الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - باب من الكبائر أن لا يستبرىء من بوله
قال (ح): قوله من النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحائط أي بستان.
وللمصنف: خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة، فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي به مر.
وفي الأفراد للدارقطني من حديث جابر أن الحائط كان لأمِّ مبشر الأنصارية، وهو يقوي رواية الأدب أنّه جزم فيها بالمدينة من غير شك [في رواية شريك](122).
فقال: مر في حائط أي بستان النخل إذا كان عليه جدار ويجمع على جدران.
واسترسل في هذا إلى أن قال: فإن قلت أخرج: البخاريّ: هذا من الأدب، ولفظه خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة، وهنا مر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحائط وبينهما تنافٍ.
قلت: ففيه أن الحائط الذي فرج منه غير الحائط الذي مر به.
وفي أفراد الدارقطني
…
الخ حتّى أن (ح) لما ذكر الجواب عما وقع في مسلم نقل عن النووي أنّه جمع بأن يكون معمر حدث به على الوجهين (123).
(122) لم يظهر لنا وجه ما بين المعكوفين مع أنّه ليس موجودًا في فتح الباري ولا عمدة القاري.
(123)
عمدة القاري (1/ 115) وفتح الباري (1/ 317).
فقال (ع) ما نصه: وأجاب النووي بأنّه يحتمل أن سفيان سمعه من الزّهري مرّة، ومن معمر عن الزّهري فرواه على الوجهين فقال بعض الشراح فيه نظر ولم يبين وجهه ووجهه أن معظم الروايات في الجوامع والمسانيد عن ابن عيينة عن معمر عن الزّهري بزيادة معمر ولم يوجد بإسقاطه إِلَّا عند مسلم إلى آخر الكلام.
قوله: إنَّ معظم الروايات
…
الخ كلام (ح) بعينه بزيادة أيضًا والله المستعان (124).
ثمّ أخذ كلامه في قصة جعيل الذي قال سعد في حقه إنِّي لأراه مؤمنًا من قوله، فإن قيل: كيف لم تقبل شهادة سعد الجعيل بالإِيمان فكتب من ذلك نحو الصفحة بعضها على الولاء وبعضها يزيد في الكلام حشوًا، ويقدم بعضًا ويؤخره ولا تخفى هذه المصالقة عند من له أدنى حذق والله المستعان (125).
وقد كنت قصدت أن أتتبع جميع ما أخذه بها وأبين كيفية أخذه له على نمط ما قدمته في هذه الأبواب طلبنا أنّه يقع له أحيانًا، فلما أمعنت وجدت الأمر فيه يطول جدًا لأنّه لا يخلو في جميعه عن شيءٍ من ذلك إمّا في الكلام على الإِسناد وإما في الكلام في المتن، وإنّما يخفي عمله في ذلك لا يتبع ما حذفته من كلام الكرماني، ومن كلام ابن الملقن بما أرى منه حشوًا وتكريرًا ومردودًا، فإني اعتقبت في هذا الفتح بالإِيجاز ما وجدت إليه سبيلًا، ثمّ أني لا أحب أن أضيع الوقت في بسط الرَّدِّ على من وهم بل أكتفي بالإِشارة في غالب الأحوال، وكأنّه يظن أني أغفلته سهوًا فيبادر هو إلى إيراده كله وربما
(124) عمدة القاري (1/ 192 - 193).
(125)
عمدة القاري (1/ 194 - 195).
بالغ في بسط الكلام على إعراب جملة أو تصريف كلمة بما لا يستفاد منه كبير أمر كقوله: "آيةُ اْلمُنَافِقِ ثَلَاثٌ".
فإن قلت: ما وزان آية؟
قلت: فيه أربعة أقوال.
فاستمر يسرد ورقة في النقل عن أهل التصريف، فلو التزم ذلك في جميع أنظاره لكان كتابه أضعاف ما اقتصر عليه، لكنه بحسب ما يجده مسطورًا لغيره فيحب أن يتكثر به ويقع له نحو ذلك إذا وجد مغلطاي قد تكلم على لغات بعض الأسماء فإنّه لما يشرح كلمة الكذب قال: الْكَذِب نقيض الصدْق، كذب يكذب كذبًا وكذبة وكذبة وكذابًا وَرجل كَاذِب وَكَذَّاب وتكذاب وكذوب وكذوبة وكذبان (126). واستمر في هذا الهذيان ضعفي ما ذكره في تصريف آية.
