الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواسع من الفقهاء للخلافة الأموية في الأندلس، رغم مخالفة هذه البيعة لشرط البلوغ والتي تحدث لأول مرة في التاريخ الإسلامي (1).
علاقة الأمويين في الأندلس بالفاطميين:
بعد قيام الخلافة العباسية في بغداد واستلام العباسيين للخلافة دون الشيعة (2) وتفردهم بالحكم رغم اشتراكهما معاً في الثورة ضد الأمويين، استأنفت الدعوة للتشيع بشكل مستقل وسري، وبثَّ الشيعةُ الإسماعيلية دعاتهم في أرجاء الدولة الإسلامية، وظهر أثر هذه الدعوة أول ما ظهر في سجلماسة (جنوب الجزائر)، وتطور إلى إقامة دولة في أفريقية (تونس)، وتعتبر الخلافات المذهبية من القضايا الرئيسة التي وجهت العلاقات بين الدولة الأمويَّة أو العباسيَّة السنيَّة والدولة الفاطميَّة الشيعيَّة الإسماعيليَّة، وقد برزت تلك الخلافات في قضية أساسية هي قضية الإمامة، وإلى جانب ذلك اختلفوا في تأويل القرآن الكريم وتفسيره والسنة والعبادات والمعاملات الشرعية
…
ونحوها، ومن نماذج ذلك: الفرق بين الإسلام والإيمان إذ يرى الشيعة أن الإقرار بالله سبحانه وتعالى والتصديق لرسوله والإقرار به هو الإسلام، الذي مثله في التأويل مثل الظاهر وهو أول ما يجب على الإنسان أن يعمله ويعتقده، أما الإيمان فهو معرفة حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه والاعتقاد بإمامته، والإيمان مثله مثل الباطن، ويجب ألا يفاتح المرء بالإيمان قبل مفاتحته بالإسلام (3).
ومن أمثلة تأويلهم للنصوص أن المعنيين بقوله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة/71 وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء/59 وقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
(1) أعمال الأعلام لابن الخطيب: ص. شيوخ العصر لمؤنس: ص 75.
(2)
انقسم الشيعة بعد وفاة جعفر الصادق سنة 148هـ/765 م إلى قسمين: الإثني عشرية: وهم الذين يقولون بأن الإمام بعد جعفر الصادق ابنه الأصغر موسى الكاظم وساقوا الإمامة في أبنائه من بعده إلى الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري فسُمُّوا لذلك بالإثني عشرية. والإسماعيلية: وهم الذين جعلوا الإمامة بعد جعفر الصادق في ابنه الأكبر إسماعيل ثم استمرت في عقبه بعد ذلك وهؤلاء هم الذين أسسوا الدولة الفاطمية. انظر: تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب: ص 123 - 124.
(3)
تأويل الدعائم القاضي النعمان: 1/ 1 - 6.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} المائدة/5 هم الأئمة (1).
ومن أمثلة تأويلهم للعبادات ففي الطهارة أن الظاهر فيها هو الوضوء والغسل بالماء والتيمم بالصعيد لمن يجوز له ذلك من أحداث الأبدان، وتأويلها في الباطن التطهر بالعلم، وفي الصلاة تأويلها في الباطن في الدعوة ومعرفة الإمام (2).
وفي الصيام: في الظاهر الإمساك عن الطعام والشراب ونحوه وذلك في النهار، وفي الباطن كتمان علم الشريعة عن أهل الظاهر والإمساك عن المفاتحة به ممن يؤذن له في ذلك (3).
والحج: في الظاهر قصد بيت الله الحرام وفي الباطن قصد الإمام ومعرفته (4).
