الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بلد الإمام الميت قبله (1).
وأجاز بعض الزيدية تعدد الأئمة في بلدين (2).
القسم الثالث: حكم تعدد الخلفاء في البلدان البعيدة:
لا يختلف حكم تعدد الخلفاء هنا عن حكم التعدد في البلدان القريبة عند جمهور أهل السنة من المتكلمين (3)، والحنفية (4) وأكثر المالكية (5) والشافعية (6) والحنابلة (7)، والظاهرية (8) والإباضية (9) والمعتزلة (10).
إلا أنه أجاز بعض المتكلمين من أهل السنة تعدد الخلفاء في الأماكن البعيدة للضرورة كالإسفراييني (11)، والبغدادي (12) وأبي الحسن الأشعري (13)، والإيجي والجرجاني والفناري (14)، وظاهر كلام الجويني في كتابه (الإرشاد)(15)، والحقيقة أن
(1) الفصل في الملل لابن حزم: 4/ 130.
(2)
الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 155، 162. منار الهدى لعلي البحراني: ص 20.
(3)
أصول الدين للبغدادي: ص 274. المعتمد في أصول الدين للفرَّاء: ص 248.
(4)
البحر الرائق لابن نجيم: 6/ 299.
(5)
حاشية الدسوقي: 4/ 134 - 135.
(6)
روضة الطالبين للنووي: 10/ 47 كتاب الإمامة وقتال البغاة. أسنى المطالب للأنصاري: 4/ 110. الرسالة للشافعي: ص 419. أدب الدنيا والدين للماوردي: ص 136.
(7)
الأحكام السلطانية للفرَّاء: ص 25.
(8)
المحلى لابن حزم: 9/ 360 مسألة (1771).
(9)
شرح كتاب النيل لأطفيش: مج 14/ج 1 ص 335 - 336، 369، 370.
(10)
الجوابات واستحقاق الإمامة للجاحظ: 4/ 303، 306. البحر الزَّخَّار لابن المرتضى: 5/ 386. الموسوعة الفقهية: 6/ 226.
(11)
أصول الدين للبغدادي: ص 274. غياث الأمم للجويني: ص 28. مآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 46 - 47. صبح الأعشى للقلشندي: 9/ 287. تفسير القرطبي: 1/ 273. الأحكام السلطانية للماوردي: ص 10. روضة الطالبين للنووي: 1/ 47 كتاب الإمامة وقتال البغاة، وقال النووي: الصحيح الذي عليه الجمهور هو عدم الجواز. وانظر ترجمة الإسفراييني في فهرس التراجم: رقم (28).
(12)
الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي: ص 341. أصول الدين للبغدادي: ص 274.
(13)
كما قال الجويني في غياث الأمم: ص 28.
(14)
المواقف للإيجي: 3/ 591. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 353. حاشية الفناري على شرح المواقف للجرجاني: 8/ 353.
(15)
الإرشاد للجويني: ص 425. وقال النووي عن رأي الجويني: هو قول فاسد. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 12/ 231 - 232. تفسير القرطبي: 1/ 273.
الجويني لم يَقُلْ بجواز التعدد عند تباعد الأراضي، لكنه أجاز تعيين أمير آخر في البلد البعيد ولكنه لم يُسَمِّه خليفةً، وقد بيَّن الجويني رأيه هذا في كتابه (غياث الأمم) بقوله: «تباينت المذاهب إذا كانت الحالة بحيث لا ينبسط رأي الإمام الواحد على الممالك، وذلك يتصور بأسباب: أ- منها اتساع الخِطَّة وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة، وقد يقع قوم في نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام. ب- وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين، فإذا اتفق ما ذكرناه، فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في كل قطر لا يبلغه نظر الإمام، ويعزى هذا المذهب إلى شيخنا أبي الحسن والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني.
وأنا أقول مستعيناً بالله: - والقائل هو الجويني- إن سبق عقدُ الإمامة لصالح لها، وكنَّا نراه عند العقد مستقلاً بالنظر في جميع الأقطار ثمَّ ظهر ما يمنع من انبثاث نظره، فلا وجه لترك الذين لا يبلغهم أمر الإمام مهملين ولكنَّهم ينصبون أميراً يرجعون إلى رأيه، ويصدرون عن أمره، ويلتزمون شرعة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يأتون ويذرون، ولا يكون ذلك المنصوب إماماً، ولو زالت الموانع واستمكن الإمام من النظر لهم أذعن الأمير والرعايا للإمام، فإن رأى تقرير من نصبوه فَعَل وإن رأى تغيير الأمير فرأيه المتبوع.
