الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلح على الحسن رضي الله عنه وبعث إليه عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز للمفاوضة معه، فقبل الحسن رضي الله عنه الصلح واشترط شروطاً تعهد له بها هذان الرجلان، ووافق معاوية عليها فيما بعد.
وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما ميالاً للصلح بين الناس فبعد رفض معاوية بيعةَ أبيه علي رضي الله عنه حتى يقتص من قتلة عثمان رضي الله عنه، دخل الحسن بن علي رضي الله عنهما على أبيه ودعاه إلى القعود وترك قتال معاوية رضي الله عنه (1).
وقد كان معاوية رضي الله عنه يعلم أن الحسن رضي الله عنه أكرهُ الناسِ للفتنة فلما توفي علي رضي الله عنه بعث إلى الحسن رضي الله عنه فأصلح ما بينه وبينه سراً وأعطاه معاوية رضي الله عنه عهداً إن حدث به حَدَثٌ والحسن حي ليسمينَّه وليجعلنَّ الأمر إليه فلما توثق منه سلَّم له وبايعه (2).
ولعل ما ذكره الطبري من أن الحسن رضي الله عنه راسل معاوية رضي الله عنه بالصلح بعد الحادثة التي حصلت في جيشه عند سريان الشائعات بمقتل قيس بن سعد رضي الله عنه قائد مقدمة جيشه، وقيام الغوغاء بمهاجمته ونهب سرادقه، أقول لعل مراسلته لمعاوية رضي الله عنه كانت بعد عرض معاوية رضي الله عنه الصلح عليه أولاً، والله أعلم (3).
شروط الصلح:
اشترط الحسن رضي الله عنه على معاوية رضي الله عنه عدداً من الشروط وهي:
1) أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبسيرة الخلفاء الصالحين (4).
(1) تاريخ الطبري: 3/ 4.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 264.
(3)
انظر تاريخ الطبري: 3/ 165.
(4)
فتح الباري لابن حجر: 13/ 63. المدائني فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: 4/ 8. وانظر البداية والنهاية لابن كثير: 8/ 18 - 19 حاشية (3) لمحقق الكتاب.
2) أن يكون الأمر للحسن رضي الله عنه من بعده، وليس لمعاوية رضي الله عنه أن يعهد به إلى أحد (1).
3) أن يترك سب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكره إلا بخير (2).
4) يسلم ما في بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف للحسن، وله خراج فسا ودرابجرد (3)، وأن يقضي معاوية رضي الله عنه ديون الحسن رضي الله عنه (4).
5) أن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم (5).
فأجابه معاوية رضي الله عنه وأعطاه ما سأل، وكان ببيت المال سبعة آلاف ألف درهم فاحتملها الحسن رضي الله عنه وتجهز هو وأهل بيته إلى المدينة وكفَّ معاوية رضي الله عنه عن سبِّ علي رضي الله عنه والحسنُ يسمع، وأجرى معاوية رضي الله عنه على الحسن رضي الله عنه كل سنة ألف ألف درهم وعاش الحسن رضي الله عنه بعد ذلك عشر سنين، (6) وقال السيوطي: كان عطاء الحسن رضي الله عنه من
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 191 - 192. البداية والنهاية لابن كثير: 8/ 18 - 19 حاشية (3) لمحقق الكتاب، = = 8/ 87. الإصابة لابن حجر: 2/ 68. سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 277، 278. الأخبار الطوال للدينوري: ص 218.
(2)
البداية والنهاية لابن كثير: 8/ 17، 8/ 18 - 19 حاشية (3) لمحقق الكتاب. وقال ابن الأثير: طلب الحسن من معاوية أن لا يشتم علياً فلم يجبه، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك ثم لم يفِ له به أيضاً. الكامل لابن الأثير: 2/ 272. سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 264. البدء والتاريخ للمقدسي: 6/ 5.
