الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنَة سِتّ وَثَلاثِين
وَقعَة الجَمل
لمّا قُتِلَ عثمان صبرًا، سُقِط في أيدي أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبايعوا عليًّا، ثمّ إنّ طلحة بن عُبَيْد الله [1] ، والزُّبَيْر بن العوام، وأمّ المؤمنين عائشة، ومَن تبِعَهُم رأوا أنّهم لَا يخلِّصهم ممّا وقعوا فيه من تَوَانِيهم في نُصْرة عثمان، إلّا أن يقوموا في الطَّلب بدمه، والأخْذ بثأره من قَتَلَته، فساروا من المدينة بغير مشورةٍ من أمير المؤمنين عليّ، وطلبوا البصرة.
قَالَ خليفة [2] : قدِم طلْحة، والزُّبَيْر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حُنَيْف الأنصاريّ وَالِيًا لعليّ، فخاف وخرج منها، ثمّ سار عليّ من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حُنَيْف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمّار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران النّاس، ثمّ إنّه وصل إلى البصرة، وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها حُكَيْم بن جَبَلَة العَبْدِيّ في سبعمائة، وهو أحد الرءوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلْحة والزُّبَيْر، فقتل الله حُكَيْمًا في طائفة من قومه، وقتل مقدّم
[1] في نسخة دار الكتب «عبد الله» ، والتصويب من المنتقى لابن الملّا ومنتقى الأحمدية.
[2]
في تاريخه 180، 181.
جيش الآخرين أيضًا مُجَاشع بن مسعود السُّلَميّ [1] .
ثمّ اصطلحت الفئتان، وكفُّوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حُنَيْف دار الإمارة والصّلاة، وأن ينزل طلحة والزّبير حيث شاءا من البصْرة، حتّى يقدم عليّ رضي الله عنه.
وَقَالَ عمّار لأهل الكوفة: أما واللَّهِ إنّي لأعلم أنّها- يعني عائشة- زَوْجَة نبيكم في الدُّنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم بها لينظُر أَتَّتبِعُونه أو إيّاها [2] .
قَالَ سعد بن إبراهيم الزُّهْريّ: حدّثني رجلٌ من أسلم قَالَ: كنّا مع عليّ أربعة آلاف من أهل المدينة [3] .
وَقَالَ سعيد بن جُبَيْر: كان مع عليّ يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة [4] ممّن شهِدَ بَيْعَةَ الرَّضْوان.
رواه جعفر بن أبي المُغْيرة عن سعيد.
وَقَالَ المطّلب بن زياد، عن السُّدِّيّ: شهِدَ مع عليّ يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقُتِلَ بينهما ثلاثون ألفًا، لم تكن مقتله أعظم منها.
وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلّا عليّ، وعمار، وطلحة، والزُّبَيْر من الصحابة.
وَقَالَ سَلَمة بن كُهَيْلٍ: فخرج من الكوفة ستّة آلاف، فقدموا على عليّ
[1] وانظر طبقات ابن سعد 3/ 32.
[2]
تاريخ خليفة 184.
[3]
تاريخ خليفة 184.
[4]
في نسخة الدار (وسبعمائة) ، وفي منتقى أحمد الثالث، ع (وتسعمائة) والمثبت من (تاريخ خليفة 184) .
بذي قار، فسار في نحو عشرة آلافٍ، حتّى أتى البصرة [1] .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة: كان على خيل عليّ يوم الجمل عمّار، وعلى الرَّجَّالَةِ محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق، وعلى الميمنة عِلْباء بن الهيثم السَّدُوسيّ، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحَسَن بن عليّ، وعلى الميسرة الحسين بن عليّ وعلى المقدّمة عبد الله بن عباس، ودفع اللّواء إلى ابنه محمد بن الحنفيّة [2] وكان لواء طلحة والزُّبَيْر مع عبد الله بن حُكَيْم بن حزام [3] ، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرَّجَّالَةِ عبد الله بن الزُّبَيْر، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم [4] .
وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عُبَيْد الله بن زياد [5] .
قَالَ اللَّيث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جُمَادى الأولى.
وَقَالَ أَبُو اليَقْظان: خرج يومئذ كعب بن سُور الأزديّ في عُنُقه المُصْحَف، ومعه تِرْس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله [6] .
[قَالَ محمد بن سعد [7] : وكان كعب قد طيّن عليه بيتًا، وجعل فيه كُوَّةً يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالًا للفتنة، فقيل لعائشة: إنْ خرج معك لم يتخلف من الأزد أحدٌ، فركِبْتَ إليه فنادته وكلَّمَتْهُ فلَم يُجبْها، فقالت:
[1] تاريخ خليفة 184.
[2]
في طبعة القدسي 3/ 290 «الحنيفة» وهو خطأ.
[3]
في نسخة الدار (حرام) وهو تصحيف.
[4]
تاريخ خليفة 184.
[5]
تاريخ خليفة 184.
[6]
تاريخ خليفة 185، المعرفة والتاريخ 3/ 312.
[7]
طبقات ابن سعد 7/ 92، 93 وانظر: الأخبار الطوال لابن قتيبة 144.
ألست أمّك؟ ولي عليك حقّ، فكلَّمَهَا، فَقَالَتْ: إنّما أريد أنْ أصْلِحَ بين النّاس. فذلك حين خرج ونشر المُصْحف، ومشى بين الصَّفَّين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله] [1] .
وَقَالَ حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتّى قُتلَ [2] .
وَقَالَ غيره: اصطفّ الفريقان، وليس لطلحة ولا لعليّ رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنَّبْل، وشبّت نارُ الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يَقُولُ:(أيها الّناس أنْصِتُوا) ، والفتنة تغلي، فَقَالَ: أُفّ فَرَاش النار، وذِئاب طمع، وَقَالَ: اللَّهمّ خذ لعثمان منّي اليوم حتّى ترضى، إنّا داهَنّا في أمر عثمان، كنّا أمس يدًا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جَبَلَيْن من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان منّي في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلّا بسفْك دمي، وبطلَب دمِه [3] .
فروى قَتَادة، عن الجارود بن أبي سَبْرَة الهُذَليّ قَالَ: نظر مروان بن الحَكَم إلى طلحة يوم الجمل، فَقَالَ: لَا أطلب ثأري بعد اليوم، فرَمى طلحة بسهم فقتله [4] .
وَقَالَ قيس بن أبي حازم: رأيت مَروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذٍ بسهمٍ، فوقع في رُكبته، فما زال يسحّ حتّى مات [5] . وفي بعض
[1] ما بين الحاصرتين مستدرك من المنتقى لابن الملّا.
[2]
تاريخ خليفة 185، الأخبار الطوال 149.
[3]
انظر طبقات ابن سعد 3/ 222، أنساب الأشراف (ترجمة الإمام عليّ)247.
[4]
تاريخ خليفة 185، طبقات ابن سعد 3/ 223، أنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) - ص 246.
[5]
طبقات ابن سعد 3/ 223، أنساب الأشراف 247، المعرفة والتاريخ 3/ 312.
طُرُقه: رماه بسهمٍ، وَقَالَ: هذا ممّن أعان على عثمان.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أنّ مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وَقَالَ: قد كفيناك بعض قَتَلَة أبيك [1] .
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ رَجُلٍ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: بَشِّرُوا قاتل طلحة بالنّار [2] . وعن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: خرجنا مع عليّ إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الرَّبَذَة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وَقَالَ: ائْذنْ لي فأتكلّم، فَقَالَ: تكلّم، ودعْ عنك أنْ تحن حنين الجارية، قَالَ: لقد كنت أشرتُ عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إنّ للعرب جوْلة، ولو قد رجعَتْ إليها غواربُ أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حُجْر الضَّبّ [3] .