وإن لم يتقدم نصب إمام، ولكن خلا الدهر عن إمام في زمنِ فترةٍ وانفصل شطرٌ من الخطة عن شطر، وعَسُر نصب إمام واحد يشمل رأيه البلاد والعباد، فنُصِبَ أميرٌ في أحد الشطرين للضرورة في هذه الصورة، ونُصِبَ في القطر الآخر منصوب، ولم يقع العقد الواحد على حكم العموم، فالحقُّ المتبع في ذلك أنَّ واحداً منهما ليس إماماً إذ الإمام هو الواحد الذي به ارتباط المسلمين أجمعين، ولست أنكر تجويز نصبهما على حسب الحاجة ونفوذ أمرهما على موجب الشرع، ولكنَّه زمان خالٍ عن الإمام، ثم إن اتفق نصب إمام فحق على الأميرين أن يستسلما له» (1).
كما أجاز بعض الفقهاء التعدد في البلدان البعيدة للضرورة:
فقد ذهب المالكية في قول (2): إلى أنه إذا تباعدت البلاد وتعذرت الاستنابة
(1) غياث الأمم للجويني: ص 92 - 93.
(2)
حاشية الدسوقي: 4/ 134 - 135. جواهر الإكليل للآبي: 1/ 251. الفواكه الدواني للنفراوي: 1/ 106. حاشية العدوي على هامش الخرشي: 3/ 109. شرح منح الجليل لعليش: 3/ 139. تفسير القرطبي: 1/ 273. الموسوعة الفقهية: 6/ 226 (الإمامة الكبرى: شروط صحة ولاية العهد).
جاز تعدد الأئمة بقدر الحاجة.
وقال بعض الشافعية - كما ذكر الآمدي عنهم -: «إن تباعدت الأقطار وتناءت الديار بحيث لا يستقل إمام واحد بتدبيرها والنظر في أحوالها فقد قال بعض الأصحاب إنَّ إقامة إمام آخر في محل الاجتهاد» . ولم يبين الآمدي رأيه هو أو من القائل بهذا (1)، وقد ذكر الحلي في تذكرة الفقهاء أن أبا إسحاق من الشافعية قال بجواز نصب إمامين بإقليمين (2).
وأجازه بعض الحنابلة عند التغلب بناء على الضرورة (3).
وقال القرطبي: إذا تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان جاز إقامة إمامين (4).
ويروى عن الأصم وغيره - كما ذكر يوجه سوي - إمكان وجود أكثر من إمام في دار الإسلام إذا استجدت ظروف تستوجب ذلك كفقد الإمام الواحد سيطرته على أرجاء الخلافة، وانعدام قدرته على ضبط الأمور، على أن يحكم كل واحد من الأئمة مصره، وعلى أن يكونوا متعاونين فيما بينهم على البر والتقوى (5).
وقال بعض الإمامية بإمكان وجود إمامين أو أكثر ولكن الناطق منهم واحد، وزعموا أن علياً رضي الله عنه كان إماماً صامتاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا إمامين صامتين في وقت سيدنا علي رضي الله عنه، وأن الحسين بن علي رضي الله عنه كان إماماً صامتاً في عهد الحسن بن علي رضي الله عنه ثم نطق بعد موته، وأنكر أكثرهم ذلك، وعلى كل حال فلا يعتبر هذا قولاً بالتعدد طالما أن الإمام الناطق
(1) غاية المرام للآمدي: ص 382. الإمامة للآمدي: ص 174 وقال المحقق: «قصد الآمدي هنا أبا الحسن الأشعري وأبا إسحاق الإسفراييني والجويني». وانظر: غياث الأمم للجويني: ص 92 - 93. أصول الدين للبغدادي: ص 274. وروضة الطالبين للنووي: 10/ 47. مقالات الاسلاميين للأشعري: ص 460. أصول الدين للبزدوي: 189 - 190. الموسوعة الفقهية: 6/ 226 (الإمامة الكبرى: شروط صحة ولاية العهد).
