الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الأدلة
أولاً: أدلة من لم يجوز التعدد:
استدل من لم يجوز التعدد بالقرآن والسُّنَّة وإجماع الصحابة والمعقول:
1 -
فمن القرآن:
- قوله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} آل عمران/103.
- وقوله عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل عمران/105.
- وقوله عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال/46.
- وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا المعنى، ووجه الدلالة من هذه الآيات أنها جميعاً جاءت متفقة على الأمر بالوحدة والتضامن والنهي عن الافتراق والاختلاف، لما ينجم عن ذلك عادة من التنازع والفشل الممقوت، وكلها تدل على وجوب وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان إمامها واحداً لا ينازعه أحد.
2 -
ومن السُّنَّة أحاديث منها:
1 -
ما رواه مسلم عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلَّما هلك نبيٌّ خَلَفَهُ نبيٌّ، وإنَّه لا نبيَّ بعدي وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فُوا ببيعة الأوَّل فالأوَّل وأعطوهم حقَّهم فإنَّ الله سائلهم عمَّا استرعاهم» (1).
2 -
ما جاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر
…
إلى أن قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»
(1) صحيح البخاري: 3/ 1273 كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل رقم (3196) عن أبي هريرة. صحيح مسلم: 3/ 1471 كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء رقم (1842) عن أبي هريرة. سنن ابن ماجه: 2/ 958 كتاب الجهاد، باب الوفاء بالبيعة، رقم (2871) عن أبي هريرة.
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها» (1).
3 -
ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» (2).
4 -
ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (3).
5 -
ما رواه مسلم عن عرفجة أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يَشُقَّ عصاكم أو يُفرِّقَ جماعتَكم فاقتلوه» (4).
6 -
واستدل بقول أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة: «وقد رضيت لكم أحد هذين
(1) صحيح البخاري: 6/ 2595 كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة رقم (6673) عن حذيفة. صحيح مسلم: 3/ 1475 كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن رقم (1847) عن حذيفة. سنن ابن ماجه: 2/ 1317 كتاب الفتن، باب العزلة، رقم (3979) عن حذيفة بن اليمان.
(2)
روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في: صحيح مسلم: 3/ 1472 كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء رقم (1844). وسنن النسائي: 7/ 152 - 153 كتاب البيعة، باب ذكر ما على من بايع الإمام رقم (4191). وسنن أبي داود: 4/ 96 كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها رقم (4248). وسنن ابن ماجه: 2/ 1306 كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن رقم (3956). ومسند أحمد: 11/ 45 رقم (6501) و: 11/ 47 - 48 رقم (6503) عن عبد الله بن عمرو قال محقق الكتاب: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(3)
صحيح مسلم: 3/ 1480 كتاب الإمارة، باب إذا بويع لخليفتين رقم (1853) عن أبي سعيد الخدري. ورواه الطبراني في الأوسط: 3/ 144 رقم (2743) عن أبي هريرة بلفظ: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأحدث منهما» وقال: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا أبو هلال. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 198 باب النهي عن مبايعة خليفتين: رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو هلال وهو ثقة. وقال أيضاً: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. مسند أبي عوانة: 4/ 411 رقم (7133) عن أبي سعيد. سنن البيهقي الكبرى: 8/ 144 باب لا يصلح إمامان في عصر، عن أبي سعيد. وغيرهم.
(4)
صحيح مسلم: 3/ 1480 كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، رقم (1852) عن عرفجة. سنن أبي داود: 4/ 242 كتاب السنة، باب في قتل الخوارج رقم (4762) عن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون في أمتي هنات وهنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. سنن النسائي: 7/ 92 كتاب تحريم الدم، باب قتل من فارق الجماعة رقم (4020) عن عرفجة.
الرجلين» أن شرط الإمام أن يكون واحداً (1).
7 -
ما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو يرفعه: «لا يَحلُّ لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمَّروا عليهم أحدَهم» (2) وروى أبو داود عن أبي سعيد يرفعه: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدَهم» (3) وكلمة أحد هي كلمة واحد، وهي تدل على العدد أي واحداً ليس أكثر، ويفهم ذلك من مفهوم المخالفة لكلمة (أحدهم) ومفهوم المخالفة يعمل به عند الجمهور عدا أبي حنيفة (4) وجماهير المعتزلة، فإذا كان الحكم الشرعي في حق إمارة الثلاثة هكذا فإنَّه في حق الأمَّة الإسلاميَّة في جميع أنحاء العالم من باب أولى.
8 -
ويستأنس بما رواه الإمام أحمد أن ابن عمر رضي الله عنه أتى أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: يا أبا سعيد ألم أخبر أنك بايعت أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد! قال: نعم، بايعت ابن الزبير، فجاء أهل الشام فساقوني إلى جيش ابن دلجة فبايعته. فقال ابن عمر رضي الله عنه: إياها كنت أخاف، إياها كنت أخاف. ومدَّ بها حماد - أحد رواة الحديث - صوتَه. قال أبو سعيد: يا أبا عبد الرحمن أوَ لم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استطاع أن لا ينامَ نوماً ولا يصبحَ صباحاً ولا يمسيَ مساءاً إلا وعليه أمير. قال: نعم. ولكني أكره أن أبايع أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد» (5).
(1) صحيح البخاري: 6/ 2506 كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا رقم (6442) عن ابن عباس. وانظر فتح الباري لابن حجر: 12/ 156 عند شرح هذا الحديث.
(2)
مسند أحمد: 11/ 227 رقم (6647) عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو جزء من حديث أطول قال محقق الكتاب: «حديث حسن .. وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب رواه الحاكم: 1/ 611 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وله شاهد آخر من حديث أبي سعيد الخدري ومن حديث أبي هريرة عند أبي داود في سننه: 3/ 36 كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم رقم (2608) والبيهقي في السنن الكبرى: 3/ 89 باب كراهية إمامة الأعجمي واللحان رقم (4905)» .
(3)
سنن أبي داود: 3/ 36 كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، رقم (2608) عن أبي سعيد و (2609) عن أبي هريرة. نيل الأوطار للشوكاني: 9/ 157 كتاب النذر، باب وجوب نصب ولاية القضاء.
(4)
الإحكام للآمدي: 3/ 80. حاشية ابن عابدين: 4/ 433 كتاب الوقف، مطلب بيان مفهوم المخالفة حيث قال: «المفهوم عندنا غير معتبر في النصوص، والمراد به مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب».
(5)
مسند أحمد: 17/ 346 - 347 رقم (11247) عن أبي سعيد قال محقق الكتاب: إسناده ضعيف لضعف بشر بن حرب. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 219: رواه أحمد، وبشر بن حرب ضعيف. وانظر: العواصم من القواصم لابن العربي: ص 169.
3 -
ومن إجماع الصحابة رضي الله عنهم:
في سقيفة بني ساعدة (1) لمَّا قال الحباب رضي الله عنه: «منَّا أمير ومنكم أمير» ردَّ عليه أبو بكر رضي الله عنه: «إنَّه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران» (2)، فأعطى بذلك الحكمَ الشرعي في وحدة الخلافة ولم ينكر عليه أحد فانعقد الإجماع، ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثله يوم السقيفة:«سيفان في غمد واحد إذاً لا يصطلحان» (3).
وقد نقل هذا الإجماعَ الإمامُ النووي عن الجويني (4) والقرطبي (5) والقاضي عبد
(1) انظر العزو للإجماع في: الفصل في الملل لابن حزم: 4/ 72 - 73. مراتب الإجماع لابن حزم: ص 207 - 208. مقالات الإسلاميين للأشعري: ص 2. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 354. الرسالة للشافعي: ص 419.
(2)
رُوي قولُ الحباب - دون قول أبي بكر رضي الله عنه في: صحيح البخاري: 3/ 1341 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً رقم (3467) عن عائشة. المستدرك على الصحيحين: 3/ 70 رقم (4423) عن ابن مسعود. سنن النسائي الكبرى: 1/ 279 كتاب الإمامة، باب ذكر الإمامة والجماعة رقم (853) عن عبد الله بن مسعود. وفي السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 142 كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة، و: 8/ 145 كتاب قتال أهل البغي، باب لا يصلح إمامان في عصر. وصحيح ابن حبان: 2/ 157 رقم (414) ذكر الزجر عن الرغبة عن الآباء. مسند أحمد: 1/ 282 رقم (133) من مسند عمر بن الخطاب و: 6/ 309 رقم (3765) و: 6/ 393 رقم (3842) كلاهما من مسند عبد الله بن مسعود وقال محقق الكتاب: إسناده حسن لأن عاصم بن أبي النجود حسن الحديث. المعجم الكبير للطبراني: 7/ 56 - 57 (من اسمه سالم) رقم (6367) عن سالم بن عبيد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 183: «رواه الطبراني ورجاله ثقات» . وقال أيضاً: «رواه أحمد وأبو يعلى وفيه عاصم بن أبي النجود وهو ثقة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح» . قال محقق كتاب مسند أحمد 6/ 309 حاشية (1): لم نجده في مطبوع أبي يعلى ولعله في مسند أبي يعلى الكبير الذي لم يطبع. قلت: وأنا لم أجده أيضاً. وروى ابنُ ماجه بعضَه في سننه: 1/ 520 كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه، رقم (1627) عن عائشة. وانظر قول الحباب أيضاً في الفائق في غريب الحديث: 1/ 170، 201. ولم أجد من روى قول أبي بكر.
(3)
سنن البيهقي الكبرى: 8/ 144، 145 كتاب قتال أهل البغي، باب لا يصلح إمامان في عصر. السنن الكبرى للنسائي: 4/ 263 كتاب الوفاة، كيف صلي على رسول الله رقم (7119) عن سالم بن عبيد، و: 5/ 37 كتاب المناقب، فضل أبي بكر رقم (8109) عن سالم بن عبيد. مصنف عبد الرزاق: 5/ 444 بيعة أبي بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة رقم (9758) عن ابن عباس. ومسند البزار: 1/ 48، مما روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر رقم (194) عن ابن عباس. نوادر الأصول للحكيم الترمذي: 3/ 10 الأصل العاشر والمائتان عن سالم بن عبد الله. تاريخ الطبري: 2/ 243.
(4)
شرح النووي على مسلم: 12/ 232.
(5)
تفسير القرطبي: 1/ 273.