فَقَالَ عليّ: أتراني لا أبا لك كنتُ منتظرًا كما تنتظر الضَّبُعُ اللَّدْمَ [4] . وَرُوِيَ نحوه من وجهين آخرين [5] .
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمّ له قال: لمّا كان يوم الجمل نادى عليّ في النّاس: لَا ترموا أحدًا بسهم، وكلِّموا القوم، فإنّ هذا مقام من فَلَجَ فيه فُلِج [6] يوم القيامة، قَالَ: فتوافقنا حتّى أتانا حَرُّ الحديد، ثمّ إنّ
[1] تاريخ خليفة 185، أنساب الأشراف 246.
[2]
طبقات ابن سعد 3/ 225.
[3]
سير أعلام النبلاء 3/ 261، وانظر الأخبار الطوال 145.
[4]
في النهاية وغيرها: والله لا أكون مثل الضّبع تسمع اللّدم فتخرج حتّى تصطاد. إذا أرادوا صيد الضّبع ضربوا حجرها بحجر أو بأيديهم، فتحسبه شيئا تصيده، فتخرج لتأخذه، فتصاد. أراد إنّي لا أخدع كما تخدع الضّبع باللّدم.
[5]
انظر المستدرك للحاكم 3/ 115.
[6]
وردت مصحّفة في بعض النسخ، والتصحيح من (ع) والنهاية.
القوم نادوا بأجمعهم: (يا لثارات عثمان)، قَالَ: وابن الحَنَفِيَّةِ أمامنا رتوة [1] معه اللّواء، فمدّ عليٌّ يديه وَقَالَ: اللَّهمّ أكِبَّ قتله عثمان على وُجُوههم، ثمّ إن الزُّبَيْر قَالَ لأساوِرَة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنّه إنّما أراد أن ينشب القتال. فلمّا نظر أصحابنا إلى النّشّاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهْمٍ فشكّ ساقه بجَنْب فَرَسه.
وعن أبي جرو [2] المازِنّي قَالَ: شهِدْت عليًّا والزُّبَيْر حين تواقفا، فَقَالَ له عليّ: يا زُبير أنْشُدُك الله أسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنّك تقاتلُني وأنت ظالم لي» ؟ قَالَ: نعم ولم أَذْكُرُه إلّا في موقفي هذا، ثمّ انصرف [3] . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ، لَيْتَ أَبَاكَ مَاتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَمْ أَرَ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا. [وَقَالَ ابن سعد [4] : إنّ محمد بن طلحة [5] تقدّم فأخذ بخطام الجمل [6] ، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم (حم) فطعنه فقتله، ثُمَّ قَالَ في محمد:
وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآيات ربِّهِ
…
قليلِ الَأذَى فيما ترى العينُ مسلمِ
هتكتُ له بالرّمح جيبَ قميصه
…
فخرّ صريعا لليدين وللفم
[1] الرتوة: الخطوة، على ما في النهاية، ووردت مصحّفة في منتقى أحمد الثالث، ع.
[2]
وردت محرّفة في نسخة الدّار، ومنتقى أحمد الثالث، ع، والتصحيح من (تهذيب التهذيب) .
[3]
المطالب العالية لابن حجر (4476) منسوب إلى أبي يعلى، والإصابة 1/ 546، والأسامي والكنى للحاكم (مخطوط دار الكتب- خزانة محمد عبده 1- ورقة 119) .
[4]
في الطبقات 5/ 54، 55.
[5]
المعروف بالسجّاد.
[6]
أي جمل السيّدة عائشة.
