الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنَة سَبْع وَثَلاثِين
وقعة صفين [1]
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: أنبأ مُحَمَّد بْن عُمَر قَالَ: لما قُتِلَ عُثْمَان، كتبت نائلة زوجته إِلَى الشام إِلَى مُعَاوِيَة كتابًا تصف فِيهِ كيف دُخِلَ على عُثْمَان وقُتِلَ، وبعثت إليه بقميصه بالدِّماء، فقرأ مُعَاوِيَة الكتاب على أَهْل الشام، وَطَيَّفَ بالقميص فِي أجناد الشام، وحرَّضهم على الطَّلب بدمه، فبايعوا مُعَاوِيَة على الطَّلب بدمه.
ولمّا بوُيع عليّ بالخلافة قال له ابنه الحَسَن وابن عبّاس: اكتب إلى مُعَاوِيَة فأقرَّه على الشَّام، وأَطْمِعْهُ فإنّه سيطمع ويكفيك نفسَه وناحيته، فإذا بايع لك النّاس أَقْرَرْته أو عَزَلْته، قَالَ: فإنّه لَا يرضى حَتَّى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أنْ لَا أعزله، قَالا: لَا تُعْطه ذلك. وبلغ ذلك مُعَاوِيَة فقال:
والله لَا ألي له شيئًا ولا أبايعه، وأظهر بالشام أنّ الزُّبَيْر بْن العوّام قادم عليهم، وأنّه مُبَايع له، فلمّا بلغه (أمر الجمل) أمسك، فلمّا بلغه قتْلُ الزُّبير [2] ترحَّم عليه وقال: لو قدِم علينا لبَايَعْناه وكان أهلا.
[1] صفّين اليوم في موضع قرية (أبي هريرة) بقرب الرقة، في شمال سورية، على شاطئ الفرات.
[2]
في المنتقى لابن الملّا (ابن الزّبير) وهو وهم.
فلمّا انصرف عليّ من البصرة، أرسل جرير بْن عَبْد الله البَجليّ إِلَى مُعَاوِيَة، فكلَّم مُعَاوِيَة، وعظَّم أمرَ عليٍّ ومُبَايعته [1] واجتماع النّاس عليه، فأبى أنْ يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلامٌ كثير، فانصرف جريرُ إِلَى عليّ فَأَخْبَرَه، فأجمع على المسير إِلَى الشام، وبعث معاويةُ أَبَا مسلم الخَوْلاني إِلَى عليّ بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قَتَلَة عثمان، فأبى عليّ، وجرت بينهما رسائل.
ثمّ سار كلٌّ منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفِّين لسبْعٍ بقين من المحرّم، وشبَّت الحربُ بينهم فِي أوّل صفر، فاقتتلوا أيّامًا.
فَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الْحَجِّ، فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، ثُمَّ قَدِمْتُ وَقَدْ قُتِلَ وَبُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا، قُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيِ، مُعَاوِيَةَ ابْنِ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلِهِ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ، وَأَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي، قَالَ عَلِيٌّ: وَلِمَ؟
قُلْتُ: لِقَرَابَتِي مِنْكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ حَمَلَ عَلَيَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَمُنَّهُ وَعِدْهُ. فَأَبَى عَلِيٌّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا. رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لعليّ: ابعثني إلى معاوية، فو الله لأَفْتِلَنَّ لَهُ حَبْلا لا يَنْقَطِعُ وَسَطُهُ، قَالَ: لَسْتُ مِنْ مَكْرِكَ وَمَكْرِهِ فِي شَيْءٍ، وَلا أَعْطِيهِ إِلا السَّيْفَ، حَتَّى يَغْلِبَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ:
كَيْفَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ يُطَاعُ وَلا يُعْصَى، وَأَنْتَ عَنْ قَلِيلٍ تُعْصَى وَلا تُطَاعُ، قَالَ: فَلَمَّا جَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَخْتَلِفُونَ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه قال: للَّه درّ [2]
[1] في المنتقى لابن الملا، ع، ح (وسابقته) بدل (مبايعته) التي في نسخة الدار.