(3)
البداية والنهاية لابن كثير: 8/ 17، 8/ 18 - 19 حاشية (3) لمحقق الكتاب. تاريخ الطبري: 3/ 165. وفي الأخبار الطوال للدينوري: ص 218 أن يحمل لأخيه الحسين في كل عام ألفي ألف، ويفضل بني هاشم في العطاء والصلاة على بني عبد شمس. سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 264. درابجرد: كورة بفارس نفيسة عمَّرها دراب بن فارس، أصلها: دراب كرد، فعرِّب بنقل الكاف إلى الجيم، دراب: اسم رجل، وكرد معناه عمل. قال الإصطخري: فسا من مدن كورة درابجرد وهي أكبر من درابجرد. انظر معجم البلدان: 2/ 446 باب الدال والراء وما يليهما. والكورة: القرية أو البلدة.
(4)
تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 191 - 192.
(5)
الأخبار الطوال للدينوري: ص 218. تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 191 - 192. وقد شكك الشيباني بهذا الشرط في رسالته مواقف المعارضة: ص 637. وهو موجود إضافة لما سبق في فتوح ابن الأعثم: 4/ 160.
(6)
سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 264. تاريخ الطبري: 3/ 165، ولكن ذكر الطبري بعد هذه الصحيفة بقليل في: 3/ 167 أن الحسن ومعاوية اختلفا في شروط الصلح وأن معاوية عندها لم ينفذ من الشروط شيئاً. وهذا ما ذكره أيضاً ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: 13/ 272.
معاوية رضي الله عنه في كل سنة مائة ألف (1).
وكان هدف الحسن بن علي رضي الله عنه من مصالحة معاوية حقن دماء المسلمين، لعلمه أنه لا تغلب طائفةٌ الأخرى حتى تذهب أكثرها (2)، وهذا ما قاله لما تم الصلح بشروطه، فقد برز الحسن رضي الله عنه بين الصفين وقال: إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية، فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان له فما ينبغي أن أنازعه ثم قرأ:{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} الأنبياء /111، وكبر الناس فرحاً واختلطوا من ساعتهم وسُمِّيت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية رضي الله عنه من يومئذ (3). وكان يقول بعد ذلك:«قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم» (4).
وكان خلع الحسن رضي الله عنه نفسه من الولاية وتسليم الأمر لمعاوية رضي الله عنه في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين (5) ، وقيل في جمادى الأولى (6) ، فكانت خلافته خمسة أشهر ونحو نصف شهر وقيل سبعة أشهر وعشراً، وكان في خلعه نفسه وتسليم الأمر لمعاوية رضي الله عنه ظهور معجزتين للنبي صلى الله عليه وسلم إحداهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقه: «ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (7) فكان الأمر كذلك ، والثانية: أنه حسب يوم تسليمه فكان تمام ثلاثين سنة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْخِلافَةُ فِي أُمَّتي ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ» (8).
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 193.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 277. وانظر فقه الخلافة للسنهوري: ص 263.
(3)
شذرات الذهب لابن العماد: 1/ 52. فيض القدير للمناوي: 2/ 409.
(4)
حلية الأولياء للأصبهاني: 2/ 37.
(5)
ممن ذكر ذلك ابنُ حبان في صحيحه: 15/ 38. قال: سلمَّ الحسنُ الأمر إلى معاوية يوم الاثنين لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول، وسميت هذه السنة سنة الجماعة. وانظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 146.
(6)
انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 278. تاريخ الطبري: 3/ 261.
(7)
رواه عن أبي بكرة كل من: البخاري في صحيحه: 2/ 962 كتاب الصلح، باب قول النبي للحسن بن علي «ابني هذا سيد» رقم (2557). والترمذي في سننه: 5/ 658 كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين رقم (3773). والنسائي في سننه: 3/ 107 كتاب الجمعة، باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر رقم (1410) عن أبي بكرة. وأبو داود في سننه: 4/ 216 كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة، رقم (4662). وأحمد في مسنده: 34/ 138 في مسند البصريين رقم (20499) قال المحقق: حديث صحيح.
(8)
مآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 108. والحديث سبق تخريجه في ص (20) حاشية (4).