الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد ذلك بنحو مائة عام.
على أن الخلافة الفاطمية لم تكن ظروفها - في ظل تقلص ممتلكاتها وتعرضها لأزمات اقتصادية متوالية - تسمح بإمداد البساسيري بقوة تسنده وتدعم موقفه، ولذلك لم يجد طغرلبك السلجوقي صعوبة تذكر في القضاء على فتنة البساسيري وإعادة الدعوة للعباسيين في بغداد مرة أخرى بعد انقطاع دام اثني عشر شهراً (1)، بل مد السلاجقة نفوذهم إلى الشام واستولوا على بعض ممتلكات الفاطميين بها، ولم يبق للفاطميين نفوذ إلا على مصر وجنوب فلسطين والحجاز واليمن، لتدخل الخلافة الفاطمية بعد ذلك مسلسل الضعف والانحطاط والتراجع، إلى أن سقطت سنة 567 هـ.
اضمحلال الخلافة الفاطمية وسقوطها:
ظلت الخلافة الفاطمية في مصر عزيزة الجانب مهيبة السلطان إلى الشطر الأول من خلافة المستنصر بالله (427 - 487هـ)، ففي عهده امتد سلطان الفاطميين إلى بلاد الشام وفلسطين والحجاز وصقلية وشمال إفريقية، وكان اسمه يذاع على كافة منابر البلاد الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً حتى البحر الأحمر شرقاً، بل في بغداد نفسها نحواً من سنة.
على أن عهد المستنصر نفسه حمل بذور الضعف والانهيار، وانطوى على عوامل الانحلال والتفكك، ففي عهده ضربت مصر مجاعة طاحنة أعقبها أوبئة مهلكة، فيما اصطلح المؤرخون على تسميته بالشدة العظمى أو الشدة المستنصرية، التي استمرت نحو ثمانية أعوام (446 - 454هـ) عصفت خلالها باقتصاد البلاد، وحصدت أرواح آلاف المصريين (2).
وقد نتج عن تدهور الاقتصاد المصري اضطراب الأوضاع الداخلية في البلاد، حتى إن منصب الوزارة قد تداوله أربعون وزيراً في تسع سنوات بعد قتل
(1) راجع في فتنة البساسيري والقضاء عليها: الكامل لابن الأثير: 9/ 608 وما بعدها. اتعاظ الحنفا للمقريزي: 2/ 250 - 258. النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 5/ 5 - 7. الدولة الفاطمية للدكتور أيمن سيد: 194 - 195. تاريخ مصر للدكتور الشيال: 1/ 156. مصر في عصر الدولة الفاطمية للدكتور سرور: ص 144 - 149.
(2)
إغاثة الأمة بكشف الغمة للمقريزي: ص 23 - 24. وراجع كذلك: اتعاظ الحنفا 2/ 224 وما بعدها. تاريخ مصر الإسلامية للدكتور جمال الدين الشيال: 1/ 157.
الوزير اليازوري سنة 450 هـ (1)، وهو دليل على مدى ما بلغته البلاد من فساد واضطراب في الشطر الثاني من خلافة المستنصر.
وتوالى انفصال أجزاء الدولة، فانفصل شمال إفريقيا «المغرب» كله وخطب للعباسيين، وفي سنة 463 هـ دخل النورمان صقلية واستولوا عليها، فخرجت بذلك عن حكم الفاطميين، بعد أن ظلت جزءاً من أملاكهم منذ قيام دولتهم.
وفي الوقت نفسه تطلع السلاجقة بعد استقرار نفوذهم في العراق إلى ضم بلاد الشام، فاستلبوا من الفاطميين أكثر مدن الشام، بحيث لم يبقَ للخلافة الفاطمية سوى بعض المدن الساحلية، وهكذا كان ظهور السلاجقة- أتباع المذهب السُّني - عاملاً من عوامل إضعاف الخلافة الفاطمية.