ومما أعتمده في هذا الفتح أن لا أطيله بتراجم الرواة اعتناء بالكتب المؤلّفة في ذلك، لكن إن اتفق التباس الراوي بغيره بينته، وكذا من ليست له رواية في البخاريّ إِلَّا في موضع أو موضعين، وكذا من ذكرنا بالتضعيف فاعتنى بالبحث عن ذلك ويرفع اللوم عن من أورد حديثه في الصّحيح فظن هذا الرَّجل يظن أني غفلت عن هذا الفن مع اشتهار تصانيفي فيه وتحقيقي بمعرفته فرأى مكان القول ذا سعة فبسط قلمه مكثرًا بما هو مستغن عن سياقه، وربما تعرض لإعراض بعض الأحاديث فزل قدمه فيه تارة ويأتي بما لا طائل تحته تارة، فلما رأيت ذلك اقتصرت على هذا العنوان.
قال (ح) في الكلام على حديث: "آية المنافق ثلاث": الآية العلامة، وإفراد الآية إمّا على إرادة الجنس، أو أن العلامة إنّما تحصل باجتماع الثلاث
(126) عمدة القاري (1/ 219 - 220).
والأول أليق بصنيع المؤلِّف فلهذا ترجم بالجمع وعقب بالمتن الشّاهد بذلك (127).
قال (ع): كيف يراد الجنس والتاء فيها تمنع ذلك لأنّ التاء فيها كالتاء في التّمرة فالآية والآي كالتّمرة والتّمر.
وقوله: والعلامة إنّما تحصل باجتماع الثلاث يشعر بأنّه إذا فقدت فيه واحدة من الثلاث لا يطلق عليه اسم المنافق وليس كذلك، بل يطلق عليه اسم المنافق غير أنّه إذا وجد فيه الثلاث كلها يكون منافقًا كاملًا (128).
قلت: وليس في كلام الأصل ما يخالف هذا، ودعوى المنع في الأوّل ممنوعة والله أعلم.
قال (ح) في الجمع بين حديث أبي هريرة "آيَةُ اْلمُنَافِق ثلاث" وبين حديث عبد الله بن عمرو: "أًرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيه كَانَ مُنَافِقًا" فقال: ليس بين الحديثين تعارض لأنّه يلزم من عد الخصلة في النفاق وكونها علامة على أن في رواية لمسلم من طريق العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدلُّ على عدم إرادة الحصر فإن لفظة من علامة المنافق ثلاث، وكذا في الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد، وإذا حمل على الأوّل هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وبعضها في وقت (129).
قال (ع): كيف ينفي هذا القائل الملازمة الظاهرة ولا فرق بين الخصلة والعلامة لأنّ كلا منهما يستدل به على الشيء.
وقوله: على أن في رواية لمسلم .. الخ ليس بجواب طائل بل المعارضة
(127) فتح الباري (1/ 89).
(128)
عمدة القاري (1/ 225).
(129)
فتح الباري (1/ 89 - 90).
ظاهرة بين الروايتين، وحمل اللّفظ الأوّل على هذا لا يصح من جهة التركيب (130).
قلت: هي دعوى بلا دليل وإثبات المعارضة معارض بقوله في أول ما استفتح الكلام على هذا الموضع بما نصه.
فإن قلت: يعارضه الحديث الذي فيه لفظ أربع.
قلت: لا معارضة. أصلًا، ثمّ نقل كلام النووي حيث قال: لا منافاة، وكلام الطيبي كذلك، وكلام القرطبي باحتمال أن يكون استجد له العلم بالخصلة الرّابعة، ثمّ رد جميع ذلك بأن التخصيص بالعدد لا مفهوم له.
ثمّ تشاغل بالإعتراض على كلام (ح) بما تقدّم فانظر وتعجب (131).
قال (ح): في قوله تابعه شعبة عن الأعمش وصل المؤلِّف هذه المتابعة في كتاب المظالم، وروايةِ قبيصة. عن سفيان وهو الثّوريّ ضعفها يحيى بن معين، واعتذر النووي بأن البخاريّ إنّما أوردها علي طريق المتابعة لا الإِصالة، وتعقبه الكرماني بأنّها مخالفة لها في اللّفظ والمعنى من عدة جهات فكيف تكون متابعة.
قلت: المراد بالمتابعة هنا كون الحديث مخرجًا في صحيح مسلم وغيره من طريق أخري عن سفيان الثّوريّ، وعند المؤلِّف من طريق أخري عن الأعمش شيخ سفيان فيه منها رواية شعبة المشار إليها وهذا هو السر في ذكرها هنا، وكأن الكرماني فهم أن المراد بالمتابعة حديث أبي هريرة المذكور الباب وليس كذلك، إذ لو أفاده لسماه شاهدًا.
وأمّا دعواه أن بينهما مخالفة في المعنى فليس لما قررناه آنفًا. وغايته أن
(130) عمدة القاري (1/ 221).
(131)
عمدة القاري (1/ 221).
يكون في أحدهما زيادة وهي مقبولة لأنّها من ثقة متقن (132).