[2]
(در) ساقطة من نسخة الدار، فاستدركتها من المنتقى لابن الملا.
ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى الْغَيْبِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ.
وقال مجالد، عن الشَّعْبِيّ قَالَ: لمّا قُتِلَ عُثْمَان، أرسلتْ أمُّ المؤمنين [1] أمّ حبيبة بنت أَبِي سُفيان إِلَى أَهْل عُثْمَان: أرسِلُوا إليّ بثياب عُثْمَان التي قُتِلَ فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضَرَّجًا بالدَّم، وبُخصْلة الشَّعْر التي نُتِفَتْ من لِحْيَتِهِ، ثمّ دعتِ النُّعمان بْن بشير، فبعثته إِلَى مُعَاوِيَة، فمضى بِذَلِك وبكتابها، فصعد مُعَاوِيَة المنبر، وجمع النّاس، ونشر القميص عليهم، وذكر مَا صُنِعَ بعثمان، ودعا إِلَى الطَّلب بدمه.
فقام أَهْل الشام فقالوا: هُوَ ابن عمّك وأنت وليّه، ونحن الطّالبون معك بدمه، وبايعوا له.
وقال يُونُس، عن الزُّهْرِيّ قَالَ [2] : لمّا بلغ مُعَاوِيَة قتْلَ طَلْحَةَ والزُّبَيْر، وظهور عليّ، دعا أَهْل الشام للقتال معه على الشُّورى والطَّلب بدم عُثْمَان، فبايعوه على ذلك أميرًا غير خليفة.
وذكر يحيى الجُعْفيّ فِي (كتاب صِفِّين) بإسناده أنّ مُعَاوِيَة قال لجرير ابن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ:
وبعث الْوَلِيد بْن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ: وبعث الْوَلِيد بْن عقبة إليه يقول:
مُعَاوِيّ إنّ الشام شامُك فاعتصمْ
…
بشامِكَ لَا تُدْخِلْ عليك الأفاعيا
وحامٍ عليها بالقبائل والقِنا
…
ولا تك محشوش الذّراعين وانيا
فإنّ عليًّا ناظرٌ مَا تُجِيبُه
…
فَاهْدِ له حربا تشيب النّواصيا [3]
[1](أم المؤمنين) مستدركة من المنتقى لابن الملا.
[2]
(قال) سقطت من نسخة الدار، فاستدركتها من ع، ح وغيرهما.
[3]
انظر أنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) - ص 289 و 290 وفيه:
وحام عليه بالقبائل والفنا (كذا)
…
ولاتك ذا عجز ولا تلف وانيا
وإنّ عليّا ناظر ما تريغه
…
فأوقد له حَرْبًا تُشِيب النَّوَاصيَا
وحدّثني يَعْلَى بْن عُبَيْد: ثنا أبي قَالَ: قال أَبُو مُسْلِم الخَوْلاني وجماعة لمعاوية: أنت تُنازع عليًّا! هَلْ أنت مثله؟ فقال: لَا والله إنّي لأعلم أنّ عليًّا أفضل منّي وأحقّ بالأمر، ولكن ألَسْتُمْ تعلمون أنّ عُثْمَان قُتِلَ مظلومًا، وأنا ابن عمّه، وإنّما أطلب بدمه، فأتُوا عليًّا فقولوا له: فلْيَدْفَعْ إليّ قَتَلَة عُثْمَان وأسلم له، فأتّوْا عليًّا فكلَّموه بِذَلِك، فلم يدفعهم إليه.