(2)
روضة الطالبين للنووي: 10/ 47. غياث الأمم للجويني: ص 92 - 93. تذكرة الفقهاء للحلي: 1/ 453.
(3)
منار السبيل لابن ضويان: 2/ 353.
(4)
تفسير القرطبي: 1/ 273.
(5)
الجوابات في الإمامة للجاحظ: 4/ 285. تطور الفكر السياسي لِيوجَه سوي: ص 161.
واحد (1)، ويستدلون على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:«الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا» (2).
بينما قال أكثر الإمامية - كما مر- بالمنع من التعدد، مستدلين بما رواه الكليني عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا» قلت: يكون إمامان؟ قال: «لا، إلا وأحدهما صامت» (3).
وأجاز تعددَ الخلفاء للضرورة من علماء القرن الماضي والذي قبله:
1 -
مصطفى صبري حيث قال: إذا كان ذلك ضرورياً لبعد الشقة ولم يحصل مزاحمة كلٍ من الخلافات للأخرى فتنتقض قوة الكل، أو لا يتكون شيء منها رأساً وإن كان الأصوب والأنفع اتخاذ واحد منهم خليفة أعظم يقع نفوذه عليهم ويكون رأيه واجتهاده آخر مرجع لتوحيد الكلمة بين المسلمين (4).
2 -
ورشيد رضا حيث قال: قول من قال بالتعدد للضرورة أقوى من قول الجمهور بإمامة المتغلب للضرورة إذا كان كلٌ مستجمعاً للشروط، فإن كان في هذه تفرق (5) فهو في غير عدوان ولا عداوة، وفي تلك (6) بغي وجور ربما يفسد الدين والدنيا معاً، بل أفسدهما بالفعل (7).
3 -
وصديق حسن خان - ناقلاً عن الشوكاني - قال: «وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر أو الأقطار كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في غير
(1) الشافي في الإمامة للشريف المرتضى: 1/ 45 - 46. كتاب سليم بن قيس: ص 352. الامامة والتبصرة لابن بابويه القمي: ص 101. دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص 437. والمعروف عن الإمامية أنهم لا يجوزون تعدد الأئمة. انظر: الألفين للحلي: ص 51. مقالات الإسلاميين للأشعري: ص460 - 461. أصول الدين للبغدادي: ص 274.
(2)
بحار الأنوار للمجلسي: 43/ 291، ضمن حديث رقم (54)، و: 44/ 2، ضمن حديث رقم (2). علل الشرائع للشيخ الصدوق: 1/ 211.
(3)
الكافي للكليني: 1/ 178 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، رقم الحديث (1)، (4).
(4)
النكير على منكري النعمة لمصطفى صبري: ص 25 - 26. الأسرار الخفية لمصطفى حلمي: ص 147 - 148.
(5)
يقصد التعدد عند استجماع الشروط وإقامة العدل.
(6)
أي في حال إمكان الوحدة بينهما.
(7)
الخلافة لرشيد رضا: ص 56 - 57.
قطره أو أقطاره التي رجعت إلى ولايته فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، وتجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر ولا يجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها ولا يدرى من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة هذه تكليف بما لا يطاق، وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد، فإن أهل الصين والهند لا يدرون بمن له الولاية في أرض المغرب فضلاً عن أن يتمكنوا من طاعته وهكذا العكس، وكذلك أهل ما وراء النهر لا يدرون بمن له الولاية في اليمن وهكذا العكس، فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار» (1).
(1) الروضة الندية للقنوجي: ص 783. إكليل الكرامة للقنوجي: ص 125. السيل الجرَّار للشوكاني: 3/ 706 - 707 ولا يخفى أن مبررات التعدد التي ذكرها لم تعد تصلح بعد التقدم الهائل في المواصلات والاتصالات، حيث صار النقل المباشر للأحداث بين أطراف الأرض شيئاً عادياً وشائعاً. وانظر: الخلافة لرشيد رضا: 57 - 58 حيث نقل كلامَ صديق حسن خان وأيَّده. النكير على منكري النعمة لمصطفى صبري: ص 25 - 26. الأسرار الخفيَّة لمصطفى حلمي: ص 147 - 148.