الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
135 - باب من بني مسجدًا
قال (ح) في قول عبيد الله الخولاني أنّه سمع عثمان يقول عند قول النَّاس فيه حين بنى مسجدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: حين بني أي حين أراد أن يبني ولم يبن عثمان المسجد إنشاءً وإنّما وسعه وشيده كما تقدّم في باب بنيان المسجد، فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ، أو المراد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض (710).
قال (ع): ذكر هذا الشارح شيئين:
أحدهما مستغنى عنه فلا حاجة إلى ذكره.
والثّاني: لا يصح لأنّه ذكر في باب بنيان المسجد حديث ابن عمر في ذلك، وفيه: ثمّ غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بحجارة منقوشة بالفضة، وجعل عمده من حجارة، وسقفه بالساج، فهذا يدلُّ على أنّه غير الكل، وفي الحديث أيضًا: وزاد فيه يعني في الطول والعرض وكان مبنيًا باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل وبناه عثمان بالحجارة، وجعل عمده الحجارة وسقفه الساج، فكيف يقول هذا الشارح أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد، وهذا كلام من لم يتأمل ويتصرف من غير وجه. (711).
(710) فتح الباري (1/ 544).
(711)
عمدة القاري (4/ 213) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص63).
قلت: وكلف الحكم في هذا إلى النظر أن القائلين تكلم بغير تأمل أو تصرف من غير وجه، وما أظن هذا المعترض إِلَّا تأمل التي لا يفيد التأمل مع قصور الفهم أو غلبه السخط، فالله المسؤل أن يستر عوراتنا، ومن نظر في هذا الباب خاصّة إلى كلام الرجلين قضى العجب من ظلم هذا الرَّجل حيث عمد إلى كلام الشارح الذي قبله العجب أن أسهر فيه ليله وأتعب فيه بدنه وأعمل فيه، وخصوصًا يخرج طرق من بنى لله مسجدًا ولقد أقام فيه نحو الشهر حتّى اجتمع له ما لم يجتمع فيه لغيره فيعمد هذا الظالم فيكفيه كما هو ساكتًا عن نسبته إلى من سبقه موهمًا أنّه من تصرفه معبرًا في بعض مقوله. قلت: حتّى إذا تخيل أن في شيء من الكلام خللًا مَّا أدى حينئذ الأمانة، ونسب القول لقائله في وجه حسنه ويأبى الله إِلَّا أن يتم نوره، رَبَّنَا احكم بيننا وبين قومنا بالحق.
ومن جملة ما ذكره في هذا الباب.
قوله: "بَنَى اللهُ مِثْلَهُ"
قال (ح): إسناد البناء إلى الله مجاز، وإبراز الفاعل فيه لعظيم ذكره جلَّ اسمه، أو لئلا يتنافر الضمائر أو لدفع توهم عوده على باني المسجد (712).
قال (ع): ما نصه: قوله: "بنى الله" إسناد البناء إلى الله مجاز إتفاقًا قطعًا، فإن قلت: إظهار الفاعل لماذا؟ قلت: لأنّ في تكرار اسمه تعظيم له وتلذذ للذاكر.
وقال بعضهم: لئلا يتنافر الضمير أو يتوهم عوده على باني المسجد، وكلا الوجهين غير صحيح، أمّا الأوّل: فإنّما يكون إذا كثرت الضمائر، وأمّا الثّاني فممنوع قطعًا انتهى (713).
(712) فتح الباري (1/ 546).
(713)
عمدة القاري (4/ 214).
فانظر كيف أغار على كلامه بعينه، وما اكتفى بذلك حتّى أوهم أنّه يتعرض للتوجيه الأوّل الذي هو عنده مرتضى اقتصر محل نسبة الوجهين الآخرين إليه لظنه فسادهما.
قال (ع): باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، أي هذا باب في بيان ذكر البيع والشراء، يعني في الإخبار عن وقوع البيع والشراء على المنبر في المسجد لا عن وقوعهما على المنبر، ثمّ بعد ذلك قال: ومطابقة الحديث للتجرمة يعلم من قوله عليه السلام: "مَا بَالَ أقْوَامٍ يَشتَرطُونَ
…
الخ" ذكر هذا عقب قصة مشتملة على بيع وشراء وعتق وولاء فإنّه لما قال لعائشة "ابْتَاعيهَا فَأعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" قبل صعوده المنبر دل على حكم هذه الأشياء ثمّ لما قال على المنبر: "مَا بَالُ أقْوَامٍ .. الخ" أشار به إلى القصة التي وقعت، فكأنه أشار به إليها لوقوعها على المنبر، وهذا هو الوجه لا ما ذكره أكثر الشراح ممّا تنفر عنه الطباع وتمجه الأسماع (714).
قلت: أخذ الجواب بألفاظه من كلام (ح) لكن عبارته، ووهم بعض من تكلم على هذا الحديث فقال: ليس فيه أن البيع والشراء وقعا في المسجد ظنًا منه أن التّرجمة معقودة لبيان جواز ذلك، وليس كما ظن، للفرق بين جريان ذكر الشيء والإخبار عن حكمه، فإنّه حق وخير، وبين مباشرة العقد، فإن ذلك يفضي إلى اللّفظ المنهي عنه. انتهى (715).
فلينظر المنصف أي الطريقين أهدى.
قوله: "وإن اشْتَرَطَ مِئَةَ مَرَّةٍ".
قال (ع): ذكر المئة للمبالغة في الكثرة لأنّ هذا العدد بعينه هو المراد،
(714) عمدة القاري (4/ 221) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 64 - 65)
(715)
فتح الباري (1/ 550).
وقال بعضهم لفظ مئة للمبالغة فلا مفهوم له (716).
قال (ع):لم يدر هذا القائل أن مفهوم اللّفظ في اللُّغة هو معناه، فعل قوله يكون هذا اللّفظ مهملًا وليس كذلك، وإن كان قال كذلك على رأي الأصوليين حيث فرقوا بين مفهوم اللّفظ ومنطوقه فهذا الموضع ليس محله. انتهى (717).
وعجيب منه كيف ينفي عن الشارح دراية أن مفهوم اللّفظ يراد به في اللُّغة معناه ومفاده والمراد به، ويراد به ما يقابل المنطوق وهو الذي وقع الاختلاف بين الفقهاء في الاحتجاج به ووظيفة الشارح إذا تكلم على ما يتعلّق بالاستنباط من الحديث أن يقصد الاصطلاح لا محض اللُّغة، فتأملوا هذا التحامل كيف يسقط صاحبه ويفضحه من حيث لا يحتسب.
(716) عمدة القاري (4/ 223) وفتح الباري (1/ 551).
(717)
عمدة القاري (4/ 223 - 224).