضعيف.
(164)
رواه الطبراني في الأوسط (ص 139 مجمع البحرين) وفيه محمَّد بن أبي سلمة المكي وقد ضعف بهذا الحديث كذا في مجمع الزوائد (3/ 202).