الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنَة أرَبَعٍ وَعِشرْين
خلافة عثمان رضي الله عنه
دُفِن عُمَر رضي الله عنه في أوّل المحرَّم، ثمّ جلسوا للشُّورَى: فروي عَنْ عبد الله بن أبي ربيعة أنّ رجلا قَالَ قبل الشُّورَى: إنْ بايعتم لعثمان أطَعْنا، وإنْ بايعتم لعليّ سمِعْنا وعَصيْنا.
وَقَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: جاءني عبد الرحمن بْن عَوْف بعد هجع من الليل فَقَالَ: مَا ذاقت عيناي كثير نومٍ ثلاث ليالٍ فادْع لي عثمان وعليًّا والزُّبَيْر وسعدًا، فدَعَوُتُهم، فجعل يخلو بهم واحدًا واحدًا يأخذ عليه، فلمّا أصبح صلّى صُهَيْب بالنّاس، ثمّ جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثني عليه، وَقَالَ في كلامه: إني رأيت النّاس يأبَوْن إلَّا عثمان [1] .
وَقَالَ حُمَيْد بْن عبد الرحمن بْن عوف: أخبرني المِسْوَر إنّ النَّفَر الذين ولَّاهم عُمَر اجتمعوا فتشاوروا فَقَالَ عبد الرحمن: لست بالّذي أُنافِسُكم هذا الأمر ولكنْ إنْ شئتم اخْتَرْتُ لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن،
[1] أخرجه البخاري في التاريخ الصغير 1/ 50 تحقيق محمود إبراهيم زائد، وابن عساكر (ترجمة عثمان بن عفان) - تحقيق سكينة الشهابي 182، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 153.
قال: فو الله مَا رأيت رجلًا بذَّ قومًا أشدّ مَا بذَّهُم حين ولّوه أمْرَهُم، حتّى مَا من رجلٍ من على عبد الرحمن يُشاورونه ويُنَاجُونه تلك الّليالي، لَا يخلو به رجلٌ ذو رأيٍ فيَعْدِل بعثمان أحدًا، وذكر الحديث إلى أنْ قَالَ: فتشهّد وَقَالَ: أمّا بعد يا عليّ فإنّي قد نظرت في النّاس فلم أرهم يَعْدِلُون بعثمانَ فلا تجعلنّ على نفسك سبيلًا، ثمّ أخذ بيد عثمان فَقَالَ: نبايعك على سُنَّةِ الله وسُنَّة رسوله وسُنَّة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بْن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار [1] .
وعن أَنْس قَالَ: أرسل عُمَر إلى أبي طلحة الأنصاري فَقَالَ: كنْ في خمسين مِنَ الأَنْصَار مع هؤلاء النَّفَر أصحاب الشُّورى فإنّهم فيما أحسِب سيجتمعون في بيتٍ، فقُمْ على ذلك الباب بأصحابك فلا تتركْ أحدًا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليومُ الثالث حتّى يؤَمِّروا أحدَهم، اللَّهمّ أنت خليفتي عليهم [2] .
وفي زيادات «مُسْنَد أحمد» من حَديث أبي وائل قَالَ: قلتُ لعبد الرحمن بْن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليّا! قَالَ: مَا ذنبي قد بدأت بعليّ فَقُلْتُ: أبايعك على كتاب الله وسُنَّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فَقَالَ: فيما استطعت. ثمّ عرضت ذلك على عثمان فَقَالَ: نعم [3] .
وَقَالَ الواقديّ: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجّة [4] .
ويُرْوَى أنّ عبد الرحمن قَالَ لعثمان خلْوةً: إنْ لم أُبايعْك فمن تشير
[1] أخرجه ابن عساكر في ترجمة عثمان بن عفان (تحقيق سكينة الشهابي) - ص 183.
[2]
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 61، 62، وابن عساكر في تاريخ دمشق 187.
[3]
تاريخ الخلفاء.
(3)
تاريخ الخلفاء 154.
[4]
طبقات ابن سعد 3/ 63، تاريخ الطبري 4/ 242.
عليَّ؟ فَقَالَ: عليّ، وقَالَ لعليّ خلْوَةً: إنْ لم أُبايعْك فمن تُشير عليَّ؟
قَالَ: عثمان، ثمّ دعا الزُّبَيْر فَقَالَ: إن لم أُبايعْك فمن تشير عليّ؟ قال:
عليّ أو عثمان، ثُمَّ دعا سعدًا فَقَالَ: من تُشير عليّ فأمّا أنا وأنت فلا نُريدها؟ فَقَالَ: عثمان، ثمّ استشار عبد الرحمن الأعيان فرأي هَوَى أكثرِهم [1] في عثمان [2] .
ثُمَّ نودي: (الصّلاة جامعة) وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عمَّمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. متقلّدًا سيفه، فصَعِد المنبر ووقف طويلًا يدعو سرًّا، ثُمَّ تكلّم فَقَالَ: أيُّها النّاس إني قد سألتكم سرًّا وجهْرًا على أمانتكم فلم أجدْكم تَعْدِلُون عَنْ أحد هذين الرجُلَيْن: إمّا عليّ وإما عثمان، قم إليّ يا عليّ، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وَقَالَ: هل أنت مُبَايعِي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا ولكنْ على جهْدي من ذلك وطاقتي، فَقَالَ: قم يا عثمان، فأخذ بيده في موقف عليّ فَقَالَ:
هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثمّ قَالَ: اللَّهمّ اشهد اللَّهمّ إنّي قد جعلت مَا في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.
