الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسماعيلي في مصر.
أ- إظهار الشعائر السُّنية:
لم يلتزم أهل مصر بشعائر المذهب الإسماعيلي الذي حاول الفاطميون فرضه عليهم، بل حرصوا على التمسك بالشعائر السُّنية وإظهارها، فقد تمسكوا برؤية الهلال في الصوم والفطر وفقاً لتعاليم المذهب السُّني (1)، وصلى أهل السُّنة التراويح في جماعة أيام الحاكم بأمر الله في جامع عمرو وغيره، رغم منع الحكومة الفاطمية ذلك منذ أيام العزيز بالله.
وقد اضطر الحاكم بأمر الله إزاء تمسك أهل السُّنة في مصر بمذهبهم، ونتيجة الضغط السُّني عليه من ناحية المغرب إلى تخفيف الضغوط الدينية على أهل السُّنة، فقرَّب فقهاءَ المالكية في مصر، وسمح لهم بتدريس مذهبهم، وعيَّن في دار الحكمة اثنين من علماء السُّنة، وأعطى أهل السُّنة الحريَّة في إقامة صلاة الضحى والتراويح في شهر رمضان وغيرهما من الشعائر السُّنية، بل إنه أصدر سجلاً يكفل الحرية الدينية في دولته، فمن أراد التمسك بالمذهب السُّني فله ذلك، ومن أراد التحول إلى المذهب الشيعي فله ذلك (2)، بيد أن الحاكم تراجع عن هذه السياسة المتسامحة وعاد مرة أخرى إلى تشدده مع أهل السُّنة (3).
ب- الطعن في المذهب الإسماعيلي والتشكيك فيه:
اتجه فريق من أهل السنة إلى الطعن في المذهب الإسماعيلي والنيل منه، وتشويه صورته، كما طعنوا في نسب الفاطميين الذي ثارت حوله شكوك كثيرة، وقد اختلف المؤرخون في صحة نسب الفاطميين، ولم يصلوا إلى رأي حاسم يمكن الاعتماد عليه بسبب سرية الدعوة الإسماعيلية، والتقية التي مارسوها بسبب الاضطهاد والقتل والتشريد الذي تعرض له الشيعة، ولم يؤرخوا لحركتهم، لأن
(1) اتعاظ الحنفا المقريزي: 1/ 116.
(2)
اتعاظ الحنفا للمقريزي: 2/ 78 - 80. مصر بين المذهب السني والمذهب الإسماعيلي للدكتور أحمد كامل: ص 198 - 199.
(3)
اتعاظ الحنفا للمقريزي: 2/ 80.
الستر أصل من أصول مذهبهم، ومن ضعف العقيدة عندهم كشف المستور (1).
ومن أبرز المؤرخين الذين أيدوا صحة النسب الفاطمي: ابن الأثير، والمقريزي وابن خلدون (2)، وأبرز الذين طعنوا في صحة النسب الفاطمي: البغدادي والرازي والشهرستاني وابن حزم (3).
فمثلاً كان الخليفة العزيز بالله يصعد المنبر فيجد قصاصات الطعن في نسبه، ومن ذلك ما أورده ابن تغري بردي من أنه صعد المنبر فوجد ورقة مكتوب فيها:
إنَّا سمعنا نسباً منكَراً
…
يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعي صادقاً
…
فاذكر أباً بعد الأب الرابع
وإن ترد تحقيق ما قلته
…
فانسب لنا نفسك كالطائع
أوْ لَا: دع الأنساب مستورة
…
وادخل بنا في النسب الواسع
فإنَّ أنساب بني هاشم
…
يقصر عنها طمع الطامع (4)
ولا ريب أن الطعن في النسب الفاطمي يعني الطعن في الأساس الذي قامت عليه الخلافة الفاطمية، وهو الانتساب إلى آل البيت (5).
ومن مظاهر طعن أهل السُّنة في المذهب الإسماعيلي طعنهم في علم الأئمة الفاطميين الذين نسبوا إلى أنفسهم علماً خاصّاً يتوارثونه فيما بينهم، وكان هذا الطعن مشوباً بسخرية لاذعة اشتهر بها المصريون، فروي أن العزيز بالله اعتلى المنبر ذات مرة لخطبة الجمعة فوجد ورقة مكتوباً فيها:
بالظلم والجور قد رضينا
…
وليس بالكفر والحماقة
(1) تاريخ مصر للدكتور الشيال: 1/ 125. الدولة الفاطمية للدكتور أيمن سيد: ص 100 وما بعدها.
(2)
الكامل لابن الأثير: 6/ 446 - 448. اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا للمقريزي: 1/ 22 - 34. المقفَّى الكبير للمقريزي: 4/ 523 - 570. تاريخ ابن خلدون: 1/ 21. ولكن السخاوي بيَّن سبب دفاع ابن خلدون عن صحة نسب الفاطميين أنه أراد أن يلصق بهم المساوئ التي عرفت عنهم، لأن هواه لم يكن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والله أعلم.
(3)
الفرق بين الفرق للبغدادي: ص 47. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي: 1/ 76 - 77.
(4)
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 4/ 116. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 5/ 373.
(5)
مصر بين المذهب السني والمذهب الإسماعيلي للدكتور أحمد كامل: ص 202.