ويعتبر الشيعة الإسماعيلية أن ركائز الإسلام ودعائمه سبعة هي بالترتيب: الإمامة، الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، الجهاد (5)، ومن تأويل باطن هذه الركائز واستكناهه انبثق الفكر الشيعي الإسماعيلي، الذي حرص الأئمة والدعاة الإسماعيليون على بثه والتبشير به بين الناس في مختلف الأقاليم، وهو بلا شك فكر مخالف لما عليه أهل السنة الذين لا يجيزون التأويل الباطني إذا كان لا يدل عليه اللفظ، وروى ابن ماجه وغيره عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا؟ فقال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد» (6).
(1) تأويل الدعائم للقاضي النعمان: 1/ 62 - 64، 70.
(2)
تأويل الدعائم للقاضي النعمان: 1/ 72. كتاب الافتخار للسجستاني: ص 111.
(3)
كتاب الافتخار السجستاني: ص 126. تأويل الدعائم للقاضي النعمان: 3/ 107 - 108.
(4)
كتاب الافتخار للسجستاني: ص 128 - 129. وانظر: العلاقات السياسية للعوفي: ص 41 وما بعدها.
(5)
تأويل الدعائم للقاضي النعمان: 1/ 2. المجالس المستنصرية لأبي النجم بدر الجمالي: ص 37.
(6)
رواه عن العرباض بن سارية كل من ابن ماجه: كتاب المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين رقم (43). وأحمد في مسنده: 28/ 367 رقم (17142) وقال محقق الكتاب: حديث صحيح بطرقه وشواهده، = = وهذا إسناد حسن. والمستدرك: 1/ 175 رقم (331). والمعجم الكبير للطبراني: 18/ 247 رقم (619). وغيرهم.
لهذا فمنذ قيام الخلافة الفاطمية كان لها أطماع جديَّة في الأندلس، من أجل القضاء على الحكم الأموي فيها بدافع الاختلاف المذهبي ولتأمين حدودها الغربية، فعملت على مد نفوذها في المغربين الأوسط والأقصى، بالتحالف مع قبيلة كتامة البربرية، وكان عبيد الله المهدي (1) بالإضافة إلى ما يقوم به من أعمال حربية وتوسعية في أفريقية والمغرب، مهتماً أيضاً بإعداد الدعاة المهرة وانتقائهم من بين العلماء المخلصين لمبادئ الشيعة، وإرسالهم إلى كثير من أقاليم العالم الإسلامي لبثِّ دعوة الفواطم ونشر مبادئهم، ولا سيما في أرض الأندلس حيث يوجد أعداؤهم التقليديون بنو أمية، وذلك ليمهدوا الطريق أمام الغزو الفاطمي، بالدعاية وبث الأفكار الشيعية في ربوع الأندلس من جهة، وبالجاسوسية من جهة أخرى، لمعرفة الأحوال السياسية والاقتصادية والدينية للبلد المقصود، والتركيز على مواطن الضعف والقوة فيه، وقد كُلِّف بهذه المهمة مجموعة من الجواسيس والدعاة، وراء ستار من المصالح المشروعة، كالتجارة أو العلم أو السياحة الصوفية (2)، وكان الفاطميون في أفريقية والمغرب يجسُّون النبض ويترقبون الفرصة للهجوم، إما شرقاً نحو مصر أو غرباً نحو الأندلس، مما كوَّن خطراً واضحاً على أمويي الأندلس (3).
لقد أدرك كل من الأمويين والعبيديين خطورة كل منهما على الآخر، كما أدركا الأهمية الإستراتيجية للمغربين الأوسط والأقصى لكل منهما أيضاً، فالمغرب في نظر الخليفة الناصر مفتاح للأندلس (4)، بينما كان يرى العبيديون أنه لا يمكن أن
(1) توفي في سنة 322 هـ، وقد عاب ابن خلدون على العلماء والمؤرخين الذين أنكروا نسب الفاطميين، وخص بالذكر أبا بكر الباقلاني الذي أنكر نسبهم. مقدمة ابن خلدون: 1/ 21 - 22.
(2)
من هؤلاء الجواسيس أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني المعرف بالرياضي (توفي سنة 298هـ/910 م) وأبو جعفر بن أحمد بن هارون البغدادي. والرحالة ابن حوقل النصيبي (توفي سنة 367هـ/977 م). انظر العلاقات السياسية للفيلالي: ص 127.
(3)
التشيع في الأندلس لمحمود علي مكي: ص 19 - 20. سياسة الفاطميين نحو المغرب والأندلس للدكتور أحمد مختار العبادي: ص 13. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 126.
(4)
انظر ما كتبه ابن حيان في المقتبَس: 5/ 255 - 257 وبشيء من الإسهاب والتفصيل عن تقدير الخليفة الناصر لأهمية عدوة المغرب في الدفاع عن الأندلس ومقاومة الدعوة العبيدية.
يستقر لهم قرار في المغرب وبنو أمية في الأندلس (1) فاحتلالهم للأندلس سيجعل المغرب الإسلامي كله خاضعاً لهم وبهذا ينقسم العالم الإسلامي إلى قسمين: شرقي تابع للخلافة العباسية، وغربي تابع للخلافة العبيدية.
ولكن المحاولات الفاطمية لاحتلال المغربين الأوسط والأقصى لم تنجح بسبب المناوأة الأموية من جهة، وسياسة التعسف التي سلكها عبيد الله في نشر التشيع من سبِّ الصحابة وإظهار البدع المحرمة، وإحلال الحرام كشرب الخمر وأكل الخنزير في نهار رمضان!! من جهة أخرى (2)، فمثلاً أحمد البلوي كان يجعل قبلته في الصلاة حيث يقيم عبيد الله الشيعي ويقول: لست ممن يعبد ما لا يُرى، حتى أفتى علماء المالكية بعدم جواز دفع الزكاة للعبيدية لأنهم على غير الإسلام (3).
ونظراً لعدم نجاح دعاة الدعوة الفاطمية في الأندلس، سلك الفاطميون أسلوب دعم الثورات المناهضة للأمويين في الأندلس.
وكانت الثورات الشيعية التي قامت في الأندلس قد سبقت قيام الخلافة الفاطمية بزمن بعيد، ويمكن القول أن ما نجحت به الدعوة الشيعية في أفريقية من إقامة الخلافة الفاطمية، كان هناك ما يقابله في كل نواحي الخلافة العباسية تقريباً، غير أنه لم ينجح في كثير من الأماكن ومن بينها الأندلس، وعند قيام الدولة العبيدية الفاطمية بأفريقيا كانت الأحوال في الأندلس مضطربة ووحدتها السياسية متفككة، لظهور الكثير من حركات التمرد على السلطة المركزية في قرطبة في أواخر عصر الإمارة، فحاول العبيديون مد نفوذهم إلى الأندلس بالاستفادة من الظروف المضطربة التي تعاني منها الأندلس، في وقت كانت الثورات في الأندلس تحتاج
(1) انظر سياسة الفاطميين نحو المغرب والأندلس لأحمد مختار العبادي، مقال في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية مدريد، المجلد الخامس العدد 1 - 2 سنة 1377هـ/1957 م: ص 13. وعن محاولات العبيديين مد نفوذهم إلى المغرب انظر البيان المغرب لابن عذاري: 1/ 178. القوى السُنيَّة في المغرب من قيام الدولة الفاطمية إلى قيام الدولة الزيرية لمحمد عبد المولى: 2/ 572. وانظر: الأثر السياسي والحضاري للحياة الفكرية في الأندلس للوزان: ص 258 - 259.
(2)
كما أشار بذلك ابن عذاري في البيان المغرب: 1/ 185 - 186. وانظر الأثر السياسي والحضاري للوزان: ص 260.
(3)
ترتيب المدارك لعياض: 4/ 375 ترجمة الصيرفي المتوفى سنة 299 هـ، و: 6/ 248 ترجمة الجنبناني و: 6/ 254 ترجمة السبئي المتوفى سنة 356 هـ.