فازدحم النَّاس يُبَايِعُون حتّى غَشَوْهُ عند المنبر وأقعدوه على الدَّرَجة الثانية، وقعد عبد الرحمن مقْعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ المنبر. قَالَ: وتلكّأ عليّ، فَقَالَ عبد الرحمن: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمن أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً 48: 10 [3] . فرجع عليّ يشقّ النّاس حتّى بايع عثمانَ وهو يقول: خدعة وأيّما خدعة [4] .
[1] في النسخة (ح) : «أكثر الناس» بدل «أكثرهم» .
[2]
تاريخ الخلفاء 154.
[3]
سورة الفتح، الآية 10.
[4]
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 147: «وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير
ثُمَّ جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، وكان محبوسًا في دار سعد، وسعد الَّذِي نزع السيف من يد عُبَيْد الله بعد أن قتل جُفَيْنَةَ والهُرْمُزَان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عُبَيْد الله يَقُولُ: واللهِ لأقتُلَنَّ رجالًا ممّن شرك في دم أبي، يُعَرِّض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجَبَذَه بشَعْره حتى أضجعه وحبسه، فَقَالَ عثمان لجماعة من المهاجرين، أشيروا عليَّ في هذا الَّذِي فَتَق في الإسلام مَا فَتَق، فَقَالَ عليّ: أرى أنْ تقتُلَه، فَقَالَ بعضهم: قُتِل أبوه بالأمس وَيُقْتَلُ هو اليوم، فَقَالَ عمرو بْن العاص: يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحَدَث [1] ولك على المُسْلِمين سلطان، إنّما تمّ هذا ولا سُلطان لك، قَالَ عثمان: أنا وليُّهم وقد جعلتُها دِيَةً واحْتَمَلْتُها من مالي [2] .
قلت: والهُرْمُزَان هو ملك تُسْتَر، وقد تقدّم إسلامُهُ، قتله عُبيد الله بْن عُمَر لما أُصيب عُمَر، فجاء عمَّار بْن ياسر فدخل على عُمَر فقال: حَدَثَ الْيَوْمَ حَدَثٌ في الإسلام، قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ قتل عُبَيْد الله الهُرْمُزَان، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 عليَّ به، وسَجَنَه.
قَالَ سعيد بْن المسيب: اجتمع أَبُو لؤلؤة وجُفَيْنة، رجل من الحِيرَة، والهُرْمُزَان، معهم خِنْجَرٌ له طرفان ممْلَكُهُ في وسطه، فجلسوا مجلسا فأثارهم
[ () ] وغيره عن رجال لا يعرفون أنّ عليّا قال لعبد الرحمن خدعتني وإنّك إنّما ولّيته لأنّه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكّأ حتى قال له عبد الرحمن: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ
…
48: 10 إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصّحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها. والله أعلم.
والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصّاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها، ومستقيما وسقيمها، ومبادها وقويمها. والله الموفق للصواب» .
وانظر: تاريخ الطبري 4/ 238، 239.
[1]
في الأصل، ح (هذا الحديث) وهو وهم.
[2]
طبقات ابن سعد 3/ 355، 356، تاريخ الطبري 4/ 239.
دابّة فوقع الخِنْجَر، فأبصرهم عبد الرحمن بْن أبي بكر، فلمّا طُعِن عُمَر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عُبَيْد الله فقتل الهُرْمُزان، وجُفَيْنَة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استُخْلِف عثمان قَالَ له عليّ: أقِدْ عُبَيْد الله من الهرمزان، فقال عثمان: ما له وَلِيٌّ غيري، وإني قد عفوت ولكنْ أَدِيَهُ [1] . وَيُرْوَى أنّ الهُرْمُزان لمّا عضَّه السيف قَالَ: لَا إله إلا الله. وأما جُفَيْنَة فكان نصْرَانيًّا، وكان ظئرًا لسعد بْن أبي وقاص أقدمه للمدينة للصُّلح الَّذِي بينه وبينهم وليُعَلّم النّاس الكتابة [2] .
وفيها افتتح أَبُو موسى الأشعري الرّيّ، وكانت قد فُتِحت على يد حُذَيْفَة، وسُويد بْن مُقَرِّن، فانتقضوا [3] .
وفيها أصاب النّاس رُعافٌ كثير، فقيل لها سنة الرُّعَاف، وأصاب عثمانَ رُعَافٌ حتّى تخلّف عَنِ الحج وأوصى. وحجّ بالنّاس عبد الرحمن بن عوف [4] .
[1] ابن سعد 3/ 356، تاريخ الطبري 4/ 239- 243.
[2]
تاريخ الطبري 4/ 240.
[3]
تاريخ خليفة 157.
[4]
تاريخ الطبري 4/ 242 وانظر 249.