قال (ع): نفيه التسليم ليس بمسلم لأنّ المخالفة في اللّفظ ظاهرة لا تنكر وكأنّه فهم من قوله من جهات أن الاختلاف يتعلّق بالمعنى وليس كذلك بل يتعلّق بقوله لفظًا انتهى (133).
ولينظر التعقب في قول الكرماني مخالفة لها في اللّفظ والمعنى من عدة جهات هل يكون قوله من عدة جهات تختص باللفِظ دون المعنى وقد أخذ هذا المعترض ما تعب فيه السابق في شرح هذا الحديث فتصرف فيه بالتقديم والتأخير وإيهام أنّه الذي تعب في تحرير ذلك ولفظه في تعقب كلام الكرماني.
قلت: أراد البخاريّ بالمتابعة هنا كون الحديث مرويًا من طريق آخر عن الثّوريّ منها رواية شعبة عن الأعمش نبه على ذلك هاهنا وإن كان قد رواها في كتاب المظالم، وكذلك هو مروي في صحيح مسلم وغيره من طرق أخرى عن الثّوريّ فانظر كيف يأخذ كلام الشارح فيدعيه ثمّ يتعقب منه مالًا يرتضيه ولو كان في نفس الأمر مرضيًا أو ما لا يفهمه على وجهه والله المستعان.
قال (ح): في الكلام على حديث من يقم ليلة القدر غفر له، وفي استعمال الشرط مضارعًا والجواب ماضيًا نزاع بين النحويينِ فمنعه الأكثر وأجازه آخرون لكن بقلة، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ
…
آية} لأنّ قوله فظلت بلفظ الماضي وهو تابع للجواب، وتابع الجواب جواب، واستدلوا أيضًا بهذا الحديث وعندي في الاستدلال به نظر لأني أظنه من تصرف الرواة، لأنّ الروايات فيه مشهورة بلفظ المضارع في الشرط والجواب.
(132) فتح الباري (1/ 91).
(133)
عمدة القاري (1/ 225).
وقد رواه النسائي عن محمَّد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ البخاريّ فيه ولم في يخالف بين الشرط والجزاء بل قال: من يقم ليلة القدر يغفر له.
ورواه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن أحمد بن عبد الوهّاب بن نجدة عن أبي اليمان بلفظ: "لَا يَقُومُ أَحَدٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا إيمَانًا وَإحْتَسابًا إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
وقوله: فيوافقها زيادة بيان، وإلا فالجزاء مرتب على قيام القدر ولا يصدق قيام ليلة القدر إِلَّا على من وافقها، والحصر المستفاد في النفي والإثبات مستفاد من الشرط والجزاء، فوضح أن ذلكَ مستفاد من تصرف الرواة بالمعنى لأن مخرج الحديث واحد (134).
قِال (ع): لا نسلم أن تابع الجواب جواب بل هو في حكم الجواب، وفرق بين الجواب وحكم الجواب (135).
وقوله: عندي في الاستدلال به نظر، ثمّ ساق ما تقدّم مختصرًا، ثمّ قال: ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون من تصرف الرواة فيما رواه النسائي والطبراني فإن رواية الراويين المذكورين لا تعادل رواية البخاريّ فيكون اللّفظ بالمغايرة بين الشرط والجزاء هو اللّفظ النبوي (136).
قلت: أمّا التجويز فلا مانع منه لكن الرواة إذا اختلفوا في اللّفظ الوارد امتنع الاحتجاج في اللُّغة ببعض المختلف لأنّه يطرقه الاحتمال سواء كان الاحتمال راجحًا أو مرجوحًا، وأمّا تقديم رواية البخاريّ على غيره فمسلم لكن يحتمل أن يكون الاختلاف من شيخهم فحيث حدث به البخاريّ
(134) فتح البارى (1/ 91 - 92).
(135)
عمدة القاري (1/ 227).
(136)
عمدة القاري (1/ 227).
حدثه باللفظ الذي نقله عنه وحيث حدث به غيره حدثهم باللفظ الآخر ويدلُّ على ذلك الألفاظ الزائدة في رواية شيخ الطبراني فإنّما تدل على أبي اليمان، ولما حدثه به أورده بالألفاظ الزائدة وإلا فليس هو بأحفظ ممّن رواه عن أبي اليمان، وإذا وقع التصرف في اللّفظ من أبي اليمان امتنع الجزم بأن اللّفظ النبوي هو بعض تلك الألفاظ فامتنع الاحتجاج بذلك في اللُّغة ولم يلزم من ترجيح البخاريّ على أن تجده، والمنوي الجزم بأن اللّفظ الذي رواه هو اللّفظ النبوي بعينه ليصح الاحتجاج في اللُّغة والله أعلم.
قال (ح): قوله: