الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - المحاولة الثانية: مؤامرة مشتركة من أربعة أطراف بالاتفاق مع المهدي سنة 161 هـ/778 م:
اشترك فيها المهدي بن المنصور ضد عبد الرحمن الداخل، وكان لا يَقِلُّ كرهاً له من أبيه المنصور ورغبةً في استرداد الأندلس، ولكنه - متبعاً أسلوب وسياسة أبيه- لم يُقدِم على تجهيز الجيوش لبُعد الشُقة، فاعتمد على المحاولات الشخصية والثورات الداخلية.
وقد اشترك في هذه المحاولة - التي كانت من أخطر الحركات والمؤامرات التي تعرض لها عبد الرحمن الداخل - أربع جهات؛ اثنتان من داخل الأندلس واثنتان من خارجها، عبر جبهتين شمالية وجنوبية، أما الجبهة الشمالية فكانت بالاشتراك من سليمان بن يقظان الكلبي المعروف بالأعرابي أمير برشلونة اليمني، والحسين بن يحيى الأنصاري بالاتفاق مع شارلمان، وأما الجبهة الجنوبية فكانت بالاتفاق بين عبد الرحمن بن حبيب الفهري الصقلبي (1) قادماً من أفريقية بجيش كبير، وبين الرماحس بن عبد العزيز الكتاني (2)، ولولا اختلاف المشتركين بهذه المؤامرة وافتقارهم إلى التنسيق بينهم، لكانت فيها نهاية عبد الرحمن الداخل والدولة الأموية، ولكن يبدو أن هذه المؤامرة قد دبرت على عجل ولم تكن الأطراف المشتركة فيها تثق ببعضها ولا يجمعها إلا عداوة الداخل، مما أدى إلى وقوع الخلاف بينهم، وقيام عبد الرحمن الداخل بمقاتلة كل طرف على حدة وهزيمتهم جميعاً (3).
(1) وهو غير عبد الرحمن بن حبيب الفهري الذي كان والياً على أفريقية منذ سنة 126 هـ بعد أن ثار على حنظلة بن صفوان الكلبي عاملها لهشام بن عبد الملك، وانتهت الدولة الأموية وهو على أفريقية، وقد قُتل عبد الرحمن هذا على يد أخيه سنة 137هـ/754 م في أيام الوليد بن يزيد. مآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 155 وما بعدها. المغرب الكبير للدكتور عبد العزيز سالم: ص 323. العلاقات السياسية والثقافية لسالم الخلف: ص 119.
(2)
انظر ترجمة الرماحس بن عبد العزيز الكتاني في فهرس التراجم: رقم (62).
(3)
الكامل لابن الأثير: 5/ 239. البيان المغرب لابن عذاري: 2/ 55، 83 - 84. أخبار مجموعة لمجهول: ص 100، 110 - 115، 240 حيث يذكر أن الرماحس التجأ إلى المنصور. نهاية الأرب للنويري: 22/ 7. الدولة العربية لإبراهيم بيضون: ص 199. تاريخ البحرية لعبد العزيز سالم: ص 202 - 204. دولة الإسلام لعنان: ص 166، 172. العلاقات السياسية للراشد: ص 116 - 117. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 79 وما بعدها.
أشاع الداخل بعد انتصاره على هذه الثورة بعزمه على غزو الشام وانتزاعه من العباسيين، وأخذ يكاتب أنصاره من بني أمية بالشام ويعدهم بتأييده، حتى أنه أعدَّ الترتيبات وعهد بولاية الأندلس إلى ابنه سليمان، والظاهر أن ما ذكره المؤرخون من عزم عبد الرحمن الداخل على غزو الشام لم يكن إلا تهديداً وإزعاجاً للعباسيين، ومجرد رغبة تقف عوامل كثيرة دون تحقيقها، وقد استمرت العلاقات سيئة بين الدولتين، فعلاقة الرشيد بعبد الرحمن لم تكن في يوم من الأيام علاقة حسنة، وكان العباسيون يرون الأمويين في الأندلس مغتصبين للحكم ومتمردين يجب القضاء عليهم (1).
ويمكن الإشارة إلى نية لمحاولة ثالثة أراد القيام بها المعتصم فعاجلته المنية (2) ولم يفكر الأمويون ولا العباسيون بعدها في مواصلة تلك المحاولات المستحيلة.
وكان من أسباب فشل الخلافة العباسية في استرجاع الأندلس إضافة إلى ما سبق ذكره هو شخصية عبد الرحمن الداخل فقد كان يتصف بصفات نادرة، حتى قيل: ملك الدنيا ابنا بربريتين الداخل والمنصور، حتى أن المنصور لم يأنف من مدحه ووصفه بصقر قريش وهو خصمه العنيد، وهذه الشهادة خير دليل على ما كان يتمتع به الداخل من صفات، فقد ذكر المؤرخون أن أبا جعفر المنصور قال لأصحابه: «أخبروني عن صقر قريش من هو؟ قالوا: أمير المؤمنين الذي راضَ الملكَ، وسكَّن الزلازل، وحسم الأدواء وأباد الأعداء، قال: ما صنعتم شيئاً، قالوا: فمعاوية، قال: ولا هذا. قالوا: فعبد الملك بن مروان، قال: ولا هذا، قالوا: فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد الرحمن بن معاوية الذي عبر البحر وقطع القفر، ودخل بلداً عجميّاً مفرداً، فمصَّر الأمصار وجنَّد الأجناد، ودوَّن الدواوين، وأقام ملكاً بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة شكيمته (3).
(1) نفح الطيب للمقري: 4/ 54. تاريخ ابن خلدون: 3/ 446.
(2)
نفح الطيب: 1/ 346 - 347. تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 335 - 337. العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والأندلس للراشد: ص 117. الأمويون أمراء الأندلس الأول للدكتور أحمد إبراهيم الشعراوي: ص 105.
بويع للمعتصم بالخلافة بعد المأمون في شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، ومات يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة 227 هـ. تاريخ الطبري: 5/ 205.
(3)
العقد الفريد لابن عبد ربه: 4/ 449. نفح الطيب للمقري: 1/ 157.