الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب من الدِّين الفرار من الفتن
قال (ح): عدل المصنف عن التّرجمة بالإيمان مع كونه يترجم بذلك لأكثر الأبواب مراعاة للفظ الحديث، ولما كان الإيمان والإِسلام في عرف الشّرع عنده مترادفين، وقال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} صح إطلاق الدِّين في موضع الإيمان (82).
قال (ع): فإن قلت: لِمَ لَمْ يقل باب من الإيمان الفرار من الفتن كما ذكر في أكثر الأبواب الماضية والآتية.
قلت: إنّما قال ذلك ليطابق التّرجمة الحديث بذكره في الباب فإن المذكور فيه الفرار بالدين من الفتن، ولا يحتاج أن يقال لما كان الإيمان والإِسلام عنده مترادفين وقال الله:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} أطلق الدِّين في موضع الإسلام. انتهى (83). فانظر كيف أخذ كلام (ح) الموجز فأسهب فيه ولم يزد عليه من جهة المعنى إِلَّا أنّه أوهم أن المناسبة الأولى من تصرفه، والثّانية من تصرف غيره ولا يحتاج إليها.
قال (ح): قوله: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ" يعني أمرني الله عز وجل لأنّه لا آمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا الله، وقياسه في الصحابي إذا قال: أمرت، فالمعنى: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر لأنّهم
(82) فتح الباري (1/ 69).
(83)
عمدة القاري (1/ 160 - 161).
من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر، وإذا قال التابعي احتمل.
والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له ذلك الرئيس (84).
قال (ع): أخذ كلام الكرماني وقلبه، وذلك أن الكرماني قال: إذا قال الصحابي أمرت فهم منه أن الرئيس أمره، فجعل الكرماني قوله: فإن الرئيس علة لقوله فهم منه وجعله هذا القائل حاملًا وداعيًا.
وقوله: من حيث إنهم مجتهدون، لا دخل له هنا لأنّ الحيثية تقع قيدًا، وهذا القيد غير محتاج إليه هنا لأنّ المدعى ههنا أن الصحابي إذا قال: أمرت فمعناه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنّه هو الآمر فيهم والمشرع، وليس المعنى أمرني رسول الله من حيث إنِّي مجتهد. وهذا كلام في غاية السقوط (85).
قلت: أقول بالموجب، وقوله: هذا إشارة إلى الكلام القريب ففيه غفلة عن المراد، وهو تقسيم القائل إلى مجتهد وغير مجتهد، فإذا أورد الصحابي
(84) فتح الباري (1/ 76).
(85)
عمدة القاري (1/ 181) وقال البوصيري في مبتكرات اللآلي (ص28) بعد أن نقل نص كلام الحافظ بن حجر: إنَّ من المقطوع به أن النسخة الّتي نقل منها العيني كلام ابن حجر محرفة تحريفًا لا يقبل الإِصلاح؛ لأن ما اعترض به العيني عليه لا ينصب على عبارة ابن حجر الّتي نقلتها، وهي نظيفة لا يحتاج فهمها إلى إعمال فكر ولا إشكال في منطوقتها ولا في مفهومها بل زاد على الكرماني علة نفي أن يراد في الفاعل أن يكون صحابيًا مثله حيث لا يكون الآمر مجتهدًا مثله، والمجتهد لا يقلد غيره كما هو مقرر في كلّ كتاب من كتب الأصول، وهو مبني على أن للصحابي أن يجتهد زمنه، صلى الله عليه وسلم وهو الحق، بل هو واقع كثيرًا، علمناه من الوقائع الكثيرة.
الكلام في مساق الاحتجاج دل على أنّه اجتهد في ذلك الحكم فاحتج له بقوله: أمرت، فلو فرض أن آمره صحابي أخر للزم تقليد المجتهد للمجتهد وهو باطل، فتعين أن يكون آمره الرسول لأنّه المشرع، وإذا لم يورده الصحابي في مقام الاحتجاج جاز أن يكون الآمر به غير الرسول كأبي بكر أو غيره، ممّن له الحكم بطريق الاجتهاد والمأمور مقلد، وإنّما جاء قوله ممّن اشتهر
…
الخ تذييلًا للكلام المتقدم وتقوية له فلينظر المتأمل وينصف المناظر.
ومن العجائب أن (ع) يعيب على من يأخذ كلام غيره ويتصرف فيه موهمًا أنّه من تصرفه حتّى في هذا الباب بعينه، ولم نسمع بأحد اعتمد ذلك في شرحه غيره حتّى إنّه يزيد على غيره بأن يكتب كلام السابق حتّى قول السابق.
قلت، فيكتبها موهمًا أنّه هو القائل، فإن تعمد فهي سرقة قبيحة، وإن غفل عن مثل ذلك فناهيك.
وأما قوله: هذا القيد غير محتاج لأنا قلنا: إنَّ الصحابي إذا قال: أمرت فمعناه أمرني النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن ذلك لم يخف على (ح) وإنّما أراد تنقيح المناط بأن حمل قول الصحابي أمرت على ذلك محله ما إذا أورد الحديث مجيبًا لمن سأله عن الحكم على سبيل بيان مسنده فحينئذ يحمل قوله: أمرت على أن آمره يشرع له تقليده بخلاف إذا كان بصدد الرِّواية خاصّة فإن المجتهد يحق له أن يروي عن مجتهد آخر شيئًا من اختيار ذلك المجتهد ولا يجوز له أن يورد كلامه في مقام الاحتجاج لأنّ المجتهد لا يقلد مجتهدًا آخر، فمن لا يفهم هذا القدر مع وضوحه كيف يدعي أنّه كلام في غاية السقوط فالله المستعان.
قوله: