الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
244 - باب الجريد على القبر
قوله فيه: وقال نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور.
قال (ح): وصله الطحاوي، إلى أن قال: قال النووي: المراد بالجلوس القعود عند الجمهور.
وقال مالك: المراد به الحدث وهو تأويل ضعيف أو باطل. انتهي.
وهذا يوهم انفراد مالك بذلك وليس كذلك، فإن الحنفية قالوا مثله كما نقله عنهم الطحاوي، واحتج بأثر ابن عمر ثمّ أخرج عن علي نحوه.
وروى الطحاوي من طريق محمّد بن كعب قال: قال أبو هريرة: من جلس على قبر يبول أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة.
قلت: وإسناده ضعيف (1101).
قال (ع): سبحان الله ما لهذا القائل من التعصبات الباردة، والطحاوي أخرج هذا عن أبي هريرة من طريقين:-
أحدهما: هذا الذي ذكره هذا القائل أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب عن محمّد بن أبي حميد عن محمّد بن كعب.
والثّاني: من طريق محمّد بن أبي بكر المقدمي عن سليمان بن داود عن محمّد بن أبي حميد نحوه.
وأخرجه ابن وهب وأبو داود الطيالسي في مسنديهما، ولم يذكر الطحاوي هذا الحديث إِلَّا تقوية لحديث زيد بن ثابت أخرجه عن سليمان بن شعيب
(1101) فتح الباري (3/ 224)
عن الحصيب عن عمرو بن علي عن عثمان بن حكيم عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم إليَّ يا ابن أخي أخبرك إنّما نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور لغائط أو بول، ورجاله ثقات وعمرو بن علي هو الفلاس شيخ الجماعة (1102).
قلت: في كلامه أشياء:-
أولها في نسبة (ح) إلى التعصبات الباردة وليس في كلامه تعصب أصلًا كما هو ظاهر لكل ناظر فيه، وذاك أنّه نبه على ضعف محمّد بن أبي حميد فقط لاحتمال أن لا يعرف حالة من ينظر في كلامه فيظن أنّه أقر عليه.
ثانيها: سياقه إسناده في الطحاوي فيه تقرير لكلام (ح).
ثالثها: أخرجه ابن وهب وسليمان بن داود في مسنديهما يقال عليه: أمّا ابن وهب فليس عند [هـ] مسند يورد [هـ فيه]، وأمّا الطيالسي فهو سليمان الذي أخرجه الطحاوي من طريقه، وفي كلّ من السندين محمّد بن أبي حميد.
رابعها: قوله: ورجاله ثقات.
خامسها:. . . . . . . . . . . . . . . . قوله: عن عمرو بن علي عن عثمان بن حكيم، كذا بخطه وقد أسقط من السند واحدًا (1103).
ثمّ قال: فهذا القائل هكذا أورد هذا الحديث الصّحيح (1104).
قلت: لكونه موقوفًا.
قال (ع): إنّما ذكر القائل هذا حتّى يفهم أن الطحاوي الذي ينصر مذهب الحنفية إنما يروي في هذا الباب الأحاديث الضعيفة (1105).
قلت: لا يلزم من تضعيف السند الواحد من أجل ضعف راويه أن
(1102) عمدة القاري (8/ 183 - 184).
(1103)
كذا هو بياض في النسخ الثلاث.
(1104)
عمدة القاري (8/ 184).
(1105)
عمدة القاري (8/ 184).
يكون بعض الذي نبه على ضعفه ضعف بقية أحاديث الباب، وقد صرح الحنفية في كتبهم بأن القعود على القبور حرام، وخالفهم الطحاوي فقال؛ إنّما يحرم القعود لأجل الحدث، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
قال (ع): الطحاوي أعلم بمذهب هؤلاء (1106).
كذا قال، ولا يسلم ذلك أئمتهم، وقد صح عن ابن عمر: لأن أطأ على جمرة أحب إليَّ من أن أطأ على قبر وهذا يعارض ما علقه عند البخاريّ أنّه كان يقعد على القبور والجمع بحمله على القعود للحدث بعيد، ويمكن الجمع بغير ذلك.
ثمّ قال: كيف يقول النووي إنَّ تأويل مالك باطل وهو أعلم منه ومن مثله، وكيف يدعي أن الجمهور حملوا القعود على حقيقته، مع أن تأويل مالك وافقه عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ومن الصّحابة علي وابن عمر، فنحن نقول: الجمهور على عدم الكراهة (1107).
قلت: انظر وتنزه كيف يسوغ لقائل أن يقول: إذا قال أبو حنيفة وصاحباه والطحاوي بقول وابن عمر وخالفهم بقية الأئمة حتّى أئمة الحنفية يكون المراد الجمهور أولئك الستة أنفس وقد أخرج أحمد بسند صحيح عن [عمرو بن حزم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رآه متكئًا على قبر فقال: "لَا تُؤْذِ صَاحِبَ اْلقَبْرِ" فهذا لا يقبل تأويله بالجلوس للحديث لأنّه لا يسمى اتكاء.
ومن نوادر (ع) أنّه قال هنا: لا يلزم من القعود على القبر لأجل الحدث، نفي حقيقة القعود فسلم قول مخالفة وهو لا يشعر.
(1106) عمدة القاري (8/ 184).
(1107)
عمدة القاري (8/ 185).