وَحَدَّثَنِي خَلادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ- أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ شَكَّ خَلادٌ- قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ دَعَا عَلِيٌّ رضي الله عنه رَجُلا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْتَقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَيَدْخُلَ بِهَيْئَةِ السَّفَرِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ، وَكَانَ قَدْ وَصَّاهُ بِمَا يَقُولُ [1]، فَسَأَلُوهُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ الْعِرَاقِ: قَالُوا: ما وَرَاءَكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ عَلِيًّا قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُمْ وَنَهَدَ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ. فبلغ مُعَاوِيَة، فأرسل أَبَا الأعور السُّلَمِيّ يحقّق أمره، فأتاه فسأله، فَأَخْبَرَه بالأمر الَّذِي شاع، فنودي: الصّلاة جامعة، وامتلأ النّاس فِي المسجد، فصعد معاوية المِنْبَر وتشهّدّ ثمّ قَالَ: إنّ عليًّا قد نَهَدَ إليكم فِي أَهْل العراق، فَمَا الرّأي؟ فضرب النّاس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفعْ إليه أحدٌ طَرْفَه، فقام ذو الكلاع الحِمْيرِيّ فقال: عليك الرأيّ وعلينا أمّ فعال- يعني الفِعال [2]- فنزل مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النّاس: اخرجوا إِلَى مُعَسْكَركم، ومن تخلَّف بعد ثلاثٍ أحلّ بنفسه [3] .
فخرج رسول عليّ حتّى وافاه، فَأَخْبَرَه بِذَلِك، فأمر عليٌّ فنوديّ:
الصّلاة جامعة، فاجتمع النّاس، وصعِدَ المِنْبَر فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثمّ
[1](بما يقول) سقطت من نسخة الدار، فاستدركتها من ابن الملا.
[2]
وهي لغة حمير فإنّهم يجعلون لام التعريف ميما.
[3]
تهذيب تاريخ دمشق 5/ 272.
قَالَ: إنّ رسولي الَّذِي أرسلته إِلَى الشام قد قَدِمَ عليّ، وأخبرني أنّ مُعَاوِيَة قد نَهَدَ إليكم فِي أَهْل الشام فَمَا الرأي؟ قَالَ: فأضبَّ [1] أهلُ المسجد يقولون:
يا أمير المؤمنين الرأي كذا، الرأي كذا، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلّم، وكثُر اللَّغَط، فنزل وهو يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، 2: 156 ذهب بها ابن آكلة الأكباد، يعني مُعَاوِيَة. وقال الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي من رَأَى عليًّا يوم صِفِّين يصفِّق بيديه ويعضّ عليهما ويقول: وا عجبا أُعْصَى ويُطاع مُعَاوِيَة. وقال الواقديّ اقتتلوا أيّامًا حتّى قُتِلَ خلْقٌ وضجروا، فرفع أهلُ الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فِيهِ، وكان ذلك مكيدةً من عمرو بْن العاص، يعني لمّا رَأَى ظهورَ جيش عليّ. فاصطلحوا كما يأتي.
وقال الزُّهْرِيّ: اقتتلوا قتالًا لَم تَقْتَتِلْ هَذِهِ الأمةُ مثله قطّ، وغلب أَهْل العراق على قتلى أَهْل حمص، وغلب أَهْلُ الشام على قتلى أَهْل العالية، وكان على ميمنة عليّ الأشعث بْن قَيْس الكِنْدي، وعلى المَيْسَرة عَبْد الله بْن عبّاس، وعلى الرَّجَّالَةِ عَبْد الله بْن بُدَيْل بْن وَرْقَاء [2] الخُزَاعيّ، فقُتِلَ يومئذٍ.
ومن أمراء عليّ يومئذٍ الأحنف بْن قَيْس التَّيْميّ، وعمّار بْن ياسر العَنْسِيّ [3] وسليمان بْن صُرد الخُزاعيّ، وعَديّ بْن حاتم الطّائيّ، والأشتر النَّخْعي، وعمرو بْن الحَمِق الخُزَاعيّ، وشبَث [4] بْن رِبعيّ الرِّياحيّ، وسعيد بن قيس
[1] في نسخة الدار «فأصب» ، والتصحيح من «النهاية» حيث قال: يقال أضبّوا إذا تكلّموا متتابعا.
[2]
في الأصل «عبد الله بن عبديل بن ورقاء» ، والتصحيح من (شذرات الذهب 1/ 46) وبعض النّسخ.
[3]
في النسخ (العبسيّ) وهو تصحيف.
[4]
في نسخة الدار «شبيب» والتصحيح من بقية النسخ والتبصير بالدّين.
الهمداني، وكان رئيس هَمدَان المهاجر بْن خَالِد [1] بْن الْوَلِيد المخزوميّ، وقيس بْن مكشوح المُراديّ، وخُزَيْمة بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ، وغيرهم.
وكان عليّ فِي خمسين ألفًا، وقيل: فِي تسعين ألفًا، وقيل: كانوا مائة ألف [2] .
وكان مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفًا، وكان لواؤه مع عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن خَالِد بْن الْوَلِيد المخزوميّ، وعلى مَيْمَنَته عمرو بْن العاص، وقيل ابنه عُبَيْد الله بْن عمرو، وعلى الميسرة حبيب بْن مَسْلَمَة الفِهْريّ، وعلى الخيل عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ أَبُو الأعور السُّلميّ، وزُفَر بْن الْحَارِث، وذو الكلاعِ الحِميرِيّ، ومَسْلَمَة بْن مَخْلَد، وبُسْر بْن أرطاة العامريّ، وحابس بْن سعد الطّائي، ويزيد بْن هُبَيْرة السَّكونيّ، وغيرهم [3] .
قال عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَة [4] قَالَ: رَأَيْت عمار بْن ياسر بصِفّين، ورأى راية مُعَاوِيَة فقال: إنّ هَذِهِ قاتلْتُ بها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أربع مرّات. ثمّ قاتل حَتَّى قُتِلَ [5] .
وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أَبُو الأعور فِي خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثمّ غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه [6] .
[1] في نسخة الدار (والمهاجرين خالد) والتصحيح من (ح) وتاريخ الطبري 4/ 65
[2]
تاريخ خليفة 193.
[3]
تاريخ خليفة 195 و 196.
[4]
في نسخة الدار «مسلمة» والتصحيح من طبقات ابن سعد، وهو بكسر اللام، كما في تقريب التهذيب 1/ 420 رقم 352.
[5]
في النسخ اضطراب، والتصحيح من (مجمع الزوائد ج 7 ص 243) .
[6]
تاريخ خليفة 193، وانظر تاريخ الطبري 4/ 569 وما بعدها، ومروج الذهب للمسعوديّ 3/ 386.
ثُمَّ التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثُمَّ يوم الخميس والجمعة وليلة السَّبْت، ثُمَّ رفع أَهْل الشام لمّا رأوا الكَسْرَة الْمَصَاحِفَ بإشارة عمرو، ودعوا إِلَى الصُّلح والتّحكيم [1] ، فأجاب عليّ إلى تحكيم الحَكَمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لَا حُكم إلّا للَّه. وخرجوا عليه فهُمُ (الخوارج) وقال ثُوَيْر بْن أبي فاختة، عن أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ مع عليّ بصفين خمسة وعشرون بدْريًا. ثُوَيْر متروك.
قَالَ الشَّعْبِيّ: كان عَبْد الله بْن بُدَيْل يوم صفين عليه دِرْعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهلَ الشام ويقول:
لم يبق إلّا الصَّبْر وَالتَّوَكُّلْ
…
ثُمَّ [2] التمشّي فِي الرعيل الأوّلْ
مَشْيَ الْجِمَالِ فِي حياض الْمَنْهَلْ
…
والله يقضي مَا يشا ويفعلْ [3]
فلم يَزَلْ يضرب بسيفه حَتَّى انتهى إِلَى مُعَاوِيَة فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحابُ مُعَاوِيَة يرمونه بالحجارة حَتَّى أثخنوه وقُتِلَ، فَأَقْبَلَ إليه مُعَاوِيَة، وألقى عَبْد الله بْن عامر عليه، عمامته غطّاه بها وترحَّم عليه، فقال مُعَاوِيَة لعبد الله [4] : قد وَهَبْنَاه لك، هَذَا كَبْشُ [5] القومِ وربّ الكعبة، اللَّهمّ أظفر
[1] تاريخ خليفة 194.
[2]
في نهاية الأرب 20/ 123 «مع» بدل «ثم» .
[3]
البيتان في الاستيعاب 2/ 268، 269، وقعة صفين لابن مزاحم 276، نهاية الأرب للنويري 20/ 123، الإصابة 2/ 281.