ثم أنشب الانقسام أظفاره داخل البيت الفاطمي نفسه، حيث كان المستنصر قبل وفاته قد جعل ولاية العهد من بعده لأكبر أبنائه أبي منصور نزار، فلما مرض أراد أخذ البيعة له، فظل الأفضل وزيره ومدبر دولته يحول بينه وبين هذا الأمر حتى توفي المستنصر، فعقد الأفضل البيعة لابنه المستعلي بالله، فخرج نزار إلى الإسكندرية حيث بايعه واليها التركي ناصر الدولة أفتكين بالخلافة، التي عده الأفضل خارجاً عليها، فجهز جيشاً وخرج على رأسه لقتال نزار ووالي الإسكندرية، ثم اعتقلهما فأمر المستعلي بقتلهما، وانقسم الفاطميون - منذ ذلك التاريخ - إلى مستعلية يؤمنون بحق المستعلي بالله في الخلافة، ونزارية يرون أن نزاراً أحق بها من أخيه (2).
وقد استغل الأفضل بن بدر الجمالي ذلك الانقسام داخل البيت الفاطمي، فقبض على زمام السلطة بيد من حديد واستبد بالأمور دون الخليفة الذي لم يكن له مع الأفضل أمر ولا نهي، إذ كان الأفضل يدبر أمر الدولة تدبير سلطنة وملك، لا تدبير وزارة (3).
وبدأت السلطة تنتقل فعليّاً ورسميّاً من أيدي الخلفاء إلى أيدي الوزراء وأصبح
(1) اتعاظ الحنفا للمقريزي: 2/ 236 وما بعدها.
(2)
تاريخ الدولة الفاطمية للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 172.
(3)
اتعاظ الحنفا للمقريزي: 3/ 27.
هؤلاء ألعوبة في يد أولئك، يحجرون عليهم ويتحكمون في مصائرهم كما يريدون (1).
وتضخم نفوذ الوزراء واتسعت سلطاتهم، وتحول منصب الوزارة من وزارة تنفيذ إلى وزارة تفويض، حتى سمي العهد الأخير من أيام الفاطميين
…
(466 - 567 هـ) عصر نفوذ الوزراء (2).
ثم عجلت الحروب الصليبية بنهاية الدولة الفاطمية، وكانت سبباً من أسباب سقوطها، حيث استغل السلطان نور الدين محمود بن زنكي - صاحب الشام وبطل الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين - الخلاف الشاجر بين شاور وزير الخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميين، وضرغام صاحب الباب على منصب الوزارة، فتدخل في شؤون مصر بعد أن استنجد به شاور، في حين لجأ ضرغام إلى الصليبيين.
وبعد حملات ثلاث أنفذها نور الدين محمود إلى مصر بقيادة الأمير أسد الدين شيركوه، نجح شيركوه في الحملة الثالثة سنة 564 هـ في الاستيلاء على مصر، فقلده الخليفة العاضد الفاطمي منصب الوزارة، فلم ينعم بها طويلاً، حيث توفي بعد شهرين، فخلفه في الوزارة ابن أخيه صلاح الدين يوسفُ بن أيوب، الذي نجح في تثبيت نفوذه في مصر في غضون سنوات ثلاث، أعلن بعدها رسميّاً سقوطَ الخلافة الفاطمية، حيث أمر في الجمعة الثانية من المحرم سنة 567 هـ، بقطع الخطبة للخليفة العاضد الفاطمي آخر خلفاء الفاطميين، والدعاء للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله (3).
ثم توفي العاضد بعد قطع الخطبة بثلاثة أيام، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ مصر الإسلامية عُرِفت بعصر سلاطين بني أيوب، الذين ضربوا أروع الأمثلة في جهاد الصليبيين، بعد أن فشل الفاطميون في مقاومتهم وطردهم من الأراضي الإسلامية فشلاً ذريعاً.
(1) تاريخ الدولة الفاطمية للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 170.
(2)
تاريخ الدولة الفاطمية للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 278.
(3)
راجع في ذلك: اتعاظ الحنفا للمقريزي: 3/ 264 وما بعدها. تاريخ مصر الإسلامية للدكتور جمال الدين الشيال: 1/ 169 - 171. 2/ 22 - 23.