يُذَكّرني [1](حم) وَالرُّمْحُ شاجرٌ [2]
…
فهلّا تلا (حم) قبل التَّقدُّمِ
على غير شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعًا
…
عليًّا ومَن لَا يَتْبَعِ الْحَقَّ يندَمِ
فسار عليّ ليلته في الْقَتْلَى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلًا، فَقَالَ، يا حسن (محمّد السّجّاد وربّ الكعبة)، ثمّ قَالَ: أبوه صَرَعَه هذا المصرع، ولولا برِّه بأبيه مَا خَرَج. فَقَالَ الحسن: ما كان أغناك عن هذا، فقال: ما لي وما لك يا حسن [3]] [4] . وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وناداه عليّ يأبا عَبْدِ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى الْتَقَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّه، أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أُنَاجِيكَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«تناجيه فو الله لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ» . قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، فَضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتَهُ وَانْصَرَفَ [5] . وَقَالَ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ [6] ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِلزُّبَيْرِ: يَا بْنَ صَفِيَّةَ، هَذِهِ عَائِشَةُ تملِكُ طَلْحَةَ، فَأَنْتَ عَلَى مَاذَا تُقَاتِلُ قَرِيبَكَ عَلِيًّا؟ فَرَجَعَ الزّبير،
[1] في البداية والنهاية 7/ 244 (يناشدني) بدل (يذكّرني) ، وفي (تاريخ الطبري 5/ 526) كما في النّصّ، وكذلك في طبقات ابن سعد.
[2]
في طبقات ابن سعد «شاعر» .
[3]
ما بين الحاصرتين زيادة من (ع) والمنتقى لابن الملّا.
[4]
طبقات ابن سعد 5/ 55.
[5]
أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 366 من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديليّ، قال: شهدت الزبير خرج يريد عليّا. فقال له عليّ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تقاتله وأنت له ظالم؟ فقال: لم أذكر، ثم مضى الزبير منصرفا.
وصحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي في تلخيصه. وانظر المطالب العالية (4468) و (4469) و (4470) و (4476) .
[6]
في نسخة دار الكتب «الخياط» ، والتصحيح من النسخة (ع) .
فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ [1] .
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: انصرف الزُّبَيْر يوم الجمل عن عليّ، وهم في المصافّ، فَقَالَ له ابنه عبد الله: جُبْنًا جُبْنًا، فَقَالَ: قد علم النّاس أنّي لست بجبانٍ، ولكن ذكَّرني عليّ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لَا أقاتله، ثمّ قَالَ:
تَرْكُ الأمورِ التي أخشي عواقِبَها
…
في الله أحْسَنُ في الدُّنيا وفي الدِّين [2]
[وَكِيعٌ، عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ- وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الجمل الأديب، يُقْتَلُ حَوَالَيْهَا قَتْلَى كَثِيرُونَ، وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ» [3]] . وقيل: إنّ أوّل قتيلٍ كان يومئذٍ مسلم الجُهَنيّ، أمره عليّ فحمل مُصْحفًا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتِلَ. وَقُطِعَتْ يومئذ سبعون يدًا من بني ضبّة [4] بالسيوف، صار كلَّما أخذ رجل بخطام الجمل الَّذِي لعائشة، قطِعَتْ يدُه، فيقوم آخرُ مكانه وَيَرْتَجِزُ، إلى أن صرخ صارخ اعقُروا الجمل، فعقره رجلٌ مُخْتَلَفٌ في اسمه، وبقي الجمل والهودج الَّذِي عليه، كأنّه قُنْفُذٌ من النَّبْلِ، وكان الهودج مُلَبَّسًا بالدُّروع، وداخله أمّ المؤمنين، وهي تشجّع الذين حول الجمل:(مَا شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)[5] .
ثمّ إنّها ندِمَتْ، وَنَدِمَ عليّ لأجل ما وقع.
[1] رجاله ثقات. أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 110 بنحوه، وابن حجر في الإصابة 1/ 546، وانظر: أنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) 251 التذكرة الحمدونية 2/ 475.
[2]
حلية الأولياء 1/ 91.
[3]
ما بين الحاصرتين زيادة من (ع) فقط.
[4]
وردت مصحّفة، والتصحيح من تاريخ خليفة 186 وشذرات الذهب 1/ 42، وتاريخ الطبري 4/ 539.
[5]
انظر مروج الذهب 2/ 375، 376.