وورد هذا الرجز عند ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1/ 486 هكذا:
لم يبق غير الصبر والتوكّل
…
والترس والرمح وسيف مصقل
ثُمَّ التمشّي فِي الرعيل الأوّلْ
…
مَشْيَ الْجِمَالِ في حياض المنهل
والقافية هنا بكسر اللام.
[4]
في نسخة دار الكتب «لعنة الله» بدل «عبد الله» والتصحيح من بقية النسخ، ونهاية الأرب 20/ 130.
[5]
بمعنى قائدهم ورئيسهم وحاميهم والمنظور إليه فيهم.
بالأشتر والأشعث، والله مَا مثل هَذَا إلّا كما قال الشاعر:
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحرب عضَّها
…
وإنْ شَمَّرتْ يومًا به الحربُ شَمّرا
كلَيْث هزَبرٍ كان يحمي ذِمارَهُ
…
رَمَتْهُ المَنايا قَصْدَهَا فتقصَّرا [1]
ثُمَّ قَالَ: لو قدِرَت نساءُ خُزاعةَ أنْ تُقاتلني فضلًا عن رجالها لَفَعَلَتْ [2] .
وَفِي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بْن شَرَاحيل، عن حَنَش [3] بْن عَبْد الله الصَّنْعاني [4] عن عَبْد الله بْن زُرَيْر [5] الغافقي قَالَ: لقد رأيتنا يوم صفِّين، فاقتتلنا نحن وأهل الشّام، حتّى ظننت أنّه لَا يبقى أحدٌ، فأسمع صائحًا يصيح: مَعْشَرَ النّاس، اللَّه اللَّه فِي النساء والوِلدان من الروم ومن الترك، الله الله [6] .
والتقينا، فأسمع حركةً من خلفي، فإذا عليٌّ يَعْدُو بالرّاية حَتَّى أقامها، ولحِقَه ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة [7]، فسمعته يقول: يا بُنَيّ الْزَمْ رايَتَكَ، فإنّي متقدِّمٌ فِي القوم، فأنظرُ إليه يضرب بالسّيف حتّى يفرج له، ثمّ يرجع فيهم.
[1] البيتان في الاستيعاب 2/ 269، وديوان حاتم الطائي 121، ومروج الذهب 2/ 398، وهما في الأخبار الطوال- ص 176 هكذا:
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحرب عضَّها
…
وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا
كليث عرين بات يحمي عرينه
…
رمته المنايا قصدها فتقطّرا
والبيتان أيضا في نهاية الأرب 20/ 131، وورد البيت الأول فقط في: تاريخ الطبري 5/ 24، والكامل لابن الأثير 3/ 302، وانظر شرح ابن أبي الحديد 1/ 486، والتذكرة الحمدونية 2/ 399.
[2]
وقعة صفين 276- 278.
[3]
في نسخة دار الكتب «حبش» ، والتصحيح من بقية النسخ.
[4]
في منتقى الأحمدية «الصغاني» ، وهو تحريف.
[5]
في نسخة دار الكتب مهمل، والتصويب من «المشتبه في أسماء الرجال» 1/ 336، وورد في النسخة (ع) و (ح)«ندير» وهو خطأ، وانظر طبقات ابن سعد 7/ 510.
[6]
مروج الذهب 2/ 400، والأخبار الطوال 719.
[7]
(ابن الحنفيّة) مستدركة من ابن الملا.
وقال [1] خليفة [2] : شهِدَ مع عليّ من البدْريين: عمار بْن ياسر، وسهل بْن حُنَيْف، وخَوّات بن جبير، وأبو سعد السّاعديّ، وأبو اليُسْر، ورِفَاعة بْن رافع الْأَنْصَارِيّ، وأبو أيّوب الأنصاريّ بخُلْفٍ فِيهِ، قَالَ: وشهد معه من الصحابة ممّن لم يشهد بدْرًا: خُزَيْمة بْن ثابت ذو الشهَّادتين، وقيس بْن سعد بْن عُبَادة، وأبو قَتَادَةَ، وسهل بْن سعد السّاعدي، وقَرَظَة [3] بْن كعب، وجابر بْن عَبْد الله، وابن عَبَّاس، والحسن، والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب، وأبو مَسْعُود عقبة بْن عمرو، وأبو عيّاش الزُّرَقي، وعديّ بْن حاتم، والأشعث بن قَيْس، وسليمان بْن صُرَد، وجُنْدُب بْن عَبْد الله، وجارية [4] بْن قُدامة السَّعْدِيّ.
وعن ابن سِيرِينَ قَالَ: قُتِلَ يوم صفين سبعون ألفًا يُعَدُّون بالقَصَب [5] .
وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستّين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفًا، منهم خمسة وأربعون ألفًا من أَهْل الشام [6] .
وقال عَبْد السلام بْن حرب، عن يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن، عن جَعْفَر- أظنّه ابن أبي المُغْيَرة- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبْزى، عن أَبِيهِ قَالَ:
شهدْنا مع عليّ ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرّضوان، قُتِلَ منهم ثلاثةٌ وستون رجلًا، منهم عمّار [7] .
وقال أَبُو عبيدة وغيره: كانت راية عليّ مع هاشم بن عتبة بن أبي
[1] من هنا خرم في (ع) يبلغ زهاء صفحة.
[2]
هذا القول غير موجود بنصّه في تاريخ خليفة. انظر ص: 194، 195.
[3]
في نسخة الدار (قريظة) والتصحيح من ابن الملّا والأحمدية، ح.
[4]
في نسخة الدار «حارثة» والتصحيح من الاستيعاب، ومنتقى الأحمدية، وتاريخ خليفة بن خياط 195.
[5]
تاريخ خليفة 194.
[6]
تاريخ خليفة 194.
[7]
تاريخ خليفة 196.
وقاص، وكان على الخيل عمّار بْن ياسر [1] .
وقال غيره: حيل بين عليّ وبين الفرات، لأن مُعَاوِيَة سَبَقَ إِلَى الماء، فأزالهم الأشعثُ عن الماء [2] .
قلت: ثُمَّ افترقوا وتواعدوا ليوم الحَكَمَيْن.
وقُتِلَ مع عليّ: خُزَيْمة بْن ثابت، وعمار بْن ياسر، وهاشم بْن عُتْبَة، وعبد الله بْن بُدَيْل، وعبد الله بْن كعب المُراديّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن كلدة الجمحي [3] ، وقيس بن مكشوح المرادي، وأُبيّ بْن قَيْس النخعي أخو عَلْقَمة، وسعد بْن الْحَارِث بْن الصِّمَّة الأنصاريّ، وجُنْدُب بْن زُهَير الغامِديّ، وأبو ليلى الْأَنْصَارِيّ [4] .
وقُتِلَ مع مُعَاوِيَة: ذو الكَلاع، وحَوْشَب ذو ظُلَيْم [5] ، وحابس بْن سعد الطّائي قاضي حمص، وعَمْرو بْن الحَضْرَميّ، وعُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب العدويّ، وعُرْوة بْن دَاوُد [6] ، وكُرَيْب بن الصَّبَّاح الحِمْيَريّ أحد الأبطال، قتلَ يومئذٍ جماعةً، ثُمَّ بارَزَه عليّ فقتله [7] .
قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْكُوفِيُّ الرَّافِضِيُّ: ثنا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عن الحارث بن حصيرة [8] ، وإنّ وَلَدَ ذِي الْكَلاعِ أَرْسَلَ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قيس
[1] تاريخ خليفة 194.
[2]
تاريخ خليفة 193.
[3]
هنا ينتهي الخرم الّذي في النسخة (ع) .
[4]
تاريخ خليفة 194.
[5]
في نسخة دار الكتب مهمل، والتصحيح من تاريخ خليفة 195، ومروج الذهب 2/ 399، والأخبار الطوال 185.
[6]
تاريخ خليفة 194.
[7]
الإصابة 3/ 314 رقم 7489.
[8]
في نسخة دار الكتب مهمل، وفي النسخة (ح)«حضيرة» ، والتصويب من تاريخ الطبري 4/ 540.