الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ما تعمده هذا المعترض ومما استلبه كما هو في قدر ورقة وأكثر ما ساقه (ح) في شرح باب إثم من كذب على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ونظائر ذلك كثيرة جدًا، وفي باب عظة الِإمام النِّساء فإن فيه تعقب على الكرماني نحو نصف صفحة قائلًا فيه:
قلت: ثمّ ساق كلام (ح) بعينه من استلاب فوائد الذي سبقه كما هي موهمًا أنّها من تصرفه وتحصيله واستنباطه لو وقع تتبعه بطريق الإِستيعاب لطال الشرح جدًا، لكن لم أكتب إِلَّا ما طال فيه الإستلاب من غير أن يزيد من قبل نفسه شيئًا إِلَّا ما يستحق الخدش فيه، ووجدته أحيانًا يذكر ما يستلبه في غير المكان الذي استلبه منه لظنه أنّه يخفى كما صنع في الكلام على حديث أنس "لا يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى يُحبَّ لَأخِيه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" فإنّه قال فيه: إنَّ رواته كلهم بصريون فوقع له من الغرائب أن إسناد هذا كلهم بصريون، وإسناد الذي قبله كلهم كوفيون، والذي قبله كلهم مصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثّلاثة على الولاء انتهى.
وهذا الكلام برمته قاله (ح) في الكلام على حديث عبدَ الله بن عمر ذكر باب إطعام الطّعام ما نصه، رواة هذا الإِسناد كلهم بصريون، والذي قبله كلهم كوفيون، والذي بعده من طريقيه كلهم مصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثّلاثة على الولاء وهو من اللطائف (24).
ومن ذلك ما منعه في الكلام على إسناد هذا الحديث، فقد قال (ح):
قوله: وعن حسين المعلم هو معطوف على شعبة، والتقدير عن شعبة وحسين
(24) فتح الباري (1/ 56).
كلاهما عن قتادة، وإنّما لم يجمعهما لأنّ شيخه أفردهما فأورده المصنف معطوفًا اختصارًا، ولأن شعبة قال: عن قتادة.
وقال حسين: حدّثنا قتادة، وأغرب بعض المتأخرين فزعم أنّ قوله وعن حسين تعليق وهو غلظ، فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربيّ عن مسدد شيخ المصنف عن يحيى القطان عن حسين المعلم.
وأبدى الكرماني بحسب التحرير العقلي احتمال أن يكون تعليقًا أو معطوفًا على قتادة، فيكون شعبة رواه عن حسين عن قتادة وذلك ممّا يغفر عنه من مارس شيئًا من علم الإسناد.
ثمّ قال: واللفظ الذي ذكر هنا شعبة، وأمّا لفظة حسين فهو فيما أخرجه الحربيّ بلفظ:"لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يُحِبَّ لَأخِيهِ وَلجارِهِ"
…
إلى أن قال: وأمّا طريق شعبة فصرح أحمد والنسَائي في روايتهما بسماع قتادة له من أنس فانتفت تهمة تدليسه (25).
قال (ع): قوله عن حسين، عطف على شعبة، فالتقدير عن حسين وشعبة كلاهما عن قتادة، وإنّما لم يجمعهما لأنّ شيخه أفردهما فأورده معطوفًا اختصارًا، ولأن شعبة قال: عن قتادة وحسين قال: حدّثنا قتادة، وقال بعض المتأخرين طريق حسين معلقة وهو غير صحيح.
فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربيّ عن مسدد شيخ البخاريّ فيه عن يحيى القطان عن حسين المعلم.
وقال الكرماني: قوله: وعن حسين عطف، إمّا على حدّثنا مسدد. فساق كلام الكرماني بطوله ثمّ قال: قلت: وهذا كله مبني على حكم العقل وليس كذلك وليس هو بعطف على مسدد ولا على قتادة، وإنّما هو عطف على شعبة كما ذكرنا.
(25). فتح الباري (1/ 57).
والمتن الذي ذكر هنا لفظ شعبة، وأمّا لفظ حسين وهو الذي رواه أبو نعيم فذكره ثمّ قال: فإن قيل قتادة مدلس.
قلت: قد صرح شعبة عن أحمد والنسائي بسماع قتادة له من أنس فانتفت تهمة تدليسه انتهى (26).
فأخذ كلام غيره فنسبه لنفسه من غير اعتذار عنه، وقد صنع في الباب الذي يليه قريبًا من ذلك، وما ظننت أنّ أحدًا يرضى لنفسه بذلك، وإذا تأمل من ينصف هذه الأمثلة عرف أنّ الرَّجل هذا عريض الدعوى بغير موجب متشبع بما لم يعطه منتهب لمخترعات غيره ينسبها إلى نفسه من غير مراعاة عاتب عليه وطاعن ممّن يقف على كلامه وكلام من أغار عليه، ولو حلفت أنّه لم يخل بابًا من أبواب هذا الكتاب على غزارتها من شيءٍ من ذلك لَبَرَرْتُ، وشاهدي على ذلك عدل من كلامه نصًا لا اختصارًا، بل مصالقة ومناهبة، حتّى أنّه يغفل فينقل لفظة قلت الدالة على الإِختراع له والإِعتراض منه، ويكون ذلك كله لمن سبقه، ومن عجائب ما وقع له أنّه بالغ الإِنكار على من يأخذ [مِنْ] من سبقه فيحكيه ولا ينسبه لصاحبه، ثمّ وقع فيما عابه من ذلك وبالغ الإِكثار، وسيأتي قريبًا في باب خوف المؤمّن أنّ يحبط عمله.
قال (ع) في من يأخذ كلام غيره ولا ينسبه إليه: ومن عجيب ما وقع له أنّه نقل عن الكرماني شيئًا ولم يرضه، فرد عليه بكلام (ح) قائلًا في أوله: قلت: موهمًا أنّ ذلك من تصرفه وتتبعه واجتهاده (27).
قال البخاريّ:
(26) عمدة القاري (1/ 141).
(27)
فتح الباري (1/ 111) وعمدة القاري